(الصنف السابع:) وفي سبيل الله هم (الغزاة الذين ليس لهم مرسوم في ديوان المرتزقة) أي: لا رزق لهم في الفيء (فيصرف إليهم سهم) ولا يصرف شيء من الصدقات إلى الغزاة المرتزقة، كما لا يصرف شيء من الفيء إلى المطوعة، فإن لم يكن مع الإمام شيء للمرتزقة واحتاج المسلمون إلى من يكفيهم شر الكفار، فهل يعطى المرتزقة من الزكاة من سهم سبيل الله؟ فيه قولان، أظهرهما: لا، بل تجب إعانتهم على أغنياء المسلمين، والغزاة يعطون (وإن كانوا أغنياء إعانة لهم على الغزو) ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد: يأخذ الغني منهم كما يأخذ الفقير، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: هذا السهم مخصوص بجنس خاص من الغزاة، وهو الفقير المنقطع منهم، وبه فسر في سبيل الله وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف، وهو المفهوم من اللفظ عند الإطلاق فلا يصرف إلى أغنياء الغزاة، واختاره النسفي وقال الإسبيجاني: هو الصحيح، وقال الإتقاني: هو الأظهر، واقتصر عليه كثيرون، وقال محمد: هو منقطع الحاج، وهو رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد اختارها الخرقي وأبو بكر عبد العزيز وأبو حفص البرمكي، واحتج nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بما رواه أبو عبيدة في الأموال عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: يعتق الرجل من زكاة ماله ويعطى في الحج، ثم رجع nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عنه كما في رواية المجوني لاضطرابه؛ لكونه اختلف في إسناده على nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، ومن ثم لم يجزم به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حيث أورده في الصحيح بصيغة التمريض، فقال: ويذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس.. فساقه، ولكن جزم المردواني في المقنع بصحته في العتق والحج، وعلى قوله الفتوى عند الحنابلة، واستدل nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن بما روي nindex.php?page=hadith&LINKID=65161أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل عليه الحاج. رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من حديث أم معقل بلفظ: nindex.php?page=hadith&LINKID=673620أعطها فلتحج عليه، فإنه في سبيل الله. وفي الاستدلال بهذا نظر؛ لأن المقصود ما هو المراد بسبيل الله المذكورة في الآية، وليس ذلك المراد في الآية، بل نوع مخصوص وإلا فكل الأصناف في سبيل الله بذلك، ثم لا ريب أن الخلاف فيه لا يوجب خلافا في الحكم للاتفاق على أنه إنما يعطى الأصناف كلهم سوى العامل بشرط الفقر، فمنقطع الحاج يعطى اتفاقا، وقال في النهاية: فإن قيل: وفي سبيل الله مكرر، سواء كان منقطع الغزاة أو منقطع الحاج؛ لأنه إما أن يكون له في وطنه مال أو لا، فإن كان فهو ابن السبيل، وإن لم يكن فهو فقير بعد أن يكون العدد سبعة، أجيب بأنه فقير إلا أنه ازداد فيه شيء آخر سوى الفقر، وهو الانقطاع في عبادة الله من حج أو غزاة؛ فلذلك غاير الفقر المطلق بأن المقيد يغاير [ ص: 151 ] المطلق لا محالة، ودليل أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=65181لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: العامل عليها، ورجل اشتراها بماله، وغارم، وغاز في سبيل الله، ورجل له جار مسكين تصدق بها عليه فأهداها إلى الغني.
ودليل أصحابنا ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي من طريق ريحان ابن يزيد عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ورفعه: nindex.php?page=hadith&LINKID=673315لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي قوة سوي. وقد روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وغيره من الصحابة من طرق كثيرة .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه nindex.php?page=hadith&LINKID=668812عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم الصدقة فسألاه، فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، قال صاحب التنقيح: حديث صحيح، قال: ما أجوده من حديث هو أحسنها إسنادا! فهذا مع ما قبله، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ السابق عند الستة nindex.php?page=hadith&LINKID=651401تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم يقيد منع غني الغزاة والغارمين عنها، فهو حجة على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في تجويزه لغني الغزاة، إذا لم يكن له شيء في الديوان ولم يأخذ من الفيء، وما تقدم من أن الفقراء في حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ صنف واحد كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي غير صحيح، فإن ذلك المقام مقام إرسال البيان لأهل اليمن وتعليمهم، والمفهوم من فقرائهم من اتصف بصفة الفقر أعم من كونه غارما أو غازيا، فلو كان الغني منهما مصرفا كان فيه ترك البيان في وقت الحاجة؛ لأن في ذلك إبقاء للجهل البسيط، وفي هذا إيقاعهم في الجهل المركب؛ لأن المفهوم لهم من ذلك أن الغني مطلقا ليس يجوز الصرف إليه غازيا أو غيره، فإذا فرض أنه خلاف الواقع لزم ما قلنا، وهو غير جائز فلا ما يقضى إليه، مع أن نفس الأسماء المذكورة في الآية تفيد أن المناط في الدفع إليهم الحاجة؛ لما عرف من تعليق الحكم بالمشتق أن مبدأ اشتقاقه علة، ومأخذ الاشتقاقات في هذه الأسماء تنبه على قيام الحاجة، فالحاجة هي العلة في جواز الدفع إلا المؤلفة قلوبهم، فإن مأخذ اشتقاقه يفيد أن المناط التأليف وإلا العامل فإنه يفيد أنه العمل، وفي كون العمل سببا للحاجة تردد؛ فإنه ظاهرا تكون له أعونة وخدم ويهدى إليه، وغالبا تطيب نفس إمامه، أما بكثير مما يهدى إليه فلا يثبت عليه الفقر في حقه بالشك، وما استدل به أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من الحديث المذكور فالجواب عنه من وجوه قبل أنه لم يثبت، ولو ثبت لم يقو قوة حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ فإنه اتفق عليه الستة، ولو قوي قوته ترجح حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بأنه مانع وما رواه مبيح، مع أنه دخله التأويل عندهم؛ حيث قيد الآخذ له بأن لا يكون له شيء من الديوان ولا آخذا من الفيء، وهم أعم من ذلك، وذلك يضعف الدلالة بالنسبة إلى ما لم يدخله، والله أعلم .
يمكن أن يريد المجاهدين والإنفاق منها في الجهاد؛ لأنه يطلق عليه هذا الاسم عرفا، ويمكن أن يريد سبيل الخير كلها المقربة إلى الله، وأما هذا الصنف بحسب ما يقتضيه الطريق، فسبيل الله ما تعطيه حقيقة هذا الاسم دون غيره من الأسماء الإلهية فيخرجها فيما تطلبه مكارم الأخلاق من غير اعتبار صنف من أصناف المخلوقين، بل ما تقتضيه المصلحة العامة لكل إنسان، بل لكل حيوان حتى الشجرة يراها تموت عطشا فيكون عنده بما يشتري لها ما يسقيها به من مال الزكاة فيسقيها بذلك، فإنه من سبيل الله، وإن أراد المجاهدين، فالمجاهدون معلومون بالعرف من هم، والمجاهدون أنفسهم أيضا في سبيل الله، فيعانون بذلك على جهاد أنفسهم، وفي الخبر: رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، يريد جهاد النفوس ومخالفتها في أغراضها الصارفة عن طريق الله تعالى .