(و) ويستحب للداخل في المسجد أن (لا يدع ركعتي التحية، وإن كان الإمام يخطب، ولكن يخفف؛ أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك) ، ولفظ القوت: وإذا دخل الجامع، فلا يقعدن حتى يصلي ركعتين قبل أن يجلس، وكذلك إن دخل والإمام يخطب صلاهما خفيفتين، وإن سمعه لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك. اهـ .
وقال العراقي: أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر، nindex.php?page=showalam&ids=12070وللبخاري الأمر بالركعتين، ولم يذكر التخفيف. اهـ .
قلت: وهو كنية سليك؛ لأنه هو سليك بن هدبة الغطفاني، وكانوا يكنون باسم آبائهم، وقد وقع التصريح باسم أبيه. هكذا عند nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان، عن الحسن، عن سليك بن هدبة الغطفاني أنه جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فساق الحديث، وبسليك فسر حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري فيما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي من طريق ابن عجلان، عن عياض بن عبد الله، عنه قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=667652إن رجلا دخل المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، فناداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما زال يقول: ادن حتى دنا، فأمره، فركع ركعتين قبل أن يجلس، وعليه خرقة خلق، ثم صنع مثل ذلك في الثانية فأمره بمثل ذلك، ثم صنع مثل ذلك في الثالثة، فأمره بمثل ذلك، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: تصدقوا، فألقوا الثياب، فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذ ثوبين، فلما كان بعد ذلك أمر الناس بأن يتصدقوا، فألقى رجل أحد ثوبيه فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمره أن يأخذ ثوبه الثاني. يستفاد من الحديث: استحباب تحية المسجد للداخل يوم الجمعة والإمام يخطب، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في المصنف، عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر، عن nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول، nindex.php?page=showalam&ids=16008وابن عيينة، وأبي عبد الرحمن المقري، nindex.php?page=showalam&ids=14171والحميدي، وإسحاق، وأبي ثور، وطائفة من أهل الحديث، وقال به nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، وأبو القاسم السيوري، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عن جمهور أهل الحديث، وذهب آخرون إلى أنه لا يفعلها، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة، عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير، nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين، nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح القاضي، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر، عن النخعي، وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث، وسعيد بن عبد العزيز، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري، وأبي قلابة الجرمي، nindex.php?page=showalam&ids=27وعقبة بن عامر، وثعلبة بن أبي مالك القرظي، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد -رضي الله عنهم-، ثم إن القائلين بهذا القول اقتصر أكثرهم على الكراهة، وبه جزم ابن قدامة في المغني ناقلا له عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة، وطائفة من السلف، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر بن العربي: الجمهور على أنه لا يفعل، والصحيح أن الصلاة حرام إذا شرع الإمام في الخطبة، وذهب أبو مجلز لاحق بن حميد إلى أنه مخير بين فعل التحية وتركها، فقال: إن شئت ركعت ركعتين، وإن شئت جلست. رواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في المصنف، فهذه أربعة مذاهب: الاستحباب، والكراهة، والتحريم، والتخيير .
الثالث: قال nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر الطحاوي: حجة أهل المقالة الأولى أنه قد يجوز أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر سليكا بما أمر به من ذلك، فقطع بذلك خطبته إرادة منه أن يعلم الناس كيف يفعلون إذا دخلوا المسجد، ثم استأنف الخطبة، ويجوز أيضا أن يكون بنى على خطبته، وكان ذلك قبل أن ينسخ الكلام في الصلاة، ثم نسخ الكلام في الصلاة، فنسخ أيضا في الخطبة، وقد يجوز أن يكون ما أمره به من ذلك كما قال أهل المقالة الأولى، ويكون سنة معمولا بها، فنظرنا هل شيء يخالف ذلك، فإذا nindex.php?page=showalam&ids=15516بحر بن نصر قد حدثنا قال: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، ثم ساق حديث nindex.php?page=showalam&ids=11788عبد الله بن بسر الذي تقدم، وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم- : nindex.php?page=hadith&LINKID=677618فقد آذيت وآنيت. قال: أفلا ترى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر هذا الرجل بالجلوس، فلم يأمره بالصلاة، وهذا يخالف حديث سليك، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الذي تقدم ما يدل على أن هذا كان في حال إباحة الأفعال في الخطبة قبل أن ينهى عنها، ألا تراه يقول: فألقوا ثيابهم، وقد أجمع المسلمون أن نزع الرجل ثوبه والإمام يخطب مكروه، وأن مسه الحصى والإمام يخطب مكروه، وأن القول لصاحبه أنصت والإمام يخطب مكروه؛ فدل ذلك على أن ما كان أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سليكا، والرجل الذي أمر بالصدقة عليه كان في حال الحكم فيها في ذلك خلاف الحكم فيما بعد .
وقد تواترت الروايات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن من قال لصاحبه: أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغا، فإذا كان قول الرجل لصاحبه حينئذ: [ ص: 298 ] أنصت. لغوا، كان قول الإمام: قم فصل لغوا أيضا، فثبت بذلك أن الوقت الذي كان فيه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمر لسليك بما أمر به كان الحكم فيه في ذلك خلاف الحكم في الوقت الذي جعل مثل ذلك لغوا، وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، ثم ساق قصة nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء مع nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب، وسؤاله له عن آية تلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخطبة أنها متى نزلت، وسكوت أبي عن الجواب، وقوله له بعد ذلك: ما لك من خطبتك إلا ما لغوت، وقوله -صلى الله عليه وسلم- : صدق أبي، وكذا قصة nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر مع أبي - رضي الله عنهما - مثل ذلك، وقد تقدم ذكرهما آنفا. قال: فقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإنصات عند الخطبة، وجعل حكمها في ذلك كحكم الصلاة، وجعل الكلام فيها لغوا، فثبت بذلك أن الصلاة فيها مكروهة، فإذا كان الناس منهيين عن الكلام ما دام الإمام يخطب؛ كان كذلك الإمام منهيا عنه ما دام يخطب بغير الخطبة، ثم ساق حديث nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان، وأبي سعيد، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة، nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو، وأوس بن أوس -رضي الله عنهم-، وفي كل من ذلك الأمر بالإنصات، وتقدم ذكرها، فقال: ففي كل من ذلك دليل أن موضع كلام الإمام ليس بموضع صلاة، فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار، ثم ذكر وجهه من طريق النظر .
وقال في آخر سياقه: وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف، ومحمد - رحمهم الله تعالى -، فما نقلناه أولا أن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن مع nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الاستحباب فيه نظر، ولعله رواية عنه غير مشهورة في المذهب، فإن قلت: فما تقولون في حديث أبي قتادة، وجابر: nindex.php?page=hadith&LINKID=650425إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس. فالجواب: ليس في ذلك دليل على ما ذكرت. إنما هذا على من دخل المسجد في حال تحل فيها الصلاة، ليس على من دخله في حال لا تحل فيها الصلاة، ألا يرى أن من دخل المسجد عند طلوع الشمس، أو عند غروبها، أو في وقت من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أنه لا ينبغي له أن يصلي، وأنه ليس ممن أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي ركعتين لدخول المسجد؛ لأنه قد نهي عن الصلاة حينئذ، فكذلك الذي دخل المسجد والإمام يخطب ليس له أن يصلي، وليس ممن أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وإنما يدخل في أمر رسول الله الذي ذكرت كل من لو كان في المسجد قبل ذلك فآثر أن يصلي كان ذلك له، فأما من لو كان في المسجد قبل ذلك لم يكن له أن يصلي حينئذ، فليس بداخل في ذلك، وليس له أن يصلي قياسا على ما ذكرنا من حكم الأوقات المنهي عن الصلاة فيها التي وصفنا. والله أعلم .
وأجاب عن هذا أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بجواز تحية المسجد في أوقات النهي؛ لكونها ذات سبب، فإنها لو تركت في حال لكانت هذه الحال أولى الأحوال بذلك؛ لأنه مأمور فيه بالإنصات لاستماع الخطبة، فلما ترك لها استماع الخطبة، وقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- لأجلها، دل على تأكدها، وأنها لا تترك في وقت من الأوقات إلا عند إقامة المكتوبة، وأجابوا عن الأول، وهو كونه منسوخا بأن سليكا لم ينقل تقدم إسلامه، ولا يعرف له ذكر إلا في هذا، والظاهر أن إسلامه متأخر مع قبيلة غطفان، ولو قدر تقدم إسلامه، فالجمعة إنما صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة اتفاقا، وتحريم الكلام كان بمكة حين قدم nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من الهجرة بمكة، وحديثه في الصحيحين، وإنما هاجر nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود إلى الحبشة الهجرة الأولى باتفاق أهل السير، ورجعوا وهو بمكة. قال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان: في الصحيح كان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنين .
قلت: وفيه اختلاف بين أهل المغازي، والذي ذكره أبو الفرج ابن الجوزي أن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود لما عاد من الحبشة إلى مكة رجع في الهجرة الثانية إلى nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي، ثم قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة وهو يتجهز لبدر، وذكر صاحب التمهيد أن تحريم الكلام في الصلاة كان بالمدينة؛ لأن سورة البقرة مدنية، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: إنما نسخ الكلام بعد الهجرة بمدة يسيرة، وفي المقام تفصيل آخر أوردته في كتابي "الجواهر المنيفة في أصول أدلة مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام أبي حنيفة".
[ ص: 299 ] لمذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، فإنهم يقولون: إن ركعتي التحية تفوت بالجلوس، وأيضا فإن الذي يمنع الصلاة إنما يمنعها لأجل الخطبة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك الساعة لم يكن يخطب؛ لأنه كان قاعدا، والجمعة لا يخطب لها قاعدا، وأجابوا عن الأول: سلمنا أن ركعتي التحية تفوت بالجلوس، لكن بشرط أن يكون عالما بمشروعية التحية، وأطال الفصل، وأما إذا كان جاهلا بمشروعيتها في هذه الحالة، ولم يطل الفصل، فإنها لا تفوت بالجلوس. قال النووي في شرح المذهب: أطلق أصحابنا فواتها بالجلوس، وهو محمول على العالم بأنها سنة، وأما الجاهل فيتداركها على قرب هذا الحديث. قال ابن العراقي: وفي معنى الجاهل الناسي، فلو جلس ناسيا، ولم يطل الفصل استحب له الإتيان بها، كما صرح به أبو الفضل بن عبدان، وقال النووي: إنه المختار المتعين. اهـ .
وقضية سليك يحتمل جلوسه؛ إما للجهل بسنيتها، أو للنسيان لها، والحديث دال على إحدى الحالتين نصا، وعلى الأخرى قياسا، وسيأتي لذلك زيادة في الباب الذي يليه. وأما الجواب عن الثاني، فلم أره لأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، ولم يتعرضوا له، والذي يظهر أن الروايات كلها: وهو يخطب، فتحمل هذه الرواية التي يقول فيها: "وهو قاعد" على بقية الروايات التي فيها: وهو يخطب جمعا بين الآثار. والله أعلم .
الخامس: المراد بالتخفيف في الركعتين -كما قال الزركشي- الاقتصار على الواجبات، لا الإسراع. قال: ويدل لذلك ما ذكروه من أنه إذا ضاق الوقت، وأراد الوضوء اقتصر على الواجبات. اهـ .