وإن اقتات حبوبا مختلفة اختار خيرها ، ومن أيها أخرج أجزأه .
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (من جنس قوته) الذي يقتاته (أو أفضل منه؛ فإن اقتات الحنطة لم يجز الشعير، وإن اقتات حبوبا مختلفة اختار خيرها، ومن أيها أخرج أجزأه) قال nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي: في الواجب من الأجناس المجزئة ثلاثة أوجه؛ أصحها عند الجمهور: غالب قوت البلد، والثاني: قوت نفسه، وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13343ابن عبدان، والثالث: يتخير في الأجناس، وهو الأصح عند القاضي أبي الطيب، ثم إذا أوجبنا قوت نفسه أو البلد، فعدل إلى ما دونه لم يجز، وإن عدل إلى أعلى منه جاز بالاتفاق، وفيما يعتبر به الأعلى والأدنى وجهان؛ أصحهما: الاعتبار بزيادة صلاحيته للاقتيات، والثاني: بالقيمة؛ فعلى هذا يختلف باختلاف الأوقات والبلاد، إلا أن تعتبر زيادة القيمة في الأكثر، وعلى الأول البر خير من التمر والأرز .
ورجح في التهذيب الشعير على التمر، وعكسه الشيخ أبو محمد قال: في الزبيب والشعير وفي التمر والزبيب تردد، قال: والأشبه تقديم التمر على الزبيب، وإذا قلنا: المعتبر قوت نفسه، وكان يليق به البر، وهو يقتات الشعير بخلا، لزمه البر، ولو كان يليق به الشعير وكان يتنعم ويقتات البر، فالأصح أنه يجزئه الشعير، والثاني يتعين البر، وإذا أوجبنا غالب قوت البلد، وكانوا يقتاتون أجناسا لا غالب فيها، أخرج ما شاء، والأفضل أن يخرج من الأعلى .
واعلم أن المصنف قال في الوسيط: المعتبر غالب قوت البلد يوم الفطر، قال nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي: وهذا التقييد لم أظفر به في كلام غيره، وقالت الحنابلة: يخير بين هذه المذكورة في الحديث، فيخرج ما شاء منها، وإن لم يكن قوتا له، قالوا: وأفضلها التمر، ثم البر، وقال بعضهم: الزبيب، قالوا: ولا يجوز العدول عن هذه الأجناس مع القدرة على أحدها لو كان المعدول إليه قوت بلده، فإن عجز عنهما أجزأه كل مقتات من كل حبة وثمرة .
قاله الخرافي [ ص: 58 ] قال ابن قدامة: وظاهره أنه لا يجزئه المقتات من غيرها كاللحم واللبن، وقال أبو بكر: يعطي ما قام مقام الأجناس المنصوص عليها عند عدمها، وقال ابن صالح: يجزئه عند عدمها الإخراج مما يقتات كالذرة والدخن ولحوم الحيتان والأنعام، ولا يردون إلى أقرب قوت الأمصار .
وأما المالكية فإن المشهور عندهم أن جنسه المقتات في زمنه صلى الله عليه وسلم من القمح والشعير والسلت والزبيب والتمر والأقط والذرة والدخن والأرز، وزاد nindex.php?page=showalam&ids=13056ابن حبيب: العلس .
وقال أشهب: من الست الأول خاصة، فلو اقتيت غيره كالقطاني والتين والسويق واللحم واللبن فالمشهور الإجزاء، وأما الدقيق فيأتي ذكره، قالوا: ويجزئ من غالب قوت البلد، فإن كان قوته دونه لا لشح فقولان، وأما أصحابناالحنفية؛ فالتخيير بين البر والدقيق والسويق والزبيب والتمر والشعير، والدقيق أولى من البر، والدراهم أولى من الدقيق فيما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر الهندواني؛ لأنه أدفع للحاجة. وعن أبي بكر الأعمش تقديم القمح؛ لأنه أبعد من الخلاف .
قال الولي العراقي: من قال بالتخيير فقد أخذ بظاهر الحديث، وأما من قال بتعيين غالب قوت البلد أو قوت نفسه فإنه حمل الحديث على ذلك ولم يحمله على ظاهره من التخيير، واقتصر في المشهور من روايات nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر على التمر والشعير؛ لأنهم غالب ما يقتات بالمدينة في ذلك الوقت، فإما أن يكون محمولا على إيجاب التمر على من يقتاته، والشعير على من يقتاته، وأما أن يكون مخيرا بينهما لاستوائهما في الغلبة فلا ترجح لأحدهما على الآخر، فالمخرج مخير بينهما، والله أعلم .
(فصل)
اعلم أن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه أن الواجب في إخراج صدقة الفطر من الأصناف المذكورة في حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري الماضي ذكره: الصاع من كل منها، فلا يجزئ نصف صاع من بر، واحتج بحديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد المذكور آنفا، ولفظه: صاعا من طعام أو صاعا من تمر.. إلخ. وفسر الطعام فيه بالبر، ولم يختلف في ذلك. وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد وإسحق بن راهويه، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: القدر الواجب نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو زبيب أو صاع تمر أو شعير، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف ومحمد: الزبيب بمنزلة الشعير، وهو رواية الحسن عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، والأول رواية الجامع الصغير، وقيل: الفتوى على رواية الحسن، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري، وأكثر الكوفة عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في السنن: باب من قال لا يخرج من الحنطة إلا صاعا، ثم ذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري السابق، فعرف من تبويبه أنه يريد من الطعام في الحديث البر، ولا يخفى أن الطعام كما يطلق على البر وحده يطلق على كل ما يؤكل، كذا ذكره الجوهري وغيره .
أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود بسند جيد على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ما خلا الهيثم بن خالد، وهو ثقة وثقه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود والعجلي، وتابعه على ذلك شعيب بن أيوب، كذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه ووثق شعيبا هذا؛ فدل هذا الحديث على اتفاق تقويم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ومعاوية.
ثم ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي حديث سعيد بن عبيد الرحمن الحجي، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فساقه، وفيه: أو صاعا من بر، قلت: تفرد به سعيد عن عبد الله، ولقد لينه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي واتهمه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان، وسيأتي الكلام عليه فيما بعد، وحديث عبيد الله عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع رواه عنه جماعة في الصحيحين وغيرهما، ولا ذكر للبر فيه؛ ولذا اعترض على nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في قوله في المستدرك بعد أن أخرجه: صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم؛ فإن سعيدا لا يحتمل هذا التفرد مع مخالفته غيره من الثقات، ثم ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث أبي إسحق عن الحارث أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=8عليا يأمر بزكاة الفطر صاعا من تمر، أو شعير، أو حنطة، إلخ، ثم قال: وروي مرفوعا، والموقوف أصح .
قلت: يصح هذا مرفوعا وموقوفا؛ لأنه مع الاضطراب في سنده مداره على nindex.php?page=showalam&ids=14057الحارث الأعور، وقد كذبه جماعة، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي نفسه تكذيبه عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي في باب القسامة، وصحح nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عن عثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي وغيرهما من الصحابة نصف صاع من بر .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي مرفوعا: nindex.php?page=hadith&LINKID=651415نصف صاع من بر، ثم قال: الصواب أنه موقوف، ثم ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن أبي إسحق: كتب إلينا nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير: صدقة الفطر صاع صاع، قلت: لكن لم يصرح بذكر البر، بل لما كان الواجب في غالب الأصناف صاعا، أطلق ذلك على الغالب .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير خلاف ذلك .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا محمد بن بكير عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير، وهو على المنبر يقول: مدان من قمح .. إلخ .
وهذا سند صحيح جليل، وهو أولى من السند الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وفيه كتابة، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم: روينا عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج، أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار، أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير يقول على المنبر: زكاة الفطر مدان من قمح أو صاع من تمر أو شعير.
وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين، ثم ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن الحسن: عمن صام صاع تمر، أو صاع بر، قلت: قد جاء عن الحسن خلاف هذا، فروى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة بسند صحيح إلى nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال: صدقة الفطر عمن صام من الأحرار، وعن الرقيق من صام منهم، ومن لم يصم نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو صاع من شعير، ثم قال: حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن أنه قال مثل قول nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي فيمن لم يصم من الأحرار .
وقال صاحب الهداية: رواه ثعلبة بن صعير العدوي أو العذري، وقال الشيخ أكمل الدين: قال الإمام حميد الدين الضرير العذري بالعين والذال أصح، منسوب إلى قبيلة، ومن قال: العدوي، نسبه إلى عدي، وهو جده اهـ .
وقال ابن حجر: ومداره على nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن عبد الله بن ثعلبة، فمن أصحابه من قال عن أبيه، ومنهم من لم يقل، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني الاختلاف فيه على nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، وحاصل الاختلاف [ ص: 60 ] في اسم صحابيه، فمنهم من قال: عبد الله بن ثعلبة، ومنهم من قال: عبد الله بن ثعلبة بن صعير، ومنهم من قال: عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير، ومنهم من قال: ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير. اهـ .
قلت: أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في السنن من هذا الطريق، قال: وكان يحيى من خيار الناس، وأخرجه أيضا من طريق آخر عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، فهو شاهد لحديث يحيى هذا، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة، فقال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان بن حجاج عن ابن عطاء عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: الصدقة صاع من تمر، أو نصف صاع من طعام، وأراد به هنا البر؛ إذ الواجب في غيره صاع، ولم يذكر نصف صاع إلا في البر، وهذا السند على شرط الصحيح ما خلا حجاجا، وكأنه ابن أرطاة، وهو وإن تكلم فيه فقد وثقه جماعة، وأخرج له nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم مقرونا بغيره، فيصلح للاستشهاد به، ومما يتأيد به أيضا حديث nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=65241فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر مدين من حنطة، وقد ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي، ثم قال: قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: خطأ. اهـ .
قلت: nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى يقبل مراسيل nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب، قال: لأنها عن الثقات، وأنه وجد ما يدل على تسديدها، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح: لأنها وجدت مسندة ومرسلة، هذا نص nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني: أن إسناده صحيح، فكيف رده nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، وقال: إنه خطأ، مع أنه اعتضد بما ذكرنا؟!
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني نحوه من طريقين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومن طريقين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، ومن طريقين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في أحدهما: مدان من حنطة، وفي الآخر: نصف صاع من حنطة. وأخرجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي مرفوعا: نصف صاع من بر، ومن حديث عصمة بن مالك: مدان من قمح .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي في شرح الآثار من ثلاث طرق إحداها: عن nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن فاطمة بنت المنذر، nindex.php?page=hadith&LINKID=706544وعن nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر قالت: كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين من قمح بالمد الذي تقتاتون به، والثانية: من طريق يحيى بن أيوب عن هشام عن أبيه عن أسماء نحوه، والثالثة: من طريق عقيل عن هشام عن أبيه عن أسماء مثله، وفي التمهيد روي عن أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس على اختلاف عنه، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وجابر ومعاوية nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير: نصف صاع بر، وفي الإسناد عن بعضهم ضعف، وروي أيضا عن المسيب وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وأبي سلمة ومصعب بن سعد، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ذلك عن المذكورين، وزاد في التابعين من روي عنه ذلك أبا قلابة، وعبد الله بن شداد، وهو قول في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ذلك عن عثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وجابر والخدري nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة وأسماء، قال: وهو عنهم كلهم: صحيح، والله أعلم .