الثاني أن لا يرى فرض كفاية أهم من المناظرة فإن رأى ما هو أهم وفعل غيره عصى بفعله وكان مثاله مثال من يرى جماعة من العطاش أشرفوا على الهلاك وقد أهملهم الناس وهو قادر على إحيائهم بأن يسقيهم الماء فاشتغل بتعلم الحجامة وزعم أنه من فروض الكفايات ولو خلا البلد عنها لهلك الناس وإذا قيل له في البلد جماعة من الحجامين وفيهم غنية فيقول هذا لا يخرج هذا الفعل عن كونه فرض كفاية .
فحال من يفعل هذا ويهمل الاشتغال بالواقعة الملمة بجماعة العطاش من المسلمين كحال المشتغل بالمناظرة وفي البلد فروض كفايات مهملة لا قائم بها .
فأما الفتوى فقد قام بها جماعة ولا يخلو بلد من جملة الفروض المهملة ولا يلتفت الفقهاء إليها وأقربها الطب إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبيب مسلم يجوز اعتماد شهادته فيما يعول فيه على قول الطبيب شرعا ولا يرغب أحد من الفقهاء في الاشتغال به وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو من فروض الكفايات وربما يكون المناظر في مجلس مناظرته مشاهدا للحرير ملبوسا ومفروشا وهو ساكت ويناظر في مسألة لا يتفق وقوعها قط وإن وقعت قام بها جماعة من الفقهاء ثم يزعم أنه يريد أن يتقرب إلى الله تعالى بفروض الكفايات .
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه أنه قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عليه السلام : إذا ظهرت المداهنة في خياركم والفاحشة في شراركم وتحول الملك في صغاركم والفقه في أراذلكم .
(الثاني) من الشروط (أن لا يرى فرض كفاية) من فروض الكفايات التي ذكرت (أهم من جماعة من العطاش) جمع عطشان قد (أشرفوا على الهلاك) لعدم الماء (وقد أهملهم الناس) أي: تركوهم (وهو قادر على إحيائهم بأن يسقيهم الماء) وترك ذلك (فاشتغل بتعليم الحجامة) مثلا (وزعم أنه من فروض الكفايات) وأنه مما ينبغي الاعتناء بها (و) أنه (لو خلا البلد عنها لهلك الناس وإذا قيل) له (في البلد جماعة من الحجامين) قد قاموا بهذا العلم (وفيهم غنية) وكفاية (فيقول) مناظرا (وهذا لا يخرج هذا الفعل عن كونه فرض كفاية، فحال من يفعل هذا ويهمل) أي: يترك (الاشتغال بالواقعة الملمة) أي: الحادثة النازلة (لجماعة العطاش من المسلمين) وقد أشرفوا على الهلاك (كحال المشتغل بالمناظرة وفي البلد) جملة من (فروض كفايات مهملة) متروكة (لا قائم بها) ولا سائل عنها .
(وأما الفتوى فقد قام بها جماعة) من العلماء (ولا يخلو بلد) من البلاد (عن جملة من الفروض المهملة) قد تركوها (ولا يلتفت الفقهاء إليها) أصلا (وأقربها) وفي نسخة: وأكبرها (الطب) فقد ضيعوه رأسا (إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبيب مسلم) عارف ماهر (يجوز اعتماد شهادته فيما) يصف من الأدوية و (يعول فيه على قول الطبيب فيه شرعا) كما هو مشاهد في هذه الأزمات والبلاد (ولا يرغب أحد من العلماء في الاشتغال به) لما تقدم أنه لا تحصل به المشيخة والرياسة ولا الوصايا وحيازة الأموال قال صالح جزرة عن الربيع: قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطب إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه، وقال حرملة: كان nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب ويقول: ضيعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى (وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو من فروض الكفايات) كما تقدم (وربما يكون المناظر في مجلس مناظرته مشاهد للحرير مفروشا ملبوسا) وهو [ ص: 284 ] من جملة المنكرات الشرعية ولكن في المفروش خلاف nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة كما سيأتي بيانه فيما بعد (وهو ساكت) لا ينهى عن ذلك، وروى أبو محمد البستي السختياني نزيل مكة حدثني الحارث بن شريح قال: دخلت مع nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على خادم الرشيد وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وضع nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رجله على العتبة أبصره فرجع ولم يدخل فقال له الخادم ادخل، فقال: لا يحل افتراش هذا فقام الخادم مبتسما حتى دخل بيتا له فرش بالأرمني فدخل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ثم أقبل عليه فقال: هذا حلال وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك وأكثر ثمنا منه فتبسم الخادم وسكت (و) الحال أنه (يناظر في مسألة) نادرة (لا يتفق وقوعها وإن وقعت قام بها جماعة من الفقهاء) وكفوه مؤنتها (ثم يزعم) في معتقده (أنه يريد أن يتقرب إلى الله تعالى بفرض الكفاية) قلت: هكذا أورده nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن nindex.php?page=showalam&ids=15557بكر بن سوادة عن أبي أمية وأورد أبا أمية في الصحابة وذكر هذا الحديث وقال: لا أعرفه بغير هذا وقال: ذكره بعضهم في الصحابة وفيه نظر، وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في كتاب الاقتضاء فقال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن علي بن عبدوس الأهوازي إجازة قال: سمعت محمد بن إبراهيم الأصبهاني يقول: سمعت عبد الله بن الحسين الملطي يقول: سمعت محمد بن هارون يقول: سمعت ابن أبي أويس يقول: حضر رجل من الأشراف عليه ثوب حرير قال فتكلم nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بكلام لحن فيه قال فقال الشريف ما كان لأبوي هذا درهمان يعلمانه النحو قال: فسمع nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك كلام الشريف فقال: لأن تعرف ما يحل لبسه مما يحرم عليك خير لك من: ضرب عبد الله زيدا وضرب زيد عبد الله .
(وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس) -رضي الله عنه- (قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: إذا ظهرت المداهنة) وفي رواية إذا ظهر الادهان أي: الملاينة وترك المجادلة، وأصل ذلك من الدهن الذي يمسح به الرأس ثم جعل عبارة عما ذكرنا (في خياركم والفاحشة في شراركم وتحول الملك في صغاركم والفقه في أرذالكم) وفي نسخة: في رذالكم وفي أخرى في أراذلكم .
قال العراقي: أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه بإسناد حسن، وقال في التخريج الكبير رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر في بيان آداب العلم، واللفظ له بإسناد حسن من رواية أبي معبد حفص بن غيلان عن nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بزيادة في أوله وقال nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه: nindex.php?page=hadith&LINKID=693320إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم قالوا: يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا قال الملك في صغاركم والفاحشة في كباركم والعلم في رذالكم. قال زين بن يحيى أحد رواة الحديث معنى: والعلم في رذالكم، إذا كان العلم في الفساق. اهـ .