وأما ستر العورة ، فاعلم أن معناه تغطية مقابح بدنك عن أبصار الخلق فإن ظاهر بدنك مرتع لنظر الخلق فما بالك في عورات باطنك وفضائح سرائرك التي لا يطلع عليها إلا ربك عز وجل فأحضر تلك الفضائح ببالك وطالب نفسك بسترها وتحقق أنه لا يستر عن عين الله سبحانه ساتر .
وإنما يغفرها الندم والحياء والخوف فتستفيد بإحضارها في قلبك انبعاث جنود الخوف والحياء من مكامنهما فتذل بها نفسك ويستكين تحت الخجلة قلبك وتقوم بين يدي الله عز وجل قيام العبد المجرم المسيء الآبق الذي ندم فرجع إلى مولاه ناكسا رأسه من الحياء والخوف .
(وأما ستر العورة، فاعلم أن معناه تغطية مقابح بدنك) ، أي: مما يقبح ظهوره فيستر (عن أبصار الخلق) مأخوذ من العور بالتحريك، وهو النقص والعيب والقبح، ومنه الكلمة العوراء، وهي القبيحة (فإن ظاهر بدنك موقع نظر الخلق) ، كما أن باطنه الذي هو القلب موقع نظر الخالق، (فما رأيك) وفي نسخة: فما بالك (في عورات باطنك) أي: مقابحها وعيوبها، (وفضائح سرائرك) جمع سريرة، كما أن الفضائح جمع فضيحة، وفي نسخة: سرك (الذي لا يطلع عليه إلا ربك) -عز وجل- (فأحضر تلك الفضائح ببالك) وتخيلها فيه، (وطالب نفسك) بعد محاسبتها (بسترها وتحقق أنه لا يسترها عن عين الله ساتر) ؛ لأنه تعالى يرى المستور كما يرى المكشوف، ولذا منعوا الاغتسال في الماء عريانا والصلاة في بيت مظلم عريانا، ومن جوزه جعل الستر مشتملا على حق الله تعالى، وحق العباد، وإن كان مراعى في الجملة بسبب استتاره عنهم فحق [ ص: 139 ] الله ليس كذلك، وهذا نظر أهل الظاهر، (وإنما يكفرها) أي: تلك الفضائح (الندم) على ما سبق، (والحياء) من الله تعالى، (والخوف) منه (فتستفيد بإحضارها) ، أي: تلك الفضائح (في قلبك) ، كما ذكر (انبعاث جنود الخوف و) عساكر (الحياء من مكامنها فتذل بها) ، وفي نسخة: به، (نفسك) أي: تصير ذليلة منقادة، (ويستكين) أي: يخضع، والسين زائدة مأخوذة من السكينة (تحت الخجلة قلبك) ، وهذا هو الدواء النافع في ستر تلك الفظائع، فإذا تنصلت منها صرت في حكم مستور العورة، (وتقوم بين يدي الله قيام العبد المجرم) الكثير الجرم، القليل الجرم (المسيء) في حق نفسه بمتابعة المخالفات (الآبق) ، أي: الفار من سيده (الذي ندم) على ما فرط فيه من الإساءة، والإباق، (فرجع إلى مولاه) بذل وانكسار (ناكسا رأسه) ، أي: خافضا كالذي يفعله (من) شدة (الحياء والخوف) ، فعسى مولاه يقبله بلطفه، ويقابله بعفوه .