السابعة صلاة الضحى فالمواظبة عليها من عزائم الأفعال ، وفواضلها .
( السابعة صلاة الضحى) أضيفت هذه الصلاة للضحى؛ لأنه وقتها، والمعنى الصلاة المفعولة في وقت الضحى، وهو بالضم مقصورا، قال في الصحاح: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم الضحى وحين تشرق الشمس، مقصورة، تؤنث وتذكر، فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم فعل كصرد، وثعل، ثم بعده الضحاء ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى، وفي المحكم الضحو والضحوة والضحية كعشية: ارتفاع النهار، والضحى فويق ذلك أنثى، وتصغيرها بغير هاء؛ لئلا يلتبس بتصغير ضحوة، والضحاء إذا امتد النهار، وكرب أن ينتصف .
وقيل: الضحى من طلوع الشمس إلى أن يرتفع النهار، وتبيض الشمس جدا، ثم بعد ذلك الضحاء إلى قريب من نصف النهار. وقال في النهاية: الضحوة ارتفاع أول النهار، والضحى بالضم والقصر فوقه، وبه سميت صلاة الضحى: الضحاء، بالفتح والمد: إذا علت الشمس إلى ربع السماء فما بعده، وقال في المشارق: الضحاء ممدود مفتوح، والضحى بالضم مقصور، قيل: هما بمعنى، وإضحاء النهار ضوءه، وقيل: المقصور المضموم هو أول ارتفاعها، والممدود إلى قريب من نصف النهار، وقيل: المقصور حين تطلع الشمس، والممدود إذا ارتفعت، وقيل: الضحو ارتفاع النهار، والضحى فوق ذلك، والضحاء إذا امتد النهار. اهـ .
وقال ابن العربي: الضحى مقصور مضموم طلوع الشمس، والمفتوح الممدود إشراقها، وضياؤها، وبياضها، واختلف العلماء في هذه الصلاة، فطائفة أنكرت وعدتها بدعة؛ لما روى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه، عن مسدد، عن يحيى، عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة، عن توبة، عن مؤرق قال: قلت: nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر: أتصلي الضحى؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا. قلت: فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أخاله.
وفي مصنف nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال: ما صليت الضحى منذ أسلمت إلا أن أطوف بالبيت، وأنه سئل عن صلاة الضحى فقال: وللضحى صلاة؟! وأنه سئل عنها فقال: إنها بدعة.
وعن أبي عبيدة قال: لم يخبرني أحد من الناس أنه رأى nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود يصلي الضحى، وعن علقمة: أنه كان لا يصلي الضحى .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال أن عبد الرحمن بن عوف كان يصلي الضحى، وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أنه سئل عن صلاة الضحى فقال: الصلوات خمس. فهذا مجموع ما احتج به المنكرون .
والذي عليه جمهور العلماء من السلف والخلف: استحباب هذه الصلاة؛ ولذا قال المصنف: ( فالمواظبة عليها) أي المداومة على فعلها ( من عزائم الأفعال، وفواضلها) ، وقد ورد فيها أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة، حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري: إنها بلغت حد التواتر .
وفي المصنف nindex.php?page=showalam&ids=12508لابن أبي شيبة فعل صلاة الضحى عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبي ذر ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك، وابن مجلز، وقال النووي في شرح مسلم: وأما ما صح عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال في الضحى: هي بدعة. محمول على أن صلاتها في المسجد، والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة، لا أن أصلها في البيوت ونحوها مذموم، أو يقال قوله: بدعة. أي: المواظبة عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض، وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت استحباب المحافظة في حقنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء، nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبي ذر ، ويقال: nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى وأمره بها، وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى، وإنما نقل التوقف فيها عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر . اهـ .
قال الولي العراقي في شرح التقريب: الظاهر أن من عد صلاة الضحى بدعة لا يراها من البدع المذمومة، بل هي بدعة محمودة؛ فإن الصلاة خير موضوع، وليس فيها ابتداع أمر ينكره الشرع، ولذلك عقبت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها النفي بقولها: وإني لأسبحها. وفي مصنف nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن [ ص: 367 ] nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه سئل عنها فقال: بدعة، ونعمت البدعة، وأنه كان لا يصليها، وإذا رآهم يصلونها قال: ما أحسن ما أحدثوا سبحتهم هذه! وإذا كان كذلك فقد حصل الإجماع على استحبابها، وإنما اختلفوا في أنها مأخوذة من سنة مخصوصة أو من عمومات استحباب الصلاة، فتوقف هذا القائل الثاني في إثبات هذا الاسم الخاص لها، والله أعلم .
ثم قال: وإذا قلنا باستحباب صلاة الضحى، فهل الأفضل المواظبة عليها أو فعلها في وقت، وتركها في وقت؟
وروى أبو بكر البزار في مسنده، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يترك صلاة الضحى في سفر، ولا غيره، وإسناده ضعيف، فيه يوسف بن خالد السمتي ضعيف جدا، وذهبت طائفة إلى الثاني. حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض عن جماعة، والخلاف في ذلك عند الحنابلة. وقال بالأول أبو الخطاب منهم، حكاه ابن قدامة في المغني .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حسن غريب، قال النووي : مع أن عطية ضعيف فلعله اعتضد .
والجواب عن هذه الأحاديث ما ذكرته nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها من أنه صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل، وإنه ليحب أن يعمله مخافة أن يستن به الناس فيفرض عليهم، وقد أمن هذا بعده صلى الله عليه وسلم لاستقرار الشرائع، وعدم إمكان الزيادة فيها والنقص عنها، فينبغي المواظبة عليها، وقال الحافظ العراقي في شرح nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : اشتهر بين كثير من العوام أنه من صلى الضحى، ثم قطعها يحصل له عمى، فصار كثير من الناس لا يصلونها خوفا من ذلك، وليس لهذا أصل البتة لا من السنة، ولا من قول أحد من الصحابة، ولا من التابعين، ومن بعدهم .
والظاهر أن هذا مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام لكي يتركوا صلاة الضحى دائما ليفوتهم بذلك خير كثير، وهو أنهما يقومان عن سائر التسبيح، والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ثبت في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر اهـ .
قلت: ولفظ حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=658189 "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، يجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" وحاصل ما أجابوا به عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة المتقدم: nindex.php?page=hadith&LINKID=705117 "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها" تضعيف النفي لكونه معارضا بالأحاديث الصحيحة المشهورة، عن الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى وأوصى بها، والمثبت مقدم على النافي، وحمله على المداومة أو على رويتها، أو على عدد الركعات، أو على إعلائها، أو على الجماعة فيها، فهذه ستة أجوبة: الأول أشار إليه محمد بن جرير الطبري، وهو ضعيف؛ لأن حديث النفي ثابت في الصحيحين، ورواته أعلام حفاظ لا يتطرق احتمال الخلل إليهم، والثاني اختاره nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وحكاه النووي في الخلاصة وحكاه صاحب الإكمال بصيغة التمريض، ولم يرتضه، والثالث أشار إليه القاضي، والنووي في شرح مسلم، والرابع أشار إليه القاضي، والخامس ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال، والسادس ذكره أبو العباس القرطبي، ويؤيد الجواب الخامس ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنها كانت تغلق على نفسها الباب، ثم تصلي الضحى، وقول nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق: كنا نقرأ في المسجد، فنبقى بعد قيام nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، ثم نقوم فنصلي الضحى، فبلغ nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ذلك [ ص: 368 ] فقال: لم تحملون عباد الله ما لم يحملهم الله؟! إن كنتم لا بد فاعلين، ففي بيوتكم. وكان أبو مجلز يصلي الضحى في بيته، وكان مذهب السلف الاستتار بها، وترك إظهارها للعامة لئلا يروها واجبة .