(والأغلب أنها) أي ليلة القدر (في أوتارها) أي العشر الأواخر (وأشبه الأوتار ليلة إحدى وثلاث وخمس وسبع) ولنحك الخلاف في هذه المسألة :
فأحدها : أنها في السنة كلها وهو محكي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وتابعه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وصاحباه والذي في كتب أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنها في رمضان ولا يدرى أية ليلة هي وقد تتقدم وقد تتأخر وعندهما كذلك إلا أنها معينة لا تتقدم ولا تتأخر هكذا النقل عنهم في المنظومة والشرح والذي في فتاوى قاضيخان وفي المشهور عنه أنها تدور في السنة تكون في رمضان وفي غيره فجعل ذلك رواية وثمرة الاختلاف فيمن قال أنت حر أو أنت طالق ليلة القدر فإن قاله قبل دخول رمضان عتق وطلقت إذا انسلخ وإن قال بعد ليلة منه فصاعدا لم يعتق حتى ينسلخ رمضان العام القابل عنده وعندهما إذا جاء مثل تلك الليلة من رمضان الآتي وأجاب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة عن الأدلة المفيدة لكونها في العشر الأواخر بأن المراد في ذلك الرمضان الذي كان -عليه السلام- التمسها فيه والسياقات تدل عليها لمن تأمل طرق الأحاديث وألفاظها كقوله : إن الذي تطلب أمامك وإنما كان يطلب ليلة القدر من تلك السنة وغير ذلك مما يطلع عليه الاستقراء والله أعلم .
فإن قلت : ما التاسعة والسابعة والخامسة ؟ قال : إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها ثنتان وعشرون وهي التاسعة فإذا مضت ثلاثة وعشرون فالتي تليها السابعة فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة .
الثامن : أنها ليلة سبع عشرة وهو محكي عن nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود أيضا والحسن البصري ففي معجم nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم قال ما أشك وما أمتري أنها ليلة سبع عشرة أنزل القرآن ويوم التقى الجمعان .
التاسع : أنها ليلة تسع عشرة وهو محكي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود أيضا .
العاشر : أنها تطلب في ليلة سبع عشرة وإحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين حكي ذلك عن علي وابن مسعود أيضا .
الثالث عشر : أنها ليلة أربع وعشرين وهو محكي عن nindex.php?page=showalam&ids=115بلال nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس والحسن وقتادة وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس موقوفا عليه : "التمسوا ليلة القدر في أربع وعشرين " ذكره عقب حديثه في العشر في سبع تمضين أو سبع تبقين وظاهره أنه تفسير للحديث فيكون عمدة وفي مسندnindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=115بلال أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=703610 "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين " .
الرابع عشر : أنها ليلة خمس وعشرين حكاه ابن العربي في شرح nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وقال : في ذلك أثر .
السادس عشر : أنها ليلة سبع وعشرين وبه قال جمع كثير من الصحابة وغيرهم وكان nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب يحلف عليه وفي مصنف nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=15916زر بن حبيش كان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=21وحذيفة وأناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يشكون فيها أنها ليلة سبع وعشرين وحكاه الشاشي في الحلية وأكثر العلماء وقال النووي في شرح المهذب : أنه مخالف لنقل الجمهور وقد وردت أحاديث صريحة في أنها ليلة سبع وعشرين ففي سنن nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود عن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية مرفوعا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين وفي مسند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=685422 "من كان متحريها فليتحر ليلة تسع وعشرين " واستدل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على ذلك بأن الله تعالى خلق السموات سبعا والأرضين سبعا والأيام سبعة وأن الإنسان خلق من سبع وجعل رزقه في سبع ويسجد على سبعة أعضاء والطواف سبع والجمار سبع واستحسن ذلك nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كما في الحلية nindex.php?page=showalam&ids=12181لأبي نعيم واستدل بعضهم على ذلك بأن عدد كلمات السورة إلى قوله : هي سبع وعشرون وفيه إشارة إلى ذلك وحكي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس نفسه حكاه عنه ابن العربي وابن قدامة وقال ابن عطية في تفسيره بعد نقل ذلك ونظيرين له : "وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم " وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عن ابن بكير المالكي وبالغ في إنكاره وقال : إنه من طرائف الوسواس ولو لم يكن فيه أكثر من دعواه أنه وقف على ما غاب من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . أهـ .
السابع عشر : أنها ليلة تسع وعشرين حكاه ابن العربي .
الثامن عشر : أنها آخر ليلة حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض وغيره ويتداخل هذا القول مع الذي قبله إذا كان الشهر ناقصا وروى nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة من حديث معاوية مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=684072 "التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان " وفيه أقوال أخر أعرضت عن ذكرها أوردها الولي العراقي في شرح التقريب ثلاثة وثلاثين قولا وهذا كله تفريع على أنها تلزم ليلة بعينها كما هو مذهب الشافعي وغيره وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم والصحيح من مذهب الشافعي أنها تختص بالعشر الأخير وأنها في الأوتار أرجى منها في الأشفاع وأرجاها ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في جامعه عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال في اختلاف الأحاديث في ذلك كان هذا عندي والله أعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجيب على نحو ما يسأل عنه يقال له : نلتمسها في ليلة كذا ؟ فيقول : التمسوها في ليلة كذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وأقوى الروايات عندي فيها ليلة إحدى وعشرين وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في المعرفة عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم أنه قال : وكأني رأيت والله أعلم أقوى الأحاديث فيه ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين . أهـ . وذهب جماعة من العلماء أنها تنتقل فتكون سنة في ليلة وسنة في ليلة أخرى وهكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي قلابة وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق وأبي ثور وغيرهم وعزاه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في الاستذكار nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ولا نعرفه عنه ولكن قال به من أصحابه المزني nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة وهو المختار عند النووي وغيره استحسنه ابن دقيق العيد للجمع [ ص: 236 ] بين الأحاديث الواردة في ذلك فإنها اختلفت اختلافا لا يمكن معه الجمع بينها إلا بذلك ، وإذا فرعنا على انتقالها : فعليه أقوال : أحدها : أنها تنتقل فتكون إما ليلة الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين .
الثاني : أنها في ليلة الخامس والعشرين أو السابع والعشرين أو التاسع والعشرين وكلاهما في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك قال nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب وقول من قال من العلماء أنها في جميع العشر الأواخر أو في جميع الشهر ضعيف .
الثالث : أنها تنتقل في العشر الأواخر وهذا قول من قال بانتقالها من الشافعية .
الرابع : أنها تنتقل في جميع الشهر وهو مقتضى كلام الحنابلة قال ابن قدامة في المغني يستحب طلبها في جميع ليالي رمضان وفي العشر الأواخر آكد وفي ليالي الوتر منه آكد ثم حكى قول أحمد : هي في العشر الأواخر في وتر من الليالي لا تخطئ إن شاء الله تعالى ومقتضاه اختصاصها بأوتار العشر الأخير فإذا انضم إليه القول بانتقالها صار هذا قولا خامسا على الانتقال فتضم هذه الأقوال الخمسة لما تقدم .
وقال ابن العربي بعد حكايته ثلاثة عشر قولا مما حكيناه : الصحيح منها أنها لا تعلم . أهـ . وهو معنى قول أهل العلم أخفى الله تعالى هذه الليلة على عباده لئلا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها فأراد منهم الجد في العمل أبدا . أهـ . وهذا يحسن أن يكون قولا مستقلا وهو الكف عن الخوض فيها وأنه لا سبيل إلى معرفتها ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : هي في العشر الآخر في ليلة واحدة بعينها لا تنتقل أبدا إلا أنه لا يدرى أي ليلة هي منه إلا أنها في وتر منه ولا بد فإن كان الشهر تسعا وعشرين فأول العشر الأواخر ليلة عشرين منه فهي إما ليلة عشرين وإما ليلة اثنين وعشرين وإما ليلة أربع وعشرين وإما ليلة ست وعشرين وإما ليلة ثمان وعشرين لأن هذه الأوتار من العشر وإن كان الشهر ثلاثين فأول العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين فهي إما ليلة إحدى وعشرين وإما ليلة ثلاث وعشرين وإما ليلة خمس وعشرين وإما ليلة سبع وعشرين وإما ليلة تسع وعشرين لأن هذه أوتار العشر بلا شك ثم ذكر كلام nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد المتقدم وحمله على أن رمضان كان تسعا وعشرين وهو مسلك غريب بعيد .
(فصل)
وفي كتاب الشريعة للشيخ الأكبر قدس سره : اعلم أن القائمين في رمضان في قيامهم على خاطرين منهم القائم لرمضان ومنهم القائم لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر والناس فيها على خلاف فمنهم من قال : إنها في السنة كلها تدور وبه أقوال رأيتها مرتين في شعبان في ليلة النصف سنة وفي ليلة تسعة عشر منه بالبيت المقدس كما أني قد رأيتها في ليلتين في العشر الأوسط من شهر رمضان في ليلة ثلاثة عشر وفي ليلة ثمانية عشر فما ندري لشيء كان في رؤية الهلال فوقع الأمر على خلاف الرؤية أم تكون أيضا في ليلة سبع من الشهر وقد رأيتها في كل وتر من العشر الأخير من شهر رمضان فأنا على يقين من أنها في السنة تدور وهي في رمضان أكثر وقوعا على ما رأيت والله أعلم .
واعلم أن ليلة القدر إذا صادفها العبد هي خير له فيما ينعم الله به عليه من ألف شهر إن لو لم يكن إلا واحدة في ألف شهر فكيف وهي كل سنة هذا معنى غريب لم يطرق أسماعكم إلا في هذا النص ثم يتضمن معنى آخر وهو أنها خير من ألف شهر من غير تحديد وإذا كان الزائد على ألف شهر غير محدود فلا يدرى حيث ينتهي فيما جعل الله أنها تقاوم ألف شهر بل جعلها خيرا من ذلك أي : أفضل من غير توقيت فإذا نالها عبد كان كمن عاش في عبادة ربه أكثر من ألف شهر من غير توقيت كمن يتعدى العمر الطبيعي إذا وقع فيه وقع في العمر المجهول وإن كان لا بد له من الموت ولكن لا يدرى هل تقدمه العمر الطبيعي لنفس واحد أو بالألف سنين فهكذا ليلة القدر إذا لم تكن محصورة كما قدمنا واعلم أن ليلة القدر هي ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم فينزل الأمر إليها علينا واحدة ثم يفرق فيها بحسب ما يعطيه من التفاصيل فهي ليلة مقادير الأشياء والمقادير ما تطلب سوانا فلهذا أمرنا بطلب ليلة القدر لنستقبلها كما نستقبل المسافر إذا جاء من سفره فلا بد له من هدية لأهله الذين يستقبلونه فإذا استقبلوه دفع إليهم ما كان قد استعده من تلك المقادير فمنهم من [ ص: 237 ] يكون هديته لقاء ربه ومنهم من يكون هديته التوفيق الإلهي والاعتصام وكل على حسب ما أراد المقدر أن يهبه ويعطيه لا تحجير عليه في ذلك وعلامتها محق الأنوار بنورها جعلها دائرة في الشهور حتى يأخذ كل شهر منها قسطه كما جعل رمضان يدور في الشهور الشمسية حتى يأخذ كل شهر من الشهور الشمسية فضيلة شهر رمضان فيعم فضل رمضان فصول السنة وكذلك الحج وكذلك الزكاة فإن حولها ليس بمعين إنما هو من وقت حصول المال عنده فما من يوم في السنة إلا وهو رأس حول لصاحب مال فلا تنفك السنة إلا وأيامها كلها محل للزكاة وهي الطهارة والبركة فالناس كلهم في بركة زكاة كل يوم من زكى فيه ومن لم يزك وإنما محي نور الشمس في صبيحة ليلتها إعلاما بأن الليل زمان إتيانها والنهار زمان ظهور أحكامها فلهذا تستقبل ليلا تعظيما لها حيث استقبلت لذاتها ولهذا قال : هي حتى مطلع الفجر أي إلى مطلع الفجر فذلك القدر الذي يتميز به حد الليل من النهار بالفجر الطالع ما هو ذلك الفجر إلا من نور الشمس ظهر في جرم القمر فلو كان نور القمر من ذاته لكان له شعاع كما هو الشمس ولما كان مستعارا من الشمس لم يكن له شعاع كذلك الشمس لها من نور ذاتها شعاع فإذا محت ليلة القدر شعاع الشمس بقيت الشمس كالقمر لها ضوء في الموجودات من غير شعاع مع وجود الضوء فذلك الضوء نور ليلة القدر حتى تعلو قدر رمح أو أقل من ذلك فحينئذ يرجع إليها نورها فترى الشمس تطلع في صبيحة ليلة القدر كأنها طاس ليس لها شعاع مع وجود الضوء مثل طلوع القمر لا شعاع له .
ثم جعلها -صلى الله عليه وسلم- في الوتر من الليالي دون الشفع لأنه انفرد بها الليل دون النهار فإنه وتر من اليوم واليوم شفع فإنه ليل ونهار ولمعنى آخر أيضا وهو أن الطلب إذا كان في ليالي وتر الشهر كان الوتر شاهدا لهذا العبد لما تعطيه هذه الليلة من البركات والخير وهو في وتر من الزمان المذكر له وترية الحق فيضيف ذلك الخير إلى الله لا إلى الليلة وإن كانت سببا في حصوله ولكن عين شهود الوتر يحفظه من نسبة الخير لغير الله مع ثبوت السبب عنده فلو كانت في ليلة شفع وهي سبب لم يكن لهذا العبد من يذكره تذكير حال في وقت التماسه إياها أو في شهوده إياها إذا عثر عليها فكان محصلا للخير من يد غير أهله فيكون صاحب جهل وحجاب في أخذ ذلك الخير فما كان يقاوم ما حصل له فيها من الخير ما حصل له من الحرمان والجهل بحجابه عن معطي الخير فلهذا أيضا جعلت في أوتار الليالي فاعلم وجعلت في العشر الأواخر لأنها نور والنور شهادة وظهور فهو بمنزلة النهار إذ سمي النهار لاتساع النور فيه والنهار متأخر عن الليل لأنه مسلوخ منه والعشر الأخر متأخر عن العشر الوسط والأول فكان ظهورها والتماسها في المناسب الأقرب أقوى من التماسها في المناسب الأبعد وما رأيت أحدا رآها في العشر الأول ولا نقل إلينا إنما تقع في العشر الأوسط والآخر خرج nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=659004اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر وكذلك التجلي الإلهي ما ورد قط في خبر نبوي صحيح ولا سقيم أن الله يتجلى في الثلث الأول من الليل وقد ورد أنه يتجلى في الثلث الأوسط والآخر من الليل ولم يكن في الثلث الأول .