اعلم أن ما عدا الفرائض من الصلوات ينقسم إلى ثلاثة أقسام : سنن ، ومستحبات ، وتطوعات .
. ونعني بالسنن ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المواظبة عليه كالرواتب عقيب الصلوات وصلاة الضحى والوتر والتهجد وغيرها لأن السنة عبارة عن الطريق المسلوكة .
ونعني بالمستحبات ما ورد الخبر بفضله ، ولم ينقل المواظبة عليه كما سننقله في صلوات الأيام والليالي في الأسبوع ، وكالصلاة عند الخروج من المنزل والدخول فيه وأمثاله .
ونعني بالتطوعات ما وراء ذلك مما لم يرد في عينه أثر ولكنه تطوع به العبد من حيث رغب في مناجاة الله عز وجل بالصلاة التي ورد الشرع بفضلها مطلقا فكأنه متبرع به إذا لم يندب إلى تلك الصلاة بعينها ، وإن ندب إلى الصلاة مطلقا ، والتطوع عبارة عن التبرع .
وسميت الأقسام الثلاثة نوافل من حيث إن النفل هو الزيادة وجملتها زائد على الفرائض .
فلفظ النافلة والسنة ، والمستحب ، والتطوع ، أردنا الاصطلاح عليه لتعريف هذه المقاصد .
ولا حرج على من يغير هذا الاصطلاح فلا مشاحة في الألفاظ بعد فهم المقاصد .
وكل قسم من هذه الأقسام تتفاوت درجاته في الفضل بحسب ما ورد فيها من الأخبار والآثار المعرفة لفضلها وبحسب ، طول مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وبحسب صحة الأخبار الواردة فيها واشتهارها .
( الباب السابع في النوافل من الصلوات)
( اعلم أن ما عدا الفرائض من الصلوات) اختلف اصطلاح الأصحاب فيه، فمنهم من قال: ( ينقسم إلى ثلاثة أقسام: سنن، ومستحبات، وتطوعات. ونعني بالسنن ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المواظبة) أي [ ص: 329 ] المداومة ( عليه كالرواتب) التي تؤدى ( عقيب الصلوات وصلاة الضحى والوتر والتهجد وغيره) مما نقل فيه المواظبة؛ ( لأن السنة عبارة عن الطريقة المسلوكة) في الدين من غير افتراض ولا وجوب. هذا في الشرع، وأما في اللغة فهي الطريقة - مرضية كانت أو لا - ( ونعني بالمستحبات ما ورد الخبر بفضله، ولم ينقل المواظبة عليه) أي فعلها أحيانا ولم يواظب عليها، ( كما سننقله في صلاة الأيام والليالي في الأسبوع، وكالصلاة عند الخروج من المنزل و) كالصلاة ( عند الدخول فيه وأمثال ذلك) ، وكذا لو أمر به ولم يفعله كما صرح به الخوارزمي في الكافي، ومثاله الركعتان قبل المغرب ( ونعني بالتطوعات ما وراء ذلك مما لم يرد في عينه خبر) بخصوصه ( لكن تطوع به العبد) وأنشأه ابتداء ( من حيث رغب في مناجاة الله عز وجل بالصلاة التي ورد الشرع بفضلها مطلقا) ، كأنه يشير إلى ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : nindex.php?page=hadith&LINKID=2001773 "الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر".
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=15007القضاعي nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: nindex.php?page=hadith&LINKID=680713 "الصلاة نور المؤمن" وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=15007القضاعي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي: "الصلاة قربان كل تقي" ( وكأنه متبرع بها) أي يفعلها غير طالب عوضا، ( إذا لم يندب) أي: لم يدع ( إلى تلك الصلاة بعينها، وإن ندب إلى الصلاة مطلقا، والتطوع) لغة تكلف الطاعة، وعرفا ( عبارة عن التبرع) بما لا يلزم؛ قال الله تعالى: فمن تطوع خيرا فهو خير له ، ( وسميت الأقسام الثلاثة نوافل من حيث إن النفل هو الزيادة) في اللغة؛ ولذلك سميت الغنيمة نفلا؛ لأنه زيادة على المقصود من شرعية الجهاد، وهو إعلاء كلمة الله وقهر أعدائه، ( وجملتها زائدة على الفرائض؛ فلفظ النافلة، والمستحب، والسنة، والتطوع، أردنا الاصطلاح عليه لتعريف هذه المقاصد) ، ومنهم من يرادف بين لفظي النافلة والتطوع، ويطلقهما على سوى الفرائض، نقله nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي . قال النووي: ومن أصحابنا من يقول: السنة والمستحب والمندوب والتطوع والنفل والمرغب فيه والحسن كلها بمعنى واحد، وهو ما رجح الشرع فعله على تركه وجاز تركه. ا هـ .
وقال الولي العراقي في شرح التقريب: هو المشهور عند أصحابنا ا هـ، ووجدت بخط الشيخ شمس الدين الحريري الشافعي ما نصه: هكذا قسم النوافل إلى ثلاثة أقسام القاضي حسين، وتبعه nindex.php?page=showalam&ids=13890البغوي في التهذيب والخوارزمي في الكافي، نعم؛ استشكل القاضي أبو الطيب في منهاجه ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم حج مرة، وفي أفعاله ما هو سنة، وكذا لم يصل للاستسقاء وخطب إلا مرة وهما سنة؛ فلهذا صحح التاج السبكي أن المندوب والمستحب والتطوع والسنة ألفاظ مترادفة، وقال: إن الخلاف لفظي، وقد أوضحت ذلك في شرح جمع الجوامع. ا هـ .
وقال أصحابنا: المشروع قسمان: عزيمة، ورخصة. والعزيمة هي الأصل، وهي أربعة أنواع: فريضة، وواجب، وسنة، ونفل. والسنة أقوى من النفل، والنفل ما ليس بفرض ولا واجب ولا مسنون، والسنة تتناول قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وفي تناول إطلاقها على سنة الصحابي خلاف، وقال صاحب النهاية: السنة ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق المواظبة ولم يتركها إلا بعذر، وهي على قسمين: مؤكد ومندوب. والأدب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه، وفرق المالكية بين السنة والفضيلة، وضابطه عندهم - كما قال بعضهم - أن كل ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم مظهرا له في جماعة فهو سنة، وما لم يواظب عليه وحده في نوافل الخير فهو فضيلة، وما واظب عليه ولم يظهره كركعتي الفجر؛ ففي كونه سنة أو فضيلة قولان، ولما رأى المصنف كثرة الاختلاف في هذه الألفاظ قال: ( ولا حرج على من يغير هذا الاصطلاح) الذي ذكرناه من التقسيم، ( ولا مشاحة) أصله مشاححة مفاعلة من الشح؛ أي: لا مضايقة ولا ممانعة ( في الألفاظ) يشير إلى أن الخلاف لفظي، كما قدمنا عن التاج السبكي ( بعد فهم المقاصد) الأصلية ( وكل قسم من هذه الأقسام) المذكورة ( تتفاوت درجاته) أي مراتبه ( في الفضل بحسب ما ورد فيه من الأخبار) النبوية ( والآثار) من الصحابة ومن بعدهم ( المعرفة) أي المبينة ( لفضله، و) تتفاوت أيضا ( بحسب طول مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) عليه، ( و) أيضا ( بحسب صحة الأخبار [ ص: 330 ] الواردة فيه واشتهارها) عند أئمة الحديث والفقه، وقد ألم بهذا البحث ابن دقيق العيد في شرح العمدة، فقال: الحق - والله أعلم - في هذا الباب أن كل حديث صحيح دل على استحباب عدد من هذه الأعداد، وهيئة من الهيئات، أو نافلة من النوافل يعمل به في استحبابه، ثم تختلف مراتب ذلك المستحب، فما كان الدليل دالا على تأكده إما بملازمة فعله، أو بكثرة فعله، وإما بقوة دلالة اللفظ على تأكد حكمه، وإما بمعاضدة حديث آخر فيه تعلو مرتبته في الاستحباب، وما نقص عن ذلك كان بعده في الرتبة، وما ورد فيه حديث لا ينتهي إلى الصحة، فإن كان حسنا عمل به إن لم يعارضه أقوى منه، وكانت مرتبته ناقصة عن هذه المرتبة الثانية - أعني الصحيح - الذي لم يدم عليه أو لم يؤكد اللفظ في طلبه، وما كان ضعيفا لا يدخل في حيز الموضوع، فإن أحدث شعارا في الدين منع، وإن لم يحدث فهو محل نظر، يحتمل أن يقال إنه مستحب لدخوله تحت العمومات المقتضية لفعل الخير واستحباب الصلاة، ويحتمل أن يقال هذه الخصوصيات بالوقف وبالحال وبالهيئة واللفظ المخصوص يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه، وهذا أقرب، والله أعلم. ا هـ .