نعم فيها خطر الضمان ، والفضيلة مع الخطر كما أن رتبة الإمارة ، أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم : " ليوم من سلطان عادل أفضل من عبادة سبعين سنة ولكن فيها خطر ولذلك وجب تقديم الأفضل ، والأفقه .
(وكذلك نقل عن الصحابة - رضوان الله عليهم - أنهم كانوا يتدافعون الإمامة) ، كما تقدمت الإشارة إليه (والصحيح أن الإمامة أفضل) ، وكذلك عندنا (إذ واظب عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم) ، والخليفتان من بعده (أبو بكر
[ ص: 174 ] nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ) - رضي الله عنهما - (والأئمة) الراشدون (بعدهما من) أجل (خطر الضمان ، والفضيلة مع الخطر) ، فإن أفضل العبادات أحمزها كما ورد ، وهذا الذي صححه المصنف من أفضلية الإمامة هو ما رجحه القاضي أبو الطيب ، nindex.php?page=showalam&ids=14274والدارمي ، وابن أبي هريرة ، وصاحب الإفصاح قال nindex.php?page=showalam&ids=13677الأذرعي : وهو الذي رجحه كثيرون ، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم خلاف ما حكاه النووي عنه ، فإن لفظه : "أحب الأذان " لقوله - عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=910614 "اللهم اغفر للمؤذنين " وأكره الإمامة للضمان ، وما على الإمام فيها ، وإذا أم ينبغي أن يتقي ، ويؤدي ما عليه في الإمامة ، فإذا فعل رجوت أن يكون خير حال من غيره . قال صاحب الشامل : وغيره هذا يدل على أنه إذا كان يقوم بالإمامة كانت أفضل . أهـ .
وقال في موضع آخر : ولا أكره الإمامة إلا من جهة كونها ولاية ، وأنا أكره سائر الولايات ، وحمله على ما قدمنا متعين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14396الروياني : الصحيح أن الإمامة أولى إذا قام بحقها ؛ لأنها أشق . نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتاب الإمامة ، ولا يحتمل أن يقال غير هذا . وغلط من خالفه ، ورجحه nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي ، ونسبه لترجيح الأكثرين ؛ منهم الشيخ أبو حامد وأتباعه ، nindex.php?page=showalam&ids=13889والبغوي ، واختاره ابن الرفعة في المطلب قال المتأخرون ، ويتعجب من النووي كيف يفضل الأذان مع أنه سنة ، والجماعة فرض كفاية ، ونظامها إنما هو بالإمامة ، ومن المعلوم أن القيام بالفرائض أجل من القيام بالنوافل بدرجات كثيرة . والله أعلم ، ثم زاد المصنف وضوحا لما ذهب إليه من أن الفضيلة في الخطر ، فقال : (كما أن رتبة الخلافة ، والإمارة أفضل) الخلافة النيابة عن الغير لغيبة المنوب عنه ، أو موته ، والخليفة هو القائم بما يقوم به المستخلف على حسب رتبة ذلك الخليفة منه ، والإمارة الولاية (لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "ليوم واحد من ذي سلطان عادل أفضل من عبادة سبعين سنة ) قال العراقي : أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بسند حسن بلفظ : ستين . أهـ .
وهو معنى الخبر المشهور الدائر على الألسنة : عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة (ولكن فيها خطر) ، أي : في الإمامة ؛ لكونها من قبل الولايات (ولذلك وجب تقديم الأفضل ، والأفقه) على غيرهما .
قال الجمهور : هما مقدمان عليه ، وقال الشيخ أبو محمد ، وصاحبا التتمة ، والتهذيب : يقدم عليهما ، والأول أصح ، ولو اجتمع من لا يقرأ إلا ما يكفي الصلاة ، ولكنه صاحب فقه وآخر يحسن القرآن كله ، وهو قليل الفقه ؛ فالصحيح أن الأفقه أولى ، والثاني : هما سواء ، فأما من جمع الفقه والقراءة ، فهو مقدم على المنفرد بأحدهما قطعا ، والفقه والقراءة يقدم كل واحد منهما على النسب ، والسن ، والهجرة ، وعن بعض الأصحاب قول مخرج أن السن يقدم على الفقه ، وهو شاذ ، وإذا استويا في الفقه والقراءة ، ففيه طرق . أهـ .
(فصل)
وقال أصحابنا : يقدم الأعلم ، ثم الأقرأ ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، ومحمد ، واختاره صاحب الهداية ، وغيره من أصحاب المتون ، وعليه أكثر المشايخ ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : يقدم الأقرأ ، ثم الأعلم ، واختاره جمع من المشايخ ، ومن الشافعية nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ، كما نقله النووي في المجموع ، ثم اتفقوا ، فقالوا : ثم الأورع ، ثم الأسن ، ثم الأحسن خلقا ، ثم الأحسن وجها ، ثم الأشرف نسبا ، ثم الأحسن صوتا ، ثم الأنظف ثوبا ، فإن استووا يقرع بينهم ، أو الخيار إلى القوم ، فإن اختلفوا ، فالعبرة بما اختاره الأكثر ، فإن قدموا غير الأولى أساءوا في التجنيس لو أم قوما وهم له كارهون ، فهو على ثلاثة أوجه إن كانت الكراهة لفساد فيه ، أو كانوا أحق بالإمامة منه يكره . هكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري عن الصحابة ، وإن كان هو أحق بالإمامة منهم ، ولا فساد فيه ، ومع هذا يكرهونه لا يكره له التقدم ؛ لأن الجاهل ، والفاسق يكرهان العالم ، والصالح .
[ ص: 175 ] فأعلمهم بالسنة " ، ففرق بين الفقيه ، والقارئ ، وأعطى الإمامة للقارئ ما لم يتساويا في القراءة ، فإن تساويا لم يكن أحدهما بأولى من الآخر ، فوجب تقديم العالم بالسنة ، وهو الأفقه ، ثم قال - عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=43308 "فإن كانوا في السنة سواء ، فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء ، فأقدمهم إسلاما " الحديث . وأما تأويل المخالف للنص بأن الأقرأ في ذلك الزمان كان الأفقه ، فقد رد هذا التأويل قوله - عليه السلام - : "فأعلمهم بالسنة " ، ولكن قد يجاب عنه بأن المراد بالأقرأ في الخبر الأفقه في القرآن في معرفة أمره ، ونهيه وأحكامه ، فإذا استووا في القرآن ، فقد استووا في فقهه ، فإذا زاد أحدهم بفقه السنة ، فهو أحق ، فلا دلالة في الخبر على تقديم الأقرأ مطلقا ؛ بل تقديم الأقرأ الأفقه في القرآن على من دونه ، ولا نزاع فيه ، فتأمل ، واعلم أن كلام الله لا ينبغي أن يقدم عليه شيء أصلا بوجه من الوجوه ، فإن الخاص أن تقدمه من هو دونه ، فليس بخاص ، وأهل القرآن هم أهل الله ، وخاصته ، وهم الذين يقرؤون حروفه من عجم ، وعرب ، وقد صحت لهم الأهلية الإلهية ، والخصوصية ، فإن انضاف إلى ذلك المعرفة بمعانيه ، فهو فضل في الأهلية ، والخصوصية ، لا من حيث القرآن ؛ بل من حيث العلم بمعانيه ، فإذا انضاف إلى العلم به العمل به فنور على نور على نور ، فالقارئ مالك البستان ، والعالم كالعارف بأنواع فواكه البستان ، وتطعيمه ، ومنافع فواكهه ، والعامل كالآكل من البستان ، فمن حفظ القرآن ، وعلمه ، وعمل به كان كصاحب بستان علم ما في بستانه ، وما يصلحه ، وما يفسده ، وآكل منه ، ومثل العالم العامل الذي لا يحفظ القرآن كمثل العالم بأنواع الفواكه ، وتطعيماتها ، وغراسها ، والآكل الفاكهة من بستان غيره ، ومثل العامل كمثل الآكل من بستان غيره ، فصاحب البستان أفضل الجماعة الذين لا بستان لهم ، فإن الباقي يفتقر إليه ، والاعتبار في ذلك أن الأحق بالإمامة من كان الحق سمعه ، وبصره ، ويده ، وسائر أوصافه ، فإن كانوا في هذه الحالة سواء ، فأعلمهم بما تستحقه الربوبية ، فإن كانوا في العلم بذلك سواء ، فأعرفهم بالعبودية ، ولوازمها ، وليس وراء معرفة العبودية حال يرتضى يقوم مقامه ، أو يكون فوقه ؛ لأنه لذلك خلقوا .
قال تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، والإمامة على الحقيقة إنما هي لله الحق - جل جلاله - وأصحاب هذه الأحوال إنما هم نوابه ، وخلفاؤه ، ولهذا وصفهم بصفاته ، فهو الإمام لا هم .