فبهذه الأسباب كان عمر رضي الله عنه يعطي أهل البيت القطيع من الغنم العشرة فما فوقها وكان صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء على مقدار العيلة وسئل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه عن جهد البلاء فقال : كثرة العيال وقلة المال .
(الصفة الخامسة: أن يكون) الرجل الذي يعطيه (معيلا) أي: صاحب عيال، يقال: أعال الرجل إذا صار صاحب عيال أو عيلة، وهو الفقر، (أو محبوسا) أي: ممنوعا (بمرض) يمنعه من التكسب، (أو بسبب من الأسباب) الخارجة غير المرض (فيوجد فيه معنى قوله تعالى: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) ، وهو متعلق بمحذوف؛ أي: اجعلوا صدقاتكم لهؤلاء، ومعنى: أحصروا في سبيل الله (أي: حبسوا في طريق الآخرة) ؛ إما (لعيلة) أي: فقر، (أو ضيق معيشة) بأن لا يكفي دخله خرجه (أو إصلاح قلب) بأن يشتغل به عن التكسب، وقيل: معنى أحصروا في سبيل الله أي: أحصرهم الجهاد، قيل: هم أهل الصفة، وكانوا نحوا من أربعمائة، وهم من فقراء المهاجرين يسكنون صفة المسجد، يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والعبادة، وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وصفهم، فقال: ( لا يستطيعون ضربا في الأرض ) أي: ذهابا فيها لنحو تجارة وتحصيل معاش وإصلاح (لأنهم مقصوصو الجناح مقيدو الأطراف بهذه الأسباب) ؛ إذ المال للغني بمنزلة الجناح للطائر يطير في الأرض حيث شاء من البلاد، وينبسط في شهواته كيف شاء من المراد، والفقير محصر عن ذلك لا يستطيعه لقبض يد أو قدر رزقه، ومن هذا قوله تعالى: قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا قيل: المال، وقيل: المعاش، ووصفهم بعدم استطاعة الضرب في الأرض يدل على عدم الغنى؛ إذ من استطاع ضربا فيها فهو واجد لنوع من الغنى، ويدل على ذلك ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا: nindex.php?page=hadith&LINKID=651385ولا يجد غنى يغنيه. والغنى هو اليسار، ويغنيه صفة له، وهو قدر زائد على اليسار؛ إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، واللفظ محتمل لأن يكون المراد نفي أصل اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار، وعلى الاحتمال الثاني، فتأمل. (و) قد (كان عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (يعطي أهل البيت القطيع من الغنم) أي: طائفة من الغنم، وجمع القطيع قطعان، كرغيف ورغفان (العشرة فما فوقها) ليغنيهم عن الحاجة، فيكون له بعددهم أجور أمثالهم من المنفردين؛ إذ هم جماعة. نقله صاحب القوت قال: إذ كذلك السنة؛ فقد روينا أنه (كان صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء على قدر العيلة) ويعطي المتأهل ضعف ما يعطي العزب، ويعطي صاحب العيال ضعفي [ ص: 133 ] ما يعطي المتزوج، ويعطى كل رجل على قدر أهل بيته. هذا لفظ القوت .
قلت: وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود كذلك، ولا شك أن هذا بمعنى ما ذكره صاحب القوت وتبعه nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي، وفي المنتقى لابن الجارود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك: nindex.php?page=hadith&LINKID=703706كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء شيء، وفيه: فدعيت فأعطاني حظين، وكان لي أهل. ويوافق معناه أيضا حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر لما أعطاه ثم أعطاه، وقال: هذا لبنات عبد الله، يعني أخواته. فافهم ذلك، ثم قال صاحب القوت: وحدثنا عن بعض هذه الطائفة قال: صحبنا أقواما كان برهم لنا الألوف من الدراهم انقرضوا، وجاء آخرون كان برهم لنا المائتين، ونحن بين قوم صلتهم لنا العشرات نخاف أن يجيء قوم شر من هؤلاء، وقال بعض السلف: رأينا قوما كانوا يفعلون ولا يقولون، ذهب أولئك وجاء قوم يقولون ويفعلون، ونخاف أن يجيء قوم يقولون ولا يفعلون. وإن اتفق ذو دين في عيلة من مساكين فذلك غنيمة المتقين وذخيرة المنفقين، والمعروف في مثله واقع في حقيقته (وسئل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه) كذا في النسخ، والذي في القوت: وسئل nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما (عن جهد البلاء) ما هو؟ (فقال: كثرة العيال وقلة المال) ، وقد جاء في الخبر nindex.php?page=hadith&LINKID=655871أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء، وسيأتي في الدعوات، ويروى عن أبي عاصم النبيل أنه قال: جهد البلاء في عشرة أشياء: جار حسود، ورسول بطيء، وخادم مذموم، وامرأة منافرة، وخف ضيق، وحطب رطب، وسنور يعوي، وسراج مظلم، وبيت يكف، ومائدة تنتظر .