وقال عيسى عليه السلام إلى متى تصفون الطريق للمدلجين وأنتم مقيمون مع المتحيرين .
فهذا وغيره من الأخبار يدل على عظيم خطر العلم فإن ، العالم إما متعرض لهلاك الأبد أو لسعادة الأبد وإنه ، بالخوض في العلم قد حرم السلامة إن لم يدرك السعادة .
( الباب السادس في آفات العلم)
والعلماء ( وبيان علامات) فارقة بين ( علماء الآخرة و) بين ( العلماء السوء) وهم علماء الدنيا فاعلم أنه ( قد ذكرنا) فيما سبق بعض ( ما ورد) في الآيات والأحاديث والآثار ( في فضائل العلم والعلماء) بالله بما فيه مقنع للطالب المجد ( و) الآن عن لنا أن نذكر شيئا مما يتعلق بعلماء الدنيا فاعلم أنه ( قد ورد في) حق ( العلماء السوء تشديدات) وتهديدات ( عظيمة) فالآيات والأحاديث والآثار ( دلت على أنهم أشد الخلق عذابا يوم القيامة) ، كما سيأتي بيانه ( فمن المهمات العظيمة معرفة العلامة الفارقة) المميزة ( بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة) ; ليكون السامع لما يتلى عليه من ذلك على بصيرة تامة فلا يحمل ما ورد في علماء الآخرة من الفضائل على علماء الدنيا ( ونعني بعلماء الدنيا علماء السوء) وصفهم بذلك لخسة منزلتهم عند الله تعالى ودناءة همتهم; حيث استعملوا ما به يمدح فيما يذم وهم ( الذين قصدهم من) تحصيل ( العلم التنعم بالدنيا) والترفه بزخارفها بتزيين المنازل بالفرش الطيبة وتعليق الستور عليها، وتزيين الملابس الفاخرة والتجمل بالمراتب الفارهة ( والتوصل) بذلك ( إلى الجاه والمنزلة) الرفيعة ( عند أهلها) أي: الدنيا ( قال صلى الله عليه وسلم: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) قد تقدم في خطبة الكتاب الكلام على تخريج هذا الحديث، وأنه رواه nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه وما يتعلق به من المعنى وهو أول حديث ذكره في الخطبة، وقد كرره في ثلاثة مواضع هذا ثالثها .
( ويروى عنه صلى الله عليه وسلم: لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا) قال العراقي في التخريج الكبير: لم أجده مرفوعا ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في كتاب روضة العقلاء nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في المدخل موقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء له بزيادة في أوله أنك لن تكون عالما حتى تكون متعلما ولن [ ص: 349 ] تكون عالما حتى تكون لما علمت عاملا اللفظ nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي وفيه انقطاع اهـ .
وقد رواه الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رفعه: nindex.php?page=hadith&LINKID=709169العلم علمان، فعلم ثابت في القلب، فذلك العلم النافع، وعلم في اللسان فذلك حجة الله على عباده، وفي إسناده أبو الصلت الهروي، اسمه عبد السلام بن صالح، اتهمه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني بالوضع، وبنحو هذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في تاريخه بإسناد جيد من رواية الحسن عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رفعه، وأعله nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي برواية يحيى بن اليمان، قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: ليس بحجة، ولكن قال العراقي في تخريجه: احتج به nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وقال nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين: ثقة، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني صدوق، قال العراقي: وقد جاء من حديث الحسن مرسلا دون ذكر nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بإسناد صحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي في النوادر nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر في العلم من رواية هشام عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت: وكذلك nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في المصنف، قال: وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة رضي الله عنها ( وقال صلى الله عليه وسلم يكون في آخر الزمان عباد جهال وعلماء فساق) هكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من رواية يوسف بن عطية عن ثابت عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رفعه، ثم قال: هذا حديث ثابت لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية عن ثابت وهو قاض بصري، في حديثه نكارة اهـ .
وأخرجه كذلك من طريقه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في الرقاق من المستدرك nindex.php?page=showalam&ids=13357وابن عدي في الكامل ولفظهما وعلماء فسقة nindex.php?page=showalam&ids=12938وابن النجار في تاريخه كما في الكبير للسيوطي ولفظه وقراء فسقة وقال الحاكم صحيح وشنيع عليه الذهبي والعراقي قال الأول يوسف بن عطية الصفار هالك، وقال الثاني: مجمع على ضعفه، وفي الميزان عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري منكر الحديث وساق له هذا الخبر وفي الديوان قال أبو زرعة، nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ضعيف، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب، من هذا الوجه وقال يوسف: كثير المناكير ومن شواهده ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي في النوادر من رواية أبان عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رفعه يكون في آخر الزمان ديوان القراء فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو الأنتنون .
قال العراقي: وإسناده على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم قلت: وأخرجه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14679والضياء المقدسي في المختارة وبه يتقوى حديث nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة السابق قال العراقي: وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر و nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة، رضي الله عنه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رواه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من رواية أبي كرب [ ص: 350 ] الأزدي عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عنه رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=676762من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار وأبو كرب مجهول وروى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث خالد بن دريك عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رفعه: nindex.php?page=hadith&LINKID=664949من تعلم علما لغير الله وأراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار، وإسناده جيد، وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك فرواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من رواية إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله قال: حدثني ابن كعب بن مالك عن أبيه رفعه: nindex.php?page=hadith&LINKID=664948من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار. وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسحاق بن يحيى تكلم فيه من قبل حفظه .
قلت: وأخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في تاريخه nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم في المعرفة من هذا الطريق إلا أنهما قالا: nindex.php?page=hadith&LINKID=664948ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء أو يصرف وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار، وأخرجه ابن أبي عاصم في الوجدان، nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني في الأفراد والديلمي في مسند الفردوس من هذا الوجه ولفظهم: من تعلم العلم والباقي سواء، وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر أيضا من رواية نافع بن مالك أبي سهل عم مالك بن أنس قال: قلت nindex.php?page=showalam&ids=12300للزهري: أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من طلب شيئا من هذا العلم الذي يراد به وجه الله ليطلب به شيئا من عرض الدنيا دخل النار، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري: لا ما بلغني فساقه وفيه قصة تقدمت في خاتمة الفصول، قال العراقي: وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة فرواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من رواية عبد الخالق ابن زيد عن أبيه عن محمد بن عبد الملك بن مروان، عن أبيه عنها رفعته: nindex.php?page=hadith&LINKID=676762من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء فهو في النار وعبد الخالق بن زيد بن واقد منكر الحديث قاله nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وعبد الملك بن مروان أورده الذهبي في الميزان، وقال أنى له العدالة وقد سفك الدماء، وفعل الأفاعيل .
قلت: عبد الخالق المذكور قال الذهبي في الديوان: قال nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ليس بثقة، وقوله أنى له العدالة إلخ، صحيح ولكن قد يقال يحتمل أنه تحمل هذا الحديث في حال استقامته قبل أن تصدر منه الأفاعيل، وهكذا أخرجه تمام الرازي في فوائده أيضا، وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12938ابن النجار في تاريخه عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة: nindex.php?page=hadith&LINKID=709178من طلب علما ليباهي به العلماء فهو في النار وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر أيضا ولكن عنده nindex.php?page=hadith&LINKID=911600من طلب علما يباهي به الناس والباقي سواء .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الكبير، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء رفعه: nindex.php?page=hadith&LINKID=937959إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون، قال الهيثمي فيه راويان لم يسميا، وأخرج العلائي بسنده إلى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قيل له ما يهدم الإسلام قال زلة عالم وجدال منافق وحكم الأئمة المضلين، وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من رواية صفوان بن عمر وعن أبي المخارق nindex.php?page=hadith&LINKID=709013عن كعب عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رفعه: أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون فقال كعب: فقلت والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم قال الشيخ غريب من حديث كعب تفرد به صفوان رواه عنه nindex.php?page=showalam&ids=15550بقية بن الوليد والقدماء ( وقال صلى الله عليه وسلم: من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا) أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق موسى بن إبراهيم عن موسى بن جعفر الصادق عن آبائه عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه رفعه إلا أنه قال: ولم يزدد في الدنيا زهدا مكان هدى، كذا في الجامع الكبير للسيوطي وأشار له العراقي وقال: وقد روينا من طريق إبراهيم بن عبد الله عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده رفعه: من ازداد بالله علما ثم ازداد بالدنيا حبا ازداد الله عليه غضبا.
قال: والمشهور أن هذا الحديث من قول nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري رواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في روضة العقلاء nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر في بيان العلم بلفظ: من ازداد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله إلا بعدا لفظ nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر بغضا يدل بعدا وزاد ولم يزدد من الدنيا إلا بعدا قال وقد روي مثل قول الحسن هذا مرفوعا، وكأنه أشار إلى حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي المتقدم قلت: وحديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي المتقدم سنده ضعيف; لأن موسى بن إبراهيم قال الذهبي قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: متروك، كذا قاله المناوي، وعندي في ذلك نظر; لأن الذي قال فيه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: متروك وهو مروزي يروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة، كما هو نص الديوان للذهبي، والذي يروي عن موسى بن جعفر رجل من أهل البيت فتأمل .
والحديث الذي بعده رواه nindex.php?page=showalam&ids=11886أبو الفتح الأزدي في الضعفاء، ومن الشواهد ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا الحسن بن إبراهيم بن يسار حدثنا سليمان بن داود حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة قال: كان يقال: إن العاقل إذا لم ينتفع بقليل الموعظة لم يزدد على الكثير منها إلا شرا وفي معنى ذلك قول nindex.php?page=showalam&ids=16871مالك بن دينار من لم يؤت من العلم ما يقمعه فما أوتي من العلم ما ينفعه ( وقال عيسى عليه السلام) فيما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في اقتضاء العلم العمل له حدثنا محمد بن أحمد بن رزقويه، حدثنا جعفر بن محمد الخلدي، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عباس العنبري، حدثني عبد الصمد قال: سمعت سعيد بن عطارد، وكان بكى حتى فرح قال: قال عيسى ابن مريم ( إلى متى تصفون الطريق) ، أي إلى الله تعالى ( إلى المدلجين) ، ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب إلى الداجلين، أي لهم وهم السائرون بالليل، والمراد بهم الزهاد السالكون إلى الله تعالى، ( وأنتم مقيمون) أي: بأعمالكم ( مع المتحيرين) الواقفين، أي فلا يصح وصف الطريق إلا من المتصف بالسير والسلوك في طريق الحق، زاد الخطيب بعد قوله: المتحيرين إنما ينبغي من العلم القليل، ومن العمل الكثير ( فهذا) الذي ذكرناه لك ( وغيره من الأخبار) الكثيرة ( يدل على عظيم خطر العلم، و) على ( أن العالم) من حيث هو هو ( متعرض) بعلمه ( إما لهلاك الأبد) ، فيكون أشقى الأشقياء ( أو لسعادة الأبد،) فيكون أسعد السعداء ( وأنه بالخوض) والاشتغال ( في العلم قد حرم) منع ( السلامة) من [ ص: 352 ] الهلاك ( إن لم يدرك السعادة) بمنة من الله تعالى وتوفيق منه وتحقيق هذا المقام أن أصل العلم الرغبة وثمرته السعادة، وأصل الزهد الرهبة، وثمرته العبادة، فإذا اقترن العلم والزهد فقد تمت السعادة وعمت الفضيلة، وإن افترقا فيا بويح مفترقين ما أضر افتراقهما وأقبح انفرادهما وقد فصل المصنف في ذلك تفصيلا حسنا يأتي في أثناء كتابه: الناس في طلب العلم ثلاثة; رجل طلبه ليتخذه زاده إلى المعاد لم يقصد إلا وجه الله فهذا من الفائزين، ورجل طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به الجاه والمال، ومع ذلك يعتقد خسيسة مقصده وسوء فعله، فهذا من المخاطرين فإن عاجله أجله قبل التوبة خيف عليه سوء الخاتمة، وإن وفق لها فهو من الفائزين، ورجل استحوذ عليه الشيطان فاتخذ علمه ذريعة إلى التأثر بالمال، والتفاخر بالجاه والتعزز بكثرة الأتباع وهو مع ذلك يضمر أنه عند الله بمكان لاتسامه بسمة العلماء، فهذا من الهالكين المغرورين إذا الرجاء منقطع عن توبته لظنه أنه من المحسنين .