وتوحيده أنه إذا أخذ العطاء حمد الله عز وجل وشكره ، ورأى أن النعمة منه ، ولم ينظر إلى واسطة فهذا هو أشكر العباد لله سبحانه وهو أن يرى أن النعمة كلها منه .
وفي وصية لقمان لابنه لا تجعل بينك وبين الله منعما واعدد نعمة غيره عليك مغرما .
ومن شكر غير الله سبحانه فكأنه لم يعرف المنعم ولم يتيقن أن الواسطة مقهور مسخر بتسخير الله عز وجل ؛ إذ سلط الله تعالى عليه دواعي الفعل ويسر له الأسباب فأعطى وهو مقهور ولو أراد تركه لم يقدر عليه بعد أن ألقى الله عز وجل في قلبه أن صلاح دينه ودنياه في فعله .
فمهما قوي الباعث أوجب ذلك جزم الإرادة وانتهاض القدرة ولم يستطع العبد مخالفة الباعث القوي الذي لا تردد فيه ، والله عز وجل خالق للبواعث ومهيجها ومزيل للضعف والتردد عنها ومسخر القدرة للانتهاض بمقتضى البواعث فمن تيقن هذا لم يكن له نظر إلا إلى مسبب الأسباب وتيقن ، مثل هذا العبد أنفع للمعطي من ثناء غيره وشكره فذلك حركة لسان يقل في الأكثر جدواه وإعانة مثل هذا العبد الموحد لا تضيع
(الصفة الثالثة: أن يكون) من يعطيه مع كونه متقيا عالما (صادقا في تقواه وعلمه بالتوحيد) الإلهي، وصدقه في تقواه صيانة النفس مهما أمكن عما يوجب بعده عن الحضرة الإلهية، وصدقه في علمه أن لا يرى منعما سواه (وتوحيده أنه إذا أخذ العطاء) من يد المعطي (حمد الله تعالى وشكره، ورأى أن النعمة منه، ولم ينظر إلى واسطة) في نعمه (فهذا هو أشكر العباد) أي: أكثرهم شكرا لله تعالى؛ لأن حقيقة الشكر لله شهود النعمة منه، والإخلاص بحسن المعاملة له، وأن لا يشهد في النعمة بالعطاء سواه، وهذا معنى قوله: (وهو أن يرى أن النعمة منه) فمثل هذه الصدقة بهذا الشهود تثمر له طاعة وهداية ونورا وعلما؛ لأنها تقع في يد الرحمن قبل وقوعها في يد الآخذ فيربيها للمتصدق، وهذا كله هو تربية الرحمن لها (وفي وصية لقمان لابنه) : يا بني (لا تجعل بينك وبين الله منعما واعدد نعمة غيره عليك مغرما) هكذا هو في القوت، إلا أنه قال: وفي وصية nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه وساقه سواء، ويحتمل أن يكون هذا قول لقمان من رواية nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه، (ومن شكر غير الله سبحانه فكأنه لم يعرف المنعم) حق المعرفة، (ولم يتيقن) في نفسه (أن الواسطة مقهور ومسخر بتسخير الله تعالى؛ إذ سلط الله عليه دواعي الفعل ويسر له الأسباب) الظاهرة وسهل له طرقها، (فأعطى) ما أعطى (وهو مقهور) ملجأ إلى ذلك، (ولو أراد تركه) أي: الإعطاء (لم يقدر عليه بعد أن ألقى الله تعالى في قلبه) وألهمه (أن صلاح دينه ودنياه في فعله) هذا، (فمهما قوي الباعث) المحرك (أوجب ذلك جزم الإرادة وانتهاز القدوة) ، وفي بعض النسخ: الفرصة، وصوابه: وانتهاض القدرة، (ولم يستطع العبد مخالفة الباعث الذي لا تردد فيه، والله عز وجل هو خالق البواعث) والإرادات (ومهيجها ومزيل الضعف والتردد عنها و) هو (مسخر القدرة للانتهاض بمقتضى البواعث) الباطنة (فمن تيقن هذا لم يكن له نظر إلا إلى مسبب الأسباب) ، وحاصله أن من أعطاه رزقه فأثنى عليه ومدحه وشهده فيه فحمده، فيكون قد حمد غير الذي أعطاه ونظر إلى سواه، وذكر غير الذي ذكره بالعطاء؛ لأن الذي يحمد الله ويشكره ويثني عليه برزقه ويذكره يرى أن الله سبحانه هو المنعم المعطي، فينظر إليه من قرب (وتيقن، مثل هذا للعبد أنفع للمعطي من ثناء غيره وشكره) عند الله (فإن الثناء والشكر حركة في اللسان) ، وفي بعض النسخ: فذلك حركة لسان (يقل في الأكثر جدواه) أي: نفعه، (وإعانة مثل هذا الموحد لا تضيع) ولا نفعيته وجه آخر هو كان سببا لنفع موقن، فيكون واضعا للشيء في حقيقة موضعه، ومدح الآخر له ودعاؤه لأجل أنه يراه هو المعطي فينظر إليه فيمدحه، فضعف يقين هذا بربه أشد على المنفق من دعائه إن كان ناصحا لله تعالى في خلقه ولخلق الله تعالى فيه، إلا أن لا ينصح لمولاه؛ لغلبة هواه على تقواه، ولجهله بعائد النفع له في عقباه، فنقص هذا بمقامه من التوحيد أعظم من زيادته بصدقته على أنه لا يأمن الاستشراف من الآخر إليه والاعتياد منه والطمع فيه، فيتأذى بذلك في عاجلته قبل الآجلة ويضجر فيتبرم به فيتكلم فيه بكلام يحبط عمله .