وإذا لم يكن المخرج من جيد المال فهو من سوء الأدب إذ قد يمسك الجيد لنفسه أو لعبده أو لأهله فيكون قد آثر على الله عز وجل غيره ولو فعل هذا بضيفه وقدم إليه أردأ طعام في بيته لأوغر بذلك صدره هذا إن كان نظره إلى الله عز وجل ، وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة فليس بعاقل من يؤثر غيره على نفسه وليس له من ماله إلا ما تصدق به فأبقى أو أكل فأفنى والذي يأكله قضاء وطر في الحال فليس من العقل قصر النظر على العاجلة وترك الادخار وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه أي : لا تأخذوه إلا مع كراهية وحياء ، وهو معنى الإغماض ، فلا تؤثروا به ربكم .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13890البغوي nindex.php?page=showalam&ids=15151والماوردي nindex.php?page=showalam&ids=13433وابن قانع nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وتمام nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر عن ركب المصري رضي الله عنه رفعه: nindex.php?page=hadith&LINKID=944254طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل في نفسه في غير مسكنة، وأنفق من مال جمعه في غير معصية، وخالط أهل العفة والحكمة، ورحم أهل الذل والمسكنة. طوبى لمن ذل نفسه، وطاب كسبه، وحسنت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق المال من فضله، وأمسك الفضل من قوله. (وإذا لم يكن المخرج من جيد المال) وطيبه (فذاك) أي: إخراجه هكذا (من سوء الأدب) مع الله تعالى، (وإذ قد يمسك الجيد لنفسه أو لعبده) مثله (أو أهله فيكون) ممن (قد آثر على الله عز وجل غيره) وإن فعل أسوأ من هذا ولا يقوم سوء أدب واحد في معاملة بجميع المعاملات، (ولو) فرض أنه (فعل هذا بضيفه) الذي نزل به (وقدم إليه أردأ طعام) وجد (في بيته لأوغر بذلك صدره) أي: ملأه حرارة وحقدا وعداوة (هذا إن كان نظره إلى الله عز وجل، وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة) فيما عند الله عز وجل (فليس بعاقل من يؤثر على نفسه) وقد تحقق أنه (ليس له من ماله إلا ما تصدق) به على الفقير (فأمضى أو أكل فأفنى) ، وهذا معناه في بعض الأخبار: nindex.php?page=hadith&LINKID=664634ابن آدم، ليس لك من مالك إلا ما قدمت فأبقيت أو أكلت فأفنيت. وهذا ظاهر لأمريه فيه، فإن الذي يتركه وارثه إما لوارث أو لحادث، وهو مذموم على كل حال، (والذي يأكله قضاء وطر) أي: نيل حاجة في الحال (وليس من العقل قصور النظر عن العاجلة) التي هي الدنيا (وترك الادخار إلى) دار (الآخرة) ، كيف (وقد قال الله تعالى) في كتابه العزيز: ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ) أي: من التجارة الحلال، كما أخرجه سعيد [ ص: 127 ] ابن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ( ومما أخرجنا لكم من الأرض ) أي: من طيبات ما أخرجنا من الحبوب والثمار والمعادن، بحذف المضاف لتقدم ذكره .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه قال في قوله تعالى: أنفقوا من طيبات ما كسبتم أي: من الذهب والفضة ومما أخرجنا لكم من الأرض يعني من الحب والثمر، كل شيء عليه زكاة، (ولا تيمموا) أي: لا تعمدوا، واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم. رواه nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب (الخبيث) أي: الحرام. رواه nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن ابن زيد وأخرج الفرياني nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل في قوله: ولا تيمموا الخبيث قال: كسب المسلم لا يكون خبيثا، ولكن لا يتصدق بالحشف والدرهم الزيف وما لا خير فيه. ( منه تنفقون ) أي: تتصدقون.
وقال صاحب القوت: وينبغي أن يجعل صدقته بأفضل ما يحبه من المال، ومن جيد ما يدخر ويقتني وتستأثر به النفوس، فيؤثر مولاه به كما أمره، وضرب المثل بالعبيد ( ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه أي: لا) تقصدوا الرديء فتجعلوه لله تعالى، ولو أعطيتم ذلك لا (تأخذوه إلا) بإغماض أي: (مع كراهية وحياء، وهو معنى الإغماض، فلا) تجعلوا لله دون ما تستجيدونه لأنفسكم ولا تقصدوا الرديء و (تؤثروا به ربكم) .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححاه nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه عن nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، ثم ساقوا الحديث وفيه قال: لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذ إلا على إغماض وحياء، قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده.
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن عبيدة السلماني عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه في قوله: ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه يقول: ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتى يهضم له.
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر من طريق nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي في قوله: ولستم بآخذيه قال: لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه؛ فذلك قوله: إلا أن تغمضوا فيه فكيف ترضون لي ما لا ترضونه لأنفسكم، وخفي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسها؟ وهو قوله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من طريق العوفي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الآية قال: لو كان بعضهم يطلب بعضا ثم قضاه لم يأخذه إلا أنه قد أغمض عن حقه (وفي الخبر: nindex.php?page=hadith&LINKID=668741سبق درهم مائة ألف درهم) .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ا ه .
قلت: وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال: الدرهم طيب أحب إلي من مائة ألف، وقرأ: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم الآية. وبه يظهر مناسبة إيراد هذا الخبر بعد هذه الآية، ثم إن هذه الجملة هكذا أوردها صاحب القوت واقتصر عليها وقلده المصنف، ثم فسر ذلك بقوله: (وذلك بأن يخرجه الإنسان) أي: الدرهم (وهو من أحل ماله وأجوده فيصدر ذلك عن الرضا) وطيب النفس (والفرح بالبذل، وقد يخرج مائة ألف) درهم (مما يكره من ماله فيصدر ذلك على أنه ليس يؤثر الله عز وجل بشيء مما يحبه) ، وهذا المعنى صحيح موافق لسياق صاحب القوت دل عليه خبر nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة السابق، وأيده قوله الذي أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وقد روى الخبر المذكور بزيادة جملة أخرى فيها بيان لمعنى الخبر؛ وذلك فيما رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي أيضا nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في الزكاة، وقال: على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعاه: nindex.php?page=hadith&LINKID=668741سبق درهم مائة ألف، قالوا: يا رسول الله، كيف يسبق درهم مائة ألف؟! قال: رجل له درهمان أخذ أحدهما [ ص: 128 ] فتصدق به، ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه مائة ألف فتصدق بها؛ فظاهر هذا السياق دال على أن المراد بذلك الإخبار بأن الصدقة من القليل أنفع وأفضل منها من الكثير، وإليه جنح المناوي في شرحه على الجامع، ناقلا ذلك عن صاحب المطاع، ولا يخفى أن هذا الذي فهمه من الخبر غير الذي قرره المصنف وقرره بعضهم بوجه آخر، فقال: إذا أخرج الرجل من ماله مائة ألف درهم وتصدق بها غير منشرح بذلك صدره .
وأخرج آخر درهما واحدا من درهمين طيبة بها نفسه؛ صار صاحب الدرهم الواحد أفضل من صاحب مائة ألف. وهذا نقل عن اليافعي، وهو أيضا موافق لسياق الجماعة، وعندي أنه لا تضاد في المعنيين الأولين؛ فإن الرجل إذا أخرج درهما واحدا وكان له درهمان، فالغالب أن هذا من كسبه الذي ليس في معصية؛ فهو من أطيب ما عنده، والذي عنده مال كثير فالغالب عليه الشبهة؛ لأنه اكتسبه من جهات مختلفة، فلا يخلو من طريانها عليه، فإذا أخرج منه فقد أخرج ما فيه من شبهة؛ لأنهم قالوا: الحلال ضيق قليل؛ فتأمل .