وأما صوم الدهر فإنه شامل للكل وزيادة وللسالكين فيه طرق فمنهم من كره ذلك إذ وردت أخبار تدل على كراهته .
والصحيح أنه إنما يكره لشيئين أحدهما : أن لا يفطر في العيدين وأيام التشريق فهو الدهر كله والآخر أن يرغب عن السنة في الإفطار ويجعل الصوم حجرا على نفسه مع أن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه .
فإذا لم يكن شيء من ذلك ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر فليفعل ذلك فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم .
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري " من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم " وعقد تسعين ومعناه لم يكن له فيها موضع ودونه درجة أخرى وهو صوم نصف الدهر بأن يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد على النفس وأقوى في قهرها وقد ورد في فضله أخبار كثيرة لأن العبد فيه بين صوم يوم وشكر يوم فقد قال صلى الله عليه وسلم عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا وكنوز الأرض فرددتها وقلت : أجوع يوما وأشبع يوما ، أحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت وقال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=663071 " أفضل الصيام صوم أخي داود كان يصوم ويفطر يوما " ومن ذلك منازلته صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الصوم وهو يقول إني أطيق أكثر من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم : صم يوما وأفطر يوما فقال : إني أريد أفضل من ذلك قال صلى الله عليه وسلم لا أفضل من ذلك وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=100231ما صام شهرا كاملا قط إلا رمضان بل كان يفطر منه ومن لا يقدر على صوم نصف الدهر فلا بأس بثلثه وهو أن يصوم ويفطر يومين .
وإذا صام ثلاثة من من أول الشهر وثلاثة من الوسط وثلاثة من الآخر فهو ثلث وواقع في الأوقات الفاضلة .
وإن صام الاثنين والخميس والجمعة فهو قريب من الثلث .
وإذا ظهرت أوقات الفضيلة فالكمال في أن يفهم الإنسان معنى الصوم وأن مقصوده تصفية القلب وتفريغ الهم لله عز وجل .
(وأما صوم الدهر فإنه شامل للكل) مما ذكر في القسمين (وزيادة) عليه (وللسالكين) من أهل الله (فيه طرق فمنهم من كره ذلك إذ وردت أخبار تدل على كراهته) .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث أبي قتادة قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=658984 "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله! كيف نصوم ؟ فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله فلما رأى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر غضبه قال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فجعل عمر يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : يا رسول الله كيف من يصوم الدهر كله ؟ قال : لا صام ولا أفطر ، أو قال : لم يصم ولم يفطر " ، وفي لفظ آخر : فسئل عن صيام الدهر وأما حديث عبد الله بن الشخير فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=36642 "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر " ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين نحوه (والصحيح أنه إنما يكره) صوم الدهر (لشيئين أحدهما : أن لا يفطر في العيدين) الفطر والأضحى (وأيام التشريق) وهي : ثلاثة أيام بعد يوم الأضحى (فهو الدهر كله) وقال المصنف في الوجيز وعلى الجملة صوم الدهر مسنون بشرط الإفطار يومي العيد وأيام التشريق ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي : المسنون يطلق على معنيين : أحدهما : ما واظب عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا شك أن صوم الدهر ليس مسنونا بهذا المعنى ، والثاني : المندوب وفي كون صوم الدهر بهذه الصفة كلام فإن صاحب التهذيب في آخرين أطلقوا القول بكونه مكروها واحتجوا بما فيه من الأخبار الواردة من نهيه ، وفصل الأكثرون فقالوا : إن كان يخاف منه ضرر أو يفوت به حق فيكره وإلا فلا وحملوا النهي على الحالة الأولى أو على ما إذا لم يفطر العيد وأيام التشريق وقوله : بشرط الإفطار يومي العيد وأيام التشريق ليس المراد منه حقيقة الاشتراط لأن إفطار هذه الأيام يخرج الموجود عن أن يكون صيام الدهر وإذا كان كذلك لم يكن شرطا لاستثنائه فإن استئناف صوم الدهر يستدعي تحققه وإنما المراد منه أن صوم الدهر سوى هذه الأيام مسنون والله أعلم . أهـ . (والآخر أن يرغب عن السنة في الإفطار ويجعل الصوم حجرا على نفسه) أي : منعا (مع أن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) الرخص : [ ص: 261 ] جمع رخصة ، وهي تسهيل الحكم على المكلف لعذر حصل . والعزائم : هي المطلوبات الواجبة أي : فإن أمر الله في الرخصة والعزيمة واحد وهذه الجملة قد رويت مرفوعا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود بنحوه رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أيضا قال ، وقفه عليه أصح ويروى أيضا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بلفظ : "كما يكره أن تؤتى معصيته " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي nindex.php?page=showalam&ids=12201وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ومسند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني حسن (فإذا لم يكن شيء من ذلك ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر) بأن لم يخف منه ضرر في نفسه ولا فات حق أحد به (فليفعل) أي : فليصم أبدا (فقد فعل ذلك جماعة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم) مما هو معروف عند من طالع سيرتهم ومناقبهم وكذلك من بعدهم من الخالفين لهم ، قال صاحب العوارف : وكان عبد الله بن جابان صام نيفا وخمسين سنة لا يفطر في السفر والحضر فجهد به أصحابه يوما فأفطر فاعتل من ذلك أياما فإذا رأى المريد صلاح قلبه في دوام الصوم فليصم دائما ويدع الإفطار جانبا فهو عون حسن له على ما يريد قلت : وقد كان على هذا القدم شيخنا الورع الزاهد محمد بن شاهين الدمياطي رحمه الله تعالى كان يوالي الصيام ولم ير مفطرا لا سفرا ولا حضرا وكان كثير الزيارات والأسفار لمشاهد الأولياء الكرام ولقد ضمنا وإياه مجلس في ثغر دمياط على شط بحر الملح فقلت له : يا سيدي اليوم عيدنا والعيد لا يصام فيه وجهدنا به حتى أفطر فأخبرني أصحابه أنه اعتل بذلك علة شديدة (وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري ) رضي الله عنه ("من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم ") هكذا (وعقد تسعين) .
قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في الكبرى nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وحسنه أبو يعلى الطوسي . أهـ .
قلت : قال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان أحد رواته : هو محمول على من صام الدهر الذي فيه أيام العيد والتشريق وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وقبله nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة : يعني ضيقت عنه فلم يدخلها وفي nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن ابن الوليد ما يومئ إلى ذلك .
وقال المصنف : (معناه لم يكن له فيها موضع) وهكذا ذكره صاحب العوارف أيضا (ودونه) أي : دون صوم الدهر (درجة أخرى وهو بمنزلة صوم نصف الدهر بأن يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد على النفس وأقوى في) كسر شهوتها و (قهرها) وتذليلها (وقد ورد في فضل ذلك أخبار) سيأتي ذكرها قريبا (لأن العبد فيه بين صبر يوم) وهو الصيام (وشكر يوم) وهو الإفطار (قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا و) مفاتيح (كنوز الأرض فرددتها) أي : على الملك الذي جاء بها (وقلت : أجوع يوما وأشبع يوما ، أحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت) .
قال العراقي : رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة بلفظ : عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا ، وقال حسن . أهـ .
قلت : وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وتمامه عندهما بعد قوله : ذهبا "فقلت : لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك " ، وهو من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زهر عن علي بن زيد عن nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم عن nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي حسن فيه نظر فقد قال العلائي فيه ثلاثة ضعفاء : عبيد الله بن زهر ، وعلي بن زيد ، nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم ، وفي الحديث جمع القربتين : الصبر ، والشكر ، وهما صفتا المؤمن الكامل المخلص ، وفيه دلالة على أن ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من ضيق العيش والتقلل فيه لم يكن اضطراريا بل اختياريا مع إمكان التوسع (وقال -صلى الله عليه وسلم- : nindex.php?page=hadith&LINKID=663071 "أفضل الصيام صوم أخي داود كان يصوم يوما ويفطر يوما ") رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حسن صحيح ، وزادوا بعده : "وكان لا يفر إذا لاقى " ، وفيه إشارة إلى أنه لأجل تقويه بالفطر كان لا يفر من عدوه إذا لاقاه للقتال فلو أنه سرد الصوم ربما أضعف قوته وانتهك جسمه ولم يقدر على قتال الأبطال فصوم يوم وفطر يوم جمع بين القربتين وقيام بالوظيفتين والمراد بالأخوة هنا في النبوة والرسالة .
وفي كتاب الشريعة : أفضل الصيام وأعدله صوم في حقك وصوم يوم في حق ربك وبينهما فطر يوم فهو أعظم مجاهدة على النفس وأعدل في الحكم ويحصل له في مثل هذا الصوم حال الصلاة كحالة الضوء من نور الشمس فإن الصلاة نور والصبر ضياء وهو الصوم والصلاة عبادة مقسومة بين رب وعبد وكذلك صوم داود صوم يوم وفطر يوم فتجمع بين ما هو لك وما هو لربك (ومن ذلك منازلته -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو) بن العاص أبو محمد ويقال أبو عبد الرحمن -رضي الله عنهما- وكان من علماء الصحابة ومن العباد مات بمصر وقيل : بالطائف سنة 65 (في الصوم وهو يقول إني أريد أفضل من ذلك فقال -صلى الله عليه وسلم- : صم يوما وأفطر يوما فقال : إني أريد أفضل من ذلك فقال -صلى الله عليه وسلم- : لا أفضل من ذلك) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم من حديثه .
وفي لفظ آخر : nindex.php?page=hadith&LINKID=658963 "قالت : وما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان " (بل كان يفطر في غيره) أي : غير رمضان (ومن كان لا يقدر على صوم نصف الدهر) الذي هو صوم يوم وفطر يوم (فلا بأس بثلثه وذلك بأن يصوم يوما ويفطر يومين) وقد اختاره بعض الصالحين وقد جاء ذلك في حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو وعند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : قال : "أفطر يومين وصم يوما " ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث أبي قتادة "قال عمر : كيف من يصوم يوما ويفطر يومين وددت أني طوقت ذلك " (فإن صام ثلاثة من أول الشهر وثلاثة من وسطه وثلاثة من آخره فهو ثلث وواقع في الأوقات الفاضلة) التي هي الغرر والبيض والسرر .
ومنهم من اختار أن يصوم يومين ويفطر يوما وقد جاء ذكره في حديث أبي قتادة عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم "قال عمر : كيف يصوم يومين ويفطر يوما قال -صلى الله عليه وسلم- : ويطيق ذلك أحد ؟! " وقد اختاره بعض الصالحين .
وفي كتاب الشريعة : ولما رأى بعضهم أن حق الله أحق لم ير التساوي بين ما هو لله وما هو للعبد فصام يومين وأفطر يوما وهذا كان صوم مريم -عليها السلام- فإنها رأت أن للرجال عليها درجة فقالت : عسى ما جعل هذا اليوم الثاني في الصوم في مقابلة تلك الدرجة وكذلك كان فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- شهد لها بالكمال كما شهد به للرجال ولما رأت أن شهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل الواحد فقالت : صوم اليومين مني بمنزلة اليوم الواحد من الرجل الواحد فقامت مقام الرجال بذلك فساوت داود في الفضيلة في الصوم فهكذا من غلبت عليه نفسه فقد غلبت عليه أنوثته فينبغي أن يعاملها بمثل ما عاملت به مريم نفسها وهذا إشارة حسية لمن فهمها فإنه إذا كان الكمال لها لحوقها بالرجال فالأكمل لها لحوقها بربها كعيسى ولدها فإنه كان يصوم الدهر ولا يفطر ، ويقوم الليل فلا ينام ، فكان ظاهرا باسم الدهر في نهاره ، وباسم الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم في ليله ولذا أثرت هذه الصفة من خلف حجاب الغيب في قلوب المحجوبين من أهل الكثف حتى قالوا فيه ما قالوا (وإن صام الاثنين والخميس والجمعة) من كل شهر (فذلك أيضا قريب من الثلث) وفي نسخة فهو قريب من الثلث وفي بعض النسخ زيادة وقريب من النصف أي : باعتبار تكرير تلك الأيام في كل جمعة من الشهر إذ لو أهل الشهر بالاثنين أو الأربعاء أو الجمعة أو الأحد كانت الأيام في الشهر ثلاثة عشر يوما ولو أهل بالثلاثاء كانت إحدى عشر يوما ولو أهل بالخميس كانت أربعة عشر يوما ولو أهل بالسبت كانت اثني عشر يوما وهذا إذا كان الشهر كاملا فإن كان ناقصا فبحسابه (وإذ قد ظهرت أوقات الفضيلة) بما تقدم من الأخبار (فالكمال في أن يفهم الإنسان معنى الصوم) ما هو (وأن مقصوده) منه (تصفية القلب) عن الخطرات والوساوس (وتفريغ الهم) المشتت إلى أنحاء مختلفة (لله عز وجل) بحيث لا يخطر بباله ما يقطع بينه وبينه .
(تنبيه) .
حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها- الذي قدمنا ذكره من تخريج nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وهو "قالت : nindex.php?page=hadith&LINKID=663047كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس " دال على استيعاب الأيام السبعة بالصيام وعلمنا منه أنه -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يتلبس بعبادة الصوم في كل يوم إما امتنانا منه على ذلك [ ص: 264 ] اليوم فإن الأيام يفتخر بعضها على بعض بما يوقع العبد فيها من الأعمال للقربة إلى الله من حيث إنها ظرف له فيريد العبد الصالح أن يجعل لكل يوم من أيام الجمعة وأيام الشهر وأيام السنة جميع ما يقدر عليه من أفعال البر حتى يحمده كل يوم ويتجمل به عند الله ويشهد له فإذا لم يقدر في اليوم الواحد أن يجمع جميع الخيرات فيعمل فيه ما قدر عليه فإذا عاد عليه من الجمعة الأخرى عمل فيه ما فاته في الجمعة الأولى حتى يستوي فيه جميع الخيرات التي يقدر عليها وهكذا في أيام الشهر وأيام السنة .
واعلم أن الشهور تتفاضل أيامها بحسب ما تنسب إليه كما تتفاضل ساعات النهار والليل بحسب ما تنسب إليه فيأخذ الليل من النهار من ساعاته ويأخذ النهار من الليل والتوقيت من حيث حركة اليوم الذي يعم الليل والنهار كذلك أيام الشهور تتعين بقطع الدراري في منازل الفلك الأقصى لا في الكواكب الثابتة التي تسمى في العرف منازل القمر فللقمر أيام معلومة في قطع الفلك ولعطارد أيام أخر وللزهرة كذلك وللشمس كذلك وللمريخ كذلك وللمشترى كذلك ولزحل كذلك فينبغي للعبد أن يراعي هذا كله في أعماله فإن له من العمر بحيث أن يفي بذلك فإن أكبر هذه الشهور لا يكون أكبر الأعمار من نحو ثلاثين سنة لا غير وأما شهور الكواكب الثابتة في قطعها في فلك البروج فلا يحتاج إليه لأن الأعمار تقصر عن ذلك .