(و) الرابع (استقبال القبلة) أي: استقبال عينها يقينا في القرب، وظنا في البعد، وهو شرط الصلاة للقادر على الاستقبال، فلا تصح الصلاة بدونه إجماعا، والقبلة في اللغة: الجهة، والمراد هنا الكعبة، ولو عبر بها لكان أولى؛ لأنها القبلة المأمور بها، ولكن القبلة صارت في الشرع حقيقة الكعبة لا يفهم منها غيرها، وسميت قبلة لأن المصلي يقابلها، وكعبة لارتفاعها أو استدارتها، أما العاجز عنه كمريض لا يجد من يوجهه إليها ومربوط على خشبة فيصلي على حاله ويعيد وجوبا؛ قال في الكفاية: ووجوب الإعادة دليل على الاشتراط، أي: فلا يحتاج للتقييد بالقادر، فإنها شرط للعاجز أيضا بدليل القضاء، ولذلك لم يذكره في التنبيه والحاوي، واستدرك على ذلك السبكي، فقال: لو كانت شرطا لما صحت الصلاة بدونه، ووجوب القضاء لا دليل فيه، قال nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب: وفي هذا نظر؛ لأن الشرط إذا فقد تصح الصلاة بدونه وتعاد كفاقد الطهورين، قال: ثم رأيت الأذرعي تعرض لذلك، ولا يشترط في شدة الخوف .
وأما نفل السفر فيختص الاستقبال فيه وجوبا بالتحرم، فلا يجب فيما عداه؛ لأن الانعقاد يحتاط له ما لا يحتاط لغيره. وقيل: يشترط في السلام أيضا، والأصح المنع كما في سائر الأركان، وقال ابن الصباغ: فالقياس أنه مهما دام واقفا لا يصلي إلا إلى القبلة، وهو متعين. اهـ .
وأما إن كان سائرا، فإن كان ماشيا وجب الاستقبال في التحرم والركوع والسجود والسلام، ويمشي فيما عدا هذه الأربعة، وأما إن كان راكبا ففيه تفصيل بين أن يكون في سفينة أو سرج، فليراجع في محله، ومن أمكنه علم القبلة حرم عليه التقليد والاجتهاد، وإلا أخذ بقول ثقة يخبر عن علم بالقبلة، أو المحراب، فإن فقد وأمكن الاجتهاد بأن كان يعرف أدلة القبلة حرم التقليد، وإن تحير لم يقلد في الأظهر، وصلى كيف كان ويقضي .
وأدلة القبلة أقواها القطب، وهي نقطة تدور عليها الكواكب وتختلف باختلاف الأقاليم، ففي العراق يجعله المصلي خلف أذنه اليمنى، وفي مصر خلف أذنه اليسرى، وفي اليمنى قبالته مما يلي جانبه الأيسر، وفي الشام وراءه وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلا، ويجب الاجتهاد أو التقليد لنحو الأعمى لكل صلاة تحضر على الأصح كما في الروضة، ومن عجز عن الاجتهاد وتعلم الأدلة قلد ثقة عارفا بالأدلة وجوبا، فإن صلى بلا تقليد قضى، فإن قدر على تعلم الأدلة، فالأصح وجوب التعلم عند السفر وفي الحضر، ففرض كفاية، وسفر الحج مع الركب كالحضر على الصحيح، ومن صلى بالاجتهاد فتيقن الخطأ قضى وجوبا في الأظهر، فلو تيقنه فيها وجب استئنافها، وإن تغير اجتهاده عمل بالثاني، والله أعلم .
" (فصل)
وقال أصحابنا: ليس السين في الاستقبال للطلب؛ لأن طلب المقابلة ليس هو الشرط، بل الشرط المقصود بالذات المقابلة، والقبلة هي الجهة التي تستقبل في الصلاة، وهو شرط عند القدرة، والأمن، فللمكي المشاهد فرضه إصابة عينها اتفاقا، ولغيره سواء كان بمكة أو غيرها إصابة جملتها، أي: الكعبة في الصحيح، وقول آخر: يشترط إصابة عينها للكل، حكاه أبو عبد الله الجرجاني، ولا تشترط نية الكعبة مع الاستقبال للقبلة في الصحيح، وهو قول أبي بكر بن حامد، وقال محمد بن الفضل: تشترط، وقال صاحب الدراية: وهو الأحوط [ ص: 136 ] واعترضه ابن أمير الحاج وقال: ليس كذلك إذا كان الاحتياط بأقوى الدليلين، فإن الاشتراط ليس له دليل قوي فيما يظهر؛ فضلا عن كونه يقتضي أقوى الدليلين، ومنهم من قال: إن صلى في المحاريب فكما قال ابن حامد: وإن صلى في الصحراء فكما قال ابن الفضل نقله nindex.php?page=showalam&ids=16808قاضيخان، وقال القوام السكاكي: جهة الكعبة هي التي إذا توجه إليها يكون مسامتا للكعبة، أو هوائها تحقيقا أو تقريبا، ومعنى التحقيق أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارا على الكعبة أو هوائها، ومعنى التقريب أن يكون ذلك منحرفا عن الكعبة أو هوائها انحرافا لا تزول به المقابلة الكلية، ثم إن مكة لما بعدت عن ديارنا بعدا مفرطا تتحقق المقابلة إليها في مسافة بعيدة على نسق واحد، فإنا لو فرضنا خطا من جبين من استقبل القبلة على التحقيق في ديارنا، ثم فرضنا خطا آخر يقطع ذلك الخط على زاويتين قائمتين عن يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة، والتوجه بالانتقال إلى اليمين والشمال على الخط الثاني بفراسخ كثيرة، فلذلك وضع العلماء القبلة في البلاد المتقاربة على سمت واحد بأن جعلوا القبلة ببخارى وسمرقند ونسف وكش وترمذ وبلخ ومر وموضع غروب الشمس، إذا كانت في آخر الميزان وأول العقرب لبقاء المقابلة في هذا القدر ونحوه من المسافة، ولم يخرجوا لكل مسجد على حدة سمت الكعبة على التحقيق؛ لأن ذلك خارج عن الوسع كذا في التسهيل لابن قاضي سماونة، وسماونة قرية من قرى الروم.