الوظيفة السادسة أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله اقتداء في ذلك بسيد البشر صلى الله عليه وسلم حيث قال : نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها وقال صلى الله عليه وسلم : ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم وقال nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه وأشار إلى صدره إن ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة وصدق رضي الله عنه فقلوب الأبرار قبور الأسرار .
فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد هذا إذا كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلا للانتفاع به فكيف فيما لا يفهمه وقال عيسى عليه السلام : لا تعلقوا الجواهر في أعناق الخنازير فإن الحكمة خير من الجوهر ومن كرهها فهو شر من الخنازير ولذلك قيل كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار وسئل بعض العلماء عن شيء فلم يجب فقال السائل : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=hadith&LINKID=688100من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار فقال اترك اللجام واذهب فإن جاء من يفقه وكتمته فليلجمني فقد قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم تنبيها على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق .
أأنثر درا بين سارحة النعم فأصبح مخزونا براعية الغنم لأنهم أمسوا بجهل لقدره فلا أنا أضحى أن أطوقه البهم فإن لطف الله اللطيف بلطفه وصادفت أهلا للعلوم وللحكم نشرت مفيدا واستفدت مودة وإلا فمخزون لدي ومكتتم فمن منح الجهال علما أضاعه ومن منح المستوجبين فقد ظلم
( أن يقتصر) المعلم ( بالمتعلم على قدر فهمه) وذلك هو الجلي اللائق بحاله من تقريراته ( فلا يلقي عليه ما لا يبلغه عقله) ولا ينتهي إليه ولا يسعه لصعوبته ودقته ( فنفره) فيكون ذلك سببا لقطعه عن طريق العلم ( أو يخبط عليه عقله) فيقع في مقام الحيرة والذهول ( اقتداء في ذلك) واتباعا ( بسيد البشر صلى الله عليه وسلم حيث قال: نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلم الناس على قدر عقولهم) قال العراقي: رويناه في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أخصر منه، وعند nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة: nindex.php?page=hadith&LINKID=676125أنزلوا الناس منازلهم اهـ .
فهما حديثان مستقلان أوردهما المصنف في سياق واحد، وربما يوهم أنهما حديث واحد، قال nindex.php?page=showalam&ids=14467الحافظ السخاوي في كتابه الجواهر والدورقي في مناقب شيخه الحافظ ابن حجر بعد أن ساق لفظ المصنف ما لفظه: ما وقفت عليه بهذا اللفظ في حديث واحد بل الشق الأول في حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة كما سيأتي بيانه، والثاني رويناه في الجزء الثاني من حديث ابن الشخير من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا: أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم اهـ .
أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ففي الحلية nindex.php?page=showalam&ids=12181لأبي نعيم من طريق ابن هشام الرفاعي وفي جزء لأبي سعد الكنجرودي من طريق إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قالا: واللفظ لابن الشهيد، نا nindex.php?page=showalam&ids=17345يحيى بن يمان، عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري، عن nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=676125جاء سائل إلى nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها فأمرت له بكسرة وجاء رجل ذو هيبة فأقعدته معها، فقيل لها: لم فعلت ذلك؟ قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم، قال nindex.php?page=showalam&ids=14467الحافظ السخاوي: هذا حديث حسن، أورده nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في مقدمة صحيحة بلا إسناد حيث قال: ويذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إلخ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري نقلا عن nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ما معناه أن ذلك لا يقتضي الحكم له بالصحة نظرا لعدم الجزم في إيراده ويقتضيه نظرا لاحتجاجه بروايته لإيراده إيراد الأصول والشواهد اهـ .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14467السخاوي: لكن قد جزم nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم بتصحيحه في النوع السادس عشر من معرفة علوم الحديث له فقال: صحت الرواية عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وساقها بلا إسناد وكذا صححه nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة حيث أخرجه في كتاب السياسة من صحيحه، وكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار في مسنده كلاهما عن إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في الأدب من سننه عن علي بن إسماعيل، وابن أبي خلف، ثلاثتهم عن ابن يمان به، ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود وميمون لم يدرك nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وأخرجه أبو أحمد العسكري في كتاب الأمثال له عن عبد الوهاب بن عيسى وصالح بن أحمد فرقهما كلاهما عن محمد بن يزيد الرفاعي هو أبو هشام ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى في مسنده عن أبي هشام، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الأدب من طريق أبي هريرة محمد بن أيوب الجبلي عن nindex.php?page=showalam&ids=17345يحيى بن يمان بالمتن فقط .
قلت: ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية بسياق يأتي للمصنف نظيره في أثناء الكتاب يذكر هناك إن شاء الله تعالى، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار عقب تخريجه لهذا الحديث، ويروى عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة من غير هذا الوجه موقوفا .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14467السخاوي: ويشير إلى ما رواه أبو أسامة عن nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد عن عمر بن مخراق عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة لكن قد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في المتفق والمفترق والجامع كلاهما له، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الشعب nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني كلهم من طريق أحمد بن راشد البجلي الكوفي، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني أيضا من طريق محمد بن عمار الموصلي [ ص: 343 ] nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وحده من طريق مسروق بن المرزبان ثلاثتهم، عن nindex.php?page=showalam&ids=17345يحيى بن يمان، عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري، عن أسامة مرفوعا: وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد إن رواية nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة مرسلة، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب، وقال السخاوي: عمر بن مخراق عن رجل عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة مرسل روى عنه أسامة، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الأدب وكان يحيى رواه على الوجهين جميعا قال nindex.php?page=showalam&ids=14467السخاوي: وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ وجابر رضي الله عنهما، فأما الأول فرواه nindex.php?page=showalam&ids=14203الخرائطي في مكارم الأخلاق له، من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16345عبد الرحمن بن غنم عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ رضي الله رفعه: أنزل الناس منازلهم من الخير والشر، وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة ولا يصح إسناده .
وأما الثاني: فرويناه في جزء الفسوي بسند ضعيف ولفظه: جالسوا الناس على قدر أحسابهم، وخالطوا الناس على قدر أديانهم، وأنزلوا الناس على قدر منازلهم، وداروا الناس بعقولكم. وفي مسند الفردوس من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر: أنزلوا الناس على قدر مروءاتهم ( فليبث) أي: يظهر ( إليه) أي: المتعلم ( الحقيقة إذا علم أنه يستقل فهمه لها) أي: يتحمله فهمه لمعرفتها ( قال صلى الله عليه وسلم: ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم) قد تقدم هذا الحديث عند ذكر الصنف الثاني من الشطح .
وقال العراقي: هناك ما لفظه أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي في الضعفاء، nindex.php?page=showalam&ids=12769وابن السني، nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم في رياضة المتعلمين من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بإسناد ضعيف، nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم في مقدمة صحيحه موقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود نحوه .
قلت: لفظ الحديث الذي تقدم في الباب الثالث: ما حدث أحدكم قوما بحديث لا يفهمونه إلا كان فتنة عليهم، ولفظ حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه) في حديث طويل يأتي ذكره قريبا ثم تنفس الصعداء، ( وأشار إلى صدر) الشريف وقال: هاه ( إن ههنا علوما جمة) أي: كثيرة، ونص القوت: علما جما ( لو وجدت لها حملة) ، ونص القوت: لو أجد لها حملة أي من يحملها ويفهمها ويعمل بها، وهذا في زمانه مع كثرة العارفين ووفرة أنوارهم وإخلاصهم، ثم قال رضي الله عنه: بل أجد لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا، ويستطيل بنعم الله تعالى على أوليائه ويستظهر بحججه على خلقه، أو منقادا لأهل الحق منزوع الشك في قلبه، بأول عارض من شبهة لا بصيرة له وليسا من وعاة الدين في شيء لا ذا ولا ذلك إلى آخر ما قال ( وصدق عليه السلام) في قوله هذا ( فقلوب الأبرار قبور الأسرار) .
وهذه الجملة رويت كذلك من جملة كلماته البديعة أي إن الأسرار المكتومة التي أفاض الله بها على قلوب عبيده الأبرار والمتقين الأخيار قد قبرت ودفنت في تلك الصدور لعدم حامليها فدثرت لذلك من غير إفشائها ( فلا ينبغي أن يفشي) أي: يظهر ( العالم كل ما يعلمه) من معلوماته إلى كل أحد هذا إذا كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلا للانتفاع به، فكيف ( فيما لا يفهمه) هكذا في النسخ، وفي بعضها: هذا إذا كان من يفهمه من المستقلين ولم يكن أهلا للانتفاع به، والباقي سواء وهو قريب من الأول وهذا الذي أورده المصنف منتزع من سياق عبارة القوت فإنه قال بعدما أورد من انقباض شيخه أبي الحسن بن سالم من الاجتماع ما لفظه، وقد كان أبو الحسن رحمه الله تعالى يخرج إلى إخوانه ممن يراه أهلا لمكان علمه، فيجلس إليهم ويذاكرهم وربما أدخلهم إليه نهارا أو ليلا ولعمري إن المذاكرة تكون بين النظراء والمحادثة مع الإخوان والجلوس للعلم يكون للأصحاب والجواب عن المسائل نصيب العموم، وكان عند أهل هذا العلم أن علمهم مخصوص لا يصلح إلا للمخصوص والخصوص قليل فلم يكونوا ينطقون به إلا عند أهله، ويرون أن ذلك من حقه وأنه واجب عليه، كما وصفهم nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه في قوله: حتى يودعوه أمثالهم ويزرعوه في قلوب أشكالهم، وكذلك جاءت الآثار بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم ( وقال عيسى) ونص القوت: وفي حديث عيسى ( عليه السلام: لا تعلقوا الجواهر) ونص القوت: الجوهر ( في أعناق الخنازير فإن الحكمة خير من الجوهر ومن كرهها فهو شر من الخنازير) ونص القوت من الخنزير وهكذا هو في نسخة أيضا وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب عن كعب قال: اطلبوا العلم لله [ ص: 344 ] وتواضعوا له ثم ضعوه في أهله فإنه قال بعض الأنبياء لا تلقوا دركم في أفواه الخنازير يعني بالدر العلم كذا في اللآلئ المصنوعة للسيوطي، وأورد صاحب القوت هنا قولا آخر لسيدنا عيسى عليه السلام وهو لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها، فتظلموها إلخ .
قد تقدم ذكره للمصنف عند الصنف الثاني من الشطح مع ذكر أحاديث أخر مناسبة للمقام، وذكر صاحب القوت عن أبي عمران المكي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسمعه يقول: إن لكل شيء عند الله حرمة ومن أعظم الأشياء حرمة الحكمة، فمن وضعها في غير أهلها طالبه الله بحقها، ومن طالبه خصمه، وقد سبق شيء من ذلك، وذكر أيضا بعد نقله قول سيدنا عيسى المتقدم ذكره ما لفظه: وكان بعض هذه الطائفة يقول نصف هذا العلم سكوت، ونصفه تدري أي تصنع، وقد قال بعض العارفين من كلم الناس مبلغ علمه، وبمقدار عقله، ولم يخاطبهم بمقدار حدودهم فقد بخسهم حقهم، ولم يقض بحق الله تعالى فيهم، ثم إن المراد بالجوهر في قول سيدنا عيسى عليه السلام علم الباطن.
وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في تاريخه من طريق يحيى بن عقبة بن أبي الغرار عن nindex.php?page=showalam&ids=16933محمد بن جحادة عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رفعه: لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير، وفي لفظ: لا تطرحوا الدر في أفواه الكلام، يعني العلم ويحيى ضعيف، وله متابع عند nindex.php?page=showalam&ids=14251الخليلي في الإرشاد، من طريق شعبة العياب عن nindex.php?page=showalam&ids=16933محمد بن جحادة عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ولفظه: لا تطرحوا الدر في أفواه الخنازير يعني العلم وعند nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر، والدر والذهب ( ولهذا قيل) ونص القوت وكان nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ يقول: اغرف لكل واحد من نهرك واسقه بكأسه ونحن نقول بمعناه ( كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان علمه) وفي بعض النسخ بميزان فهمه ( حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار) هذا كله نص القوت، وعلم بذلك أن المراد بهذا القائل هو صاحب القوت; لأنه قال: ونحن نقول بمعناه أي معنى قول nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ الرازي أحد العارفين الأكابر وإليه يشير قول الحريري صاحب المقامات:
وكلت للخل كما كال لي على وفاء الكيل أو بخسه ولم أخسره وشر الورى من يومه أخسو من أمسه
وفي القوت ( سئل بعض العلماء عن شيء فلم يجب) عنه ( فقال السائل: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه قال) أي: أما بلغك قوله: ( nindex.php?page=hadith&LINKID=688100من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار فقال) في جوابه: ( اترك اللجام واذهب فإن جاء من يفقهه) وفي نسخة يفهمه ثم سألني ( وكتمته فليلجمني) فإن إيداع الأسرار لا يكون إلا لمن تلقن بفهم ثم انتفع به ( فقد قال الله عز وجل) في كتابه العزيز: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما والسفيه من لا يعرف رشده فلا يمكن بالأموال فإنه يتصرف فيها بالتبذير وسوء التدبير فإذا كانت الأموال وهي عوار ظاهرة منعت عن تمكن السفهاء فيها، فالعلوم الإلهية التي من عمل الباطن بطريق الأولى ومن هنا ظهر أن السائل إنما سأله عن دقيقة من دقائق الحقيقة، ولما لم يجده أهلا لتحملها قال: ما قال ثم رأيت هذا الفصل برمته في كتاب الذريعة للراغب الأصبهاني، وفيه فوائد زوائد والمصنف إنما انتزعه من كتاب القوت ولا بأس أن نلم بكلام الذريعة فإن سياقه أتم من سياق القوت، قال واجب على الحكيم والعالم النحرير أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما قال: إنا معاشر الأنبياء فذكر الحديث وأن يتصور ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=8علي للكميل بن زياد وأومأ بيده إلى صدره فذكره وروى هو عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أحد يحدث قوما إلخ، وقال عيسى عليه السلام: لا تضعوا الحكمة إلخ، وقيل: تصفح طلاب علمك كما تتصفح طلاب حرمك وبهذا ألم أبو تمام:
وما أنا بالغيران من دون جارتي إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم
وقيل لبعض الحكماء: ما بالك لا تطلع كل أحد على حكمة يطلبها منك؟ فقال: اقتداء بالباري عز وجل [ ص: 345 ] حيث قال: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم الآية، فبين أنه منعهم لما لم يكن فيهم خير وبين أن في إسماعهم ذلك مفسدة لهم وسأل جاهل حكيما مسألة من الحقائق فأعرض عنه، ولم يجبه فقال: أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كتم علما إلخ فقال: نعم سمعته اترك اللجام هنا واذهب فإذا جاء من ينفعه ذلك وكتمته فليلجمني به، وقال بعض الحكماء في قوله عز وجل: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الآية إنه نبه به على هذا المعنى وذلك أنه لما منعنا عن تمكين السفيه من المال الذي هو عارض حاضر يأكل منه البر والفاجر تعاديا أنه ربما يؤديه إلى الهلاك الدنيوي فكان يمنع من تمكينه من حقائق العلوم الذي إذا تناوله السفيه أداه إلى ضلال وإضلال وهلاك وإهلاك أولى فإنه:
إذا ما اقتنى العلم ذو شره تضاعف ما ذم من مخبره وصادف من علمه قوة يصول بها الشر من جوهره
وكما أنه واجب على الحكام إذا وجدوا من السفهاء رشدا أن يدفعوا إليهم أموالهم فواجب على الحكماء إذا وجدوا من المسترشدين قبولا أن يدفعوا إليهم العلوم بقدر استحقاقهم فالعلم قنية يتوصل بها إلى الحياة الأخروية، كما أن المال قنية في المعاونة على الحياة الدنيوية اهـ .
والحديث قال العراقي: أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد فلفظه عند السيوطي في الجامع الكبير: nindex.php?page=hadith&LINKID=688100من كتم علما مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار، وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الذي تقدم فلفظه: nindex.php?page=hadith&LINKID=688100من علم علما فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: حديث حسن وقد تقدم الكلام عليه في أول الكتاب، وقد أخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=12938ابن النجار في تاريخه عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بهذا اللفظ والإسناد مصريون، وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس تقدم بيان ألفاظهم في أول الكتاب عند ذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فليراجع وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: من كتم علما عن أهله وتنكير علم في حيز الشرط يوهم شمول العلوم لكل علم حتى غير الشرعي، وفي روايةnindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه تقييده بنافع وخصه بعضهم بالشرعي والمراد به ما أخذ من الشرع أو توقف هو عليه توقف وجود أو كمال والحديث نص في تحريم الكتم وخصه آخرون بما يلزمه تعليمه وتعين عليه ( فنبه على أن حفظ العلم) وصيانته ( ممن يفسده) أي: يفسد حاله ( ويضره) لعدم استئهاله له ( أولى) بل واجب دل على ذلك قوله في بعض الروايات المتقدمة عن أهله ( وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأولى) وفي بعض النسخ بأقل ( من الظلم في منع المستحق) ولله در القائل:
فمن منح الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم
قال المناوي: وجعل بعضهم حبس كتب العلم من صور الكتم سيما إن عزت نسخة وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري: إياك وغلول الكتب قيل: وما غلولها؟ قال حبسها اهـ .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من رواية حماد بن عبد الله قال: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي يقول: لا تمنعوا العلم أهله فتأثموا ولا تحدثوا غير أهله فتأثموا.