فأما القراءة فالناس فيها ثلاثة رجل يتحرك لسانه وقلبه غافل ورجل يتحرك لسانه وقلبه يتبع اللسان فيفهم ويسمع منه كأنه يسمعه من غيره وهي درجات أصحاب اليمين ورجل يسبق قلبه إلى المعاني أولا ، ثم يخدم اللسان القلب فيترجمه .
ففرق بين أن يكون اللسان ترجمان القلب أو يكون معلم القلب والمقربون لسانهم ترجمان يتبع القلب ولا يتبعه القلب .
، وتفصيل ترجمة المعاني أنك إذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم فانو به التبرك لابتداء القراءة لكلام الله سبحانه وافهم أن الأمور كلها بالله سبحانه .
وأن المراد بالاسم ههنا هو المسمى .
وإذا كانت الأمور بالله سبحانه فلا جرم كان الحمد لله ومعناه أن الشكر لله إذ النعم من الله .
ومن يرى من غير الله نعمة أو يقصد غير الله سبحانه بشكر لا من حيث إنه مسخر من الله عز وجل ففي تسميته وتحميده نقصان بقدر التفاته إلى غير الله تعالى .
ثم قال: (فأما القراءة فالناس فيها ثلاثة) ، الأول: (رجل يتحرك لسانه) بها (وقلبه غافل) عن معانيها، (و) الثاني (رجل يتحرك لسانه) بها، (وقلبه يتبع اللسان) ، وفي نسخة: تبع للسانه، (فيسمع ويفهم منه كأنه يسمعه من غيره) ، وفي بعض النسخ: فيفهم ويسمع منه كأنه يسمعه من غيره، (وتلك درجة أصحاب اليمين) من الخواص الصالحين، (و) الثالث (رجل يسبق قلبه لسانه إلى) فهم (المعاني أولا، ثم يخدم اللسان القلب فيترجمه) عن تلك المعاني، (ففرق بين أن يكون اللسان ترجمان القلب أو يكون معلم القلب) ، وفي نسخة: ففرق بين من يكون لسانه ترجمان قلبه، وبين من يكون لسانه معلم قلبه، (والمقربون) المشار إليهم أولئك المقربون في جنات النعيم، (ألسنتهم تترجم) ، أي: تعبر، وتبين (عن قلوبهم، ولا تكون قلوبهم تبعا لألسنتهم) ، والمراد بالمقربين هنا النبيون والصديقون والشهداء، وهم الذين لهم الروح والريحان، وجنة النعيم، وتحقيق هذا المقام ما أشار إليه السهروردي في العوارف حيث قال: فيعلم العبدان تلاوته قبل نطق اللسان، ومعناها نطق القلب وكل مخاطب لشخص يتكلم بلسانه، فلسانه يعبر عما في قلبه، فلو أمكن المتكلم إفهام من يكلمه من غير لسان فعل، ولكن حيث تعذر الإفهام إلا بالكلام وجعل [ ص: 149 ] اللسان ترجمانا، فإذا قال اللسان من غير مواطأة للقلب، فما اللسان ترجمان، ولا القارئ متكلم قاصد إسماع الله حاجته، ولا مستمع إلى الله، فافهم عنه سبحانه ما يخاطبه، وما عنده غير حركة اللسان بقلب غائب عن قصد ما يقول، فلا يكون متكلما مناجيا ولا مستمعا واعيا، فأقل مراتب أهل الخصوص في الصلاة الجمع بين القلب واللسان في التلاوة، ووراء ذلك أحوال للخواص يطول شرحها. اهـ .
ثم إنه لما ذكر القراءة وأنها صورة مجردة، وإنها لها معان، وهي المعتبرة في القصد أشار إلى تفصيل ذلك فقال: (وتفصيل ترجمة المعاني) لأهل القرب الداني (أنك إذا قلت) في أول قراءتك بعد دعاء التوجه، والاستعاذة بسم الله الرحمن الرحيم، كما جاء ذلك في رواية زياد بن سمعان عن العلاء عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة على ما سيأتي ذكره (فانو به) ، أي: بقولك هذا (التبرك) ، أي: طلب البركة (لابتداء القراءة لكلام الله عز وجل) ، فإنه تعالى استفتح بها كتابه المجيد، وأنزلها مع كل سورة، وهذه الملاحظة ابتداء لا بد منها، (وافهم) من ذلك (أن معناها أن الأمور كلها) دقها وجلها (بالله تعالى) ، فإنه هو المنفرد بالوجود الحقيقي، وكل موجود سواه غير مستحق الوجود لذاته، فقيام كل الأمور به تعالى (وأن المراد بالاسم هنا هو المسمى) ، كما في قوله تعالى: تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ، وفي هذه المسألة لأهل الظاهر من المتكلمين اختلاف كثير هل هو عين المسمى، ولكنه هو التسمية أو هو عينه، ولكنه غير التسمية، أو هو قد يكون عينه، وقد يكون غيره أو قد يكون بحيث لا يقال إنه المسمى، ولا هو غيره، وقد تقدم البحث فيه في شرح الكتاب الثاني من قواعد العقائد، ولكن ينبغي للمصلي عدم الالتفات إلى تصور هذه الاختلافات، فلا يطاول فيها، بل يكف عنان قلبه إلى الحصول المعني المراد بأن التبرك في الحقيقة به تعالى، وأن ذكر الاسم حجاب حجب به قلوب عباده، ولذا قال: سبح اسم ربك الأعلى ، (فإذا كانت الأمور لله سبحانه) من حيث إنه موجدها ومفيضها، (فلا جرم كان الحمد لله) ، هذا وجه ارتباطها بما بعدها من الآيات، (ومعناه أن الشكر لله) أشار بذلك إلى ترادف الحمد والشكر، وبينهما فرق ذكره العلماء في كتبهم تفصيله يخرجنا عن المقصود (إذ النعم) الظاهرة والباطنة، (كلها من الله، ومن يرى) في مشهده (من غير الله نعمة أو يقصد غير الله سبحانه بشكره) بوصول تلك النعمة إليه، (لا من حيث إنه مسخر) مذلل (من الله عز وجل) ، هو الذي ألهمه بإيصال تلك النعمة إليه، (ففي تسميته) ، أي: قوله: بسم الله (وتحميده) أي: قوله: الحمد لله (نقصان) في المقام والمشهد (بقدر التفاته إلى غير الله تعالى) ، بل هو عين الهلاك والبعد عن قرب الله تعالى، فليحذر المصلي أن يخطر بقلبه تصور نعمة دقيقة أو جليلة من غير الله تعالى، ولا تصور شكره لسواه، (فإذا قلت: الرحمن الرحيم، فأحضر بها قلبك) مدلول هذا الوصف من حيث ما تطلبه ذات الحق، ومن حيث ما يطلبه المرحوم، وأحضر في قلبك جميع (أنواع لطفه لتتضح لك رحمته) ، أي: عمومها على خلقه، (فينبعث بذلك رجاؤك) ، فمن أنواع لطفه إفاضة الخير على المحتاجين، وأن إرادته لهم عناية بهم، وهذه هي الرحمة التامة، ومنها عمومها حيث تتناول الضرورات والمزايا الخارجة عنها، وهي الرحمة العامة، فإذا اتضح له هذا المعنى صدق رجاؤه في المتعلق به مع احتياجه وشدة فاقته إلى تلك الإفاضة .