ومن مات ولم يحج مع اليسار فأمره شديد عند الله تعالى قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : لقد هممت أن أكتب في الأمصار بضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع إليه سبيلا .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس لو علمت رجلا غنيا وجب عليه الحج ثم مات قبل أن يحج ما صليت عليه وبعضهم كان له جار موسر فمات ولم يحج فلم يصل عليه .
(ومن مات ولم يحج مع اليسار) وتحقق الإمكان (فأمره شديد عند الله تعالى) لما تقدم من الخبر : nindex.php?page=hadith&LINKID=37393 "من لم يمنعه من الحج مرض قاطع أو سلطان جائر ومات ولم يحج فلا يبالي مات يهوديا أو نصرانيا " (قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يومئذ أمير المؤمنين :) أي : في حال توليه خلافة المسلمين (لقد هممت أن أكتب إلى الأمصار أن تضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع إليه سبيلا) كذا في القوت بلفظ : في الأمصار ، ولم يقل : وهو يومئذ أمير المؤمنين ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور والبيهقي من طرق ، فلفظ سعيد : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ، ما هم مسلمين ما هم مسلمين . ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=663110 "ليمت يهوديا أو نصرانيا -يقولها ثلاث مرات- رجل مات ولم يحج وجد لذلك سعة وخليت سبيله " وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن الحكم ، عن عدي بن عدي ، عن أبيه قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : من مات وهو موسر ولم يحج فليمت أي حال شاء- يهوديا أو نصرانيا ، وأخرجه أيضا عن غندر ، عن عتبة ، عن الحكم ، عن عدي بن عدي ، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر (وعن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ) -رحمهم الله تعالى- كل منهم قال : (لو علمت رجلا غنيا وجب عليه الحج ثم مات قبل أن يحج ما صليت عليه) هكذا أورده صاحب القوت عنهم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن أبي المعلى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال : لو كان لي جار موسر ثم مات ولم يحج لم أصل عليه ، وقال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن سفيان ، عن مجاهد بن رومي "وكان ثقة " قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=16330وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=5078وعبد الله بن مغفل : مات وهو لله عاص ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى : إني لأرجو أن يحج عنه وليه ، وقال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : قال الأسود لرجل منهم موسر : لو مت ولم تحج لم أصل عليك ، وقال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل ، عن ثور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : من مات وهو موسر ولم يحج جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب كافر ، (وبعضهم كان له جار موسر فمات ولم يحج فلم يصل عليه) نقله صاحب القوت (وكان nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما يقول : من مات ولم يزك ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا وقرأ قول الله تعالى : رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ) وكان يفسره في هذه ويقول : أي أحج ومثله فيقول : رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين [ ص: 298 ] قال : أحج وأزكي . وكان يقول : هذه الآية من أشد شيء على أهل التوحيد .
كذا في القوت .
(فصل في اعتبارات ما ذكر في الباب الأول وبعض ما في الباب الثاني)
قال الشيخ الأكبر قدس سره : الحج تكرار القصد إلى المقصود ، والعمرة الزيارة ، ولما نسب الله البيت إليه سبحانه- وأخبر أنه أول بيت وضعه الله لنا معبدا ، وجعله نظيرا ومثالا لعرشه ، وجعل الطائفين به كالملائكة الحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم أي : بالثناء على الله تعالى ، وثناؤنا على الله في طوافنا أعظم من ثناء الملائكة عليه بما لا يتقارب ؛ لأنهم في هذا الثناء نواب عن الحق يثنون عليه بكلامه الذي أنزله عليهم ، وهم أهل الله وأهل القرآن ، فهم نائبون عنه في الثناء ، فلم يشبه ثناؤهم استنباطا نفسيا ، ولا اختيارا كونيا عما سمع من ثنائهم إلا كلامه الذي أثنى به على نفسه ، فهو ثناء إلهي قدوس طاهر ، ولما جعل الله تعالى قلب عبده بيتا كريما وحرما جسيما ، وذكر أنه وسعه حين لم يسعه سماء ولا أرض ، علمنا قطعا أن قلب المؤمن أشرف من هذا البيت ، وجعل الخواطر التي تمر عليه كالطائفين ، ولما كان في الطائفين من يعرف حرمة البيت فيعامله في الطواف به بما يستحقه من الإجلال ، ومنهم من لا يعرف ذلك فيغفل ويلغو ، كذلك الخواطر التي تمر على قلب المؤمن ، منها مذموم ومنها محمود ، كما كتب الله طواف كل طائف للطائف به على أي حالة كان ، وعفا عنه فيما كان منه ، كذلك الخواطر المذمومة عفا الله عنها ما لم يظهر حكمها على ظاهر الجسم للحس ، ثم إن الله تعالى جعل أربعة أركان بسر إلهي ، وهي في الحقيقة ثلاثة أركان ، فإذا اعتبرتها جعلتها في القلب ركن الخاطر الإلهي ، والآخر ركن الخاطر الملكي ، والآخر ركن الخاطر النفسي ؛ فالإلهي ركن الحجر ، والملكي الركن اليماني ، والنفسي المكعب الذي في الحجر لا غير ، وليس للخاطر الشيطاني فيه محل ، وعلى هذا الشكل قلوب الأنبياء مثلثة الشكل على شكل الكعبة ، ولما أراد الله سبحانه ما أراد من إظهار الركن الرابع جعله للخاطر الشيطاني وهو الركن العراقي والركن الشامي للخاطر النفسي ، وإنما جعلنا الخاطر الشيطاني للركن العراقي ؛ لأن الشارع شرع أن يقال عنده : "أعوذ بالله من الشيطان والنفاق وسوء الأخلاق " وبالذكر المشروع في كل ركن تعرف مراتب الأركان ، وعلى هذا الشكل المربع قلوب المؤمنين ما عدا الرسل والأنبياء المعصومين ، ليميز الله رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين للعصمة التي أعطاهم ، فليس لنبي إلا ثلاثة خواطر : إلهي وملكي ونفسي ، ولغيرهم هذه وزيادة الخاطر الشيطاني العراقي ، فمنهم من ظهر حكمه عليه في الظاهر وهم عامة الخلق ، ومنهم من يخطر له ولا يؤثر في ظاهره وهم المحفوظون من أوليائه .
وارتفاع البيت سبعة وعشرون ذراعا ، وذراع التحجير الأعلى فهو ثمانية وعشرون ذراعا ، كل ذراع مقدار لأمر ما إلهي يعرفه أهل الكشف ، فهي هذه المقادير نظير منازل القلب التي تقطعها كواكب الإيمان السيارة لإظهار الحوادث في العالم العنصري ، سواء حرفا حرفا ومعنى معنى ، ثم إن الله تعالى جعل هذا البيت على أربعة أركان ، كذلك جعل القلب على أربعة طبائع تحمله ، وعليها قامت نشأته كقيام البيت على أربعة أركان ، فاعلم ذلك ، ولما كان الحج لهذا البيت تكرار القصد في مكان مخصوص ، كذلك القلب تقصده الأسماء الإلهية في حال مخصوص ؛ إذ كل اسم له حال خاص يطلبه ، فمهما ظهر الحال من العبد طلب الاسم الذي يخصه فيقصده ذلك الاسم ، فلهذا تحج الأسماء الإلهية بيت القلب ، وقد تحج إليه من حيث إن القلب وسع الحق ، فلما تكرر ذلك منها سمي ذلك القصد حجا ، كما يتكرر القصد من الناس والجن والملائكة إلى الكعبة في كل سنة للحج الواجب والنفل ، وفي غير زمان الحج وحاله يسمى زيارة لا حجا ، وهو العمرة ، وتسمى حجا أصغر ، وهذا الحكم في الآخرة في الزور العام ، هو بمنزلة الحج في الدنيا ، وحج العمرة هو بمنزلة الزور الذي يخص كل إنسان ، فعلى قدر اعتماره تكون زيارته لربه ، والزور الأعم في موضع خاص للزمان الخاص الذي للحج ، والزور الأخص التي هي العمرة لا تختص بزمان دون زمان ، فحكمها أنفذ في الزمان من الحج [ ص: 299 ] الأكبر ، وحكم الحج الأكبر في استيفاء المناسك من الحج الأصغر ليكون كل واحد منهما فاضلا مفضولا ؛ لينفرد الحق بالكمال الذي لا يقبل المفاضلة ، وما سوى الله ليس كذلك ، فالزيارة الخاصة التي هي العمرة مطلقة الزمان على قدر مخصوص ، والله أعلم .
ثم إنه لا خلاف في وجوبه بين علماء الإسلام ، قال الله تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا فوجب على كل مستطيع من الناس ؛ صغير وكبير ، ذكر وأنثى ، حر وعبد ، مسلم وغير مسلم . ولا يقع بالفعل إلا بشروط له معينة ، فإن الإيمان والإسلام واجب على كل إنسان ، والأحكام كلها الواجبة واجبة على كل إنسان ، ولكن يتوقف قبول فعلها أو فعلها من الإنسان على وجود الإسلام منه ، فلا يقبل تلبسه بشيء منها إلا بشرط وجود الإسلام عنده ، فإن لم يؤمن أخل بالواجبين جميعا يوم القيامة ؛ وجوب الشرط الصحيح لقبول هذه العبادات ، ووجوب المشروط التي هي هذه العبادات ، وقرئ بكسر الحاء ، وهو الاسم . وبفتحها ، وهو المصدر . فمن فتحها وجب عليه قصد البيت ليفعل ما أمره الله به أن يفعله عند الوصول إليه في المناسك التي عين الله له أن يفعلها ، ومن قرأ بالكسر وأراد الاسم فمعناه أن يراعي قصد البيت ، فيقصد ما يقصده البيت ، وبينهما بون بعيد ؛ فإن العبد بالفتح يقصد وبالكسر يقصد قصد البيت ، فيقوم في الكسر مقام البيت ، ويقوم بالفتح مقام خادم البيت ، فيكون حال العبد في حجه بحسب ما يقيمه فيه الحق من الشهود ، وأما باعتبار شرط صحته الذي هو الإسلام ، فالإسلام الانقياد إلى ما دعا الحق إليه ظاهرا وباطنا على الصفة التي دعاك أن تكون عليها عند الإجابة ، فإن جئت بغير تلك الصفة التي قال لك أن تجيء بها ، فما أجبت دعاء الاسم الذي دعاك ، ولا انقدت إليه ، وما في الكون إلا مسلم ؛ لأنه ما ثم إلا منقاد للأمر الإلهي ؛ لأنه ما ثم من قيل له كن فأبى ، بل يكون من غير تثبط ، ولا يصح إلا ذلك ، فإذا وقع الحج ممن وقع من الناس ما وقع إلا من مسلم .
قال عليه السلام nindex.php?page=showalam&ids=137لحكيم بن حزام : nindex.php?page=hadith&LINKID=657183 "أسلمت على ما أسلفت من خير " ولم يكن مشروعا من جانب أراه ذلك في حال الجاهلية ، فاعتبره له الله سبحانه لحكم الانقياد الأصلي الذي تعطيه حقيقة الممكن وهو الإسلام العام ، فمن اعتبر المجموع وجد ، ومن اعتبر عين الفقه وجد ، ومن اعتبر الذات وجد ، ولكل واحد شرب معلوم من علم خاص ، فإنه يدخل فيه هذا الإسلام الخاص المعروف في العرف العام في الظاهر والباطن معا ، فإن حكم في الظاهر لا في الباطن كالمنافق الذي أسلم للتقية حتى يعصم ظاهره في الدنيا ، فهذا ما فعل ما فعل من الأمور الخيرية التي دعي إليها لخيريتها ، فما له أجر ، والذي فعلها وهو كافر لخيريتها نفعته بالخبر النبوي ، فلا بد أن ينقاد الباطن والظاهر ، وبالمجموع تحصل الفائدة دعاه بالاسم الجامع والمدعو دعي من الاسم الجامع لصفة جامعة وهو الحج ، والحج لا يكون إلا بتكرار القصد ، فهو جمع في المعنى ، فما في الكون إلا مسلم ، فوجب الحج على كل مسلم ، فلهذا لم يتصور فيه خلاف بين علماء الرسوم وعلماء الحقيقة ، وإن كان أهل الرسوم لا يريدون بالإسلام إلا التلفظ بالشهادة ، وهذا لا يقدح فيما يراه المحقق ، فإن هذا الإسلام المقرر عنده إنما هو عن الإسلام الذي يراه المحقق ، فعالم الرسوم في ضمن عالم الحقائق ، وعالم الحقائق أتم من عالم الرسوم في هذه المسألة وأمثالها ، فإن حج الطفل الرضيع يصح ، ولا تلفظ له بالإسلام عنده ، ولا بالاعتقاد ، ولكن له الإسلام العام الذي يثبته المحقق ، فقد اعتبره الشرع لما رفع إليه صبي فقيل : ألهذا حج ؟ قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=663217 "نعم ولك أجر " . فنسب الحج إليه وهو غير قاصد في ظاهر الأمر ، فلو لم يكن لذلك الرضيع قصد بوجه ما عرفه الشارع ما صح أن ينسب الحج إليه ، والله أعلم .
والمجوز في حج الطفل صاحب الحج شرعا وحقيقة ، فإن الشرع جعل له الحج وأثبته ، وأين الإسلام في حق الصبي الرضيع إلا بحكم التبع عند أهل الظاهر ، وأما عندنا فهو بالأصالة والتبع فهو ثابت في الصغار بطريقين ، وفي الكبار بطريق واحد وهو الأصالة ، والصغير على فطرة الإيمان وما طرأ بعد ذلك عليه أمر يخرجه عن حكم الإقرار الأول وصحته ، فهو مؤمن بالأصالة ، ثم حكم له بإيمان أبيه في أمور ظاهرة فقال : ألحقنا بهم ذريتهم وأقيمت فيهم أحكام الإسلام كلها مع كونهم على حال لا يعقلون جملة واحدة ، ثم قال : وما ألتناهم من عملهم من شيء وأضاف العمل إليهم يعني قولهم بل تبقى لهم على غاية التمام ما نقصهم منه شيئا ، فالرضيع أتم إيمانا من الكبير [ ص: 300 ] بلا شك ، فحجه أتم من حج الكبير ، فإنه حج بالفطرة وباشر الأفعال بنفسه مع كونه مفعولا به فيها ، كما هو الأمر عليه في نفسه في كل وجه صح له الحج حقيقة وشرعا .
وأما اعتبار الراحلة والزاد ، فالراحلة عين هذا الجسم ؛ لأنه مركب الروح الذي هو اللطيفة الإنسانية المنفوخة فيه فيما يصدر منه بواسطة هذا الجسم من أعمال : صلاة وصدقة وحج وإماطة وتلفظ بذكر ، كل ذلك أعمال موصلة إلى الله تعالى والسعادة الأبدية ، والجسم هو المباشر لها ، والروح بواسطته ، فلا بد من الراحلة أن تشترط في هذا العمل الخاص بهذه الصورة ، وأما الزاد فمن أخذه من الزيادة وهو السبب الذي بوجوده يكون التقوى الذي تكون عنه القوة التي بها تحصل هذه الأفعال بأي شيء حصلت تلك القوة ، سواء بذاتها أو بهذا الزائد المسمى زادا ؛ لأن الله زاده في الحجاب ، ولهذا تعلقت به النفس في تحصيل القوة ، وسكنت عند وجوده ، واطمأنت ، وانحجبت من الله به وهي مسرورة بوجود هذا الحجاب لما حصل لها من السكون ؛ إذ كانت الحركة متعبة ، وإذا فقد الزاد تشوش بباطنه واضطرب طبعا ونفسا ، وتعلق عند فقد هذا السبب المسمى زادا ، وزال عنه ذلك السكون ، فكلما يؤديه إلى السكون فهو زاد وهو حجاب أثبته الحق بالفعل وقرره الشرع بالحكم فتقوى أساسه ، فلهذا كان أثر الأسباب أقوى من التجرد عنها ؛ لأن التجرد عنها خلاف الحكمة ، والاعتماد عليها خلاف العلم ، فينبغي للإنسان أن يكون مثبتا لها فاعلا بها غير معتمد عليها ، وذلك هو القوي من الرجال ، ولكن لا يكون له مقام هذه القوة من الاعتماد أن تؤثر فيه الأسباب ، أي بعد حصول الابتلاء بالتجريد عن الأسباب المعتادة وطرحها من ظاهره والاشتغال بها ، فإذا حصلت له هذه القوة الأولى حينئذ ينتقل إلى القوة الأخرى التي لا يؤثر فيها عمل الأسباب ، وأما قبل ذلك فغير مسلم للعبد القول به ، وهذا هو علم الذوق ، والعالم الذي يجد الاضطراب وعدم السكون فليس ذلك العلم هو المطلوب ، فإنه غير معتبر ، بل إذا أمعنت النظر في تحقيقه وجدته ليس بعلم ولا اعتقاد ، فلهذا لا أثر له ولا حكم في هذه القوة المطلوبة التي حصلت عن علم الذوق والحال ، وهذا هو مرض النفس ، وأما وجود الأخذ بالآلام الحسية من جوع وتعب فذلك لا يقدح ، فإنه أمر يقتضيه الطبع ، والله أعلم .
وأما اعتبار صفة النائب في الحج ، فمن رأى أن الإيثار يصح في هذا الطريق قال : لا يشترط فيه أن يكون قد حج عن نفسه ، وألحق بذلك بالفتوة ؛ حيث نفع الغير وسعى في حقهم قبل سعيه في حق نفسه فله ذلك ، ومن رأى أن حق النفس أوجب وعاملها معاملة الأجنبي وأنها الجار الأحق فهو بمنزلة من قال : لا يحج عن غيره حتى يكون قد حج عن نفسه ، وهو الأولى في الاتباع ، وهو المرجوع إليه ؛ لأنه الحقيقة ، وذلك أنه إن سعى أولا في حق نفسه فهو الأولى بلا خلاف ، وإن سعى في حق غيره فإن سعيه فيه إنما هو في حق نفسه ، فإنه الذي يجني ثمرة ذلك بالثناء عليه والثواب فيه ، فلنفسه سعى في الحالتين ، ولكن يسمى بالغير فتى ومؤثرا لتركه فيما يظهر حق نفسه لحق غيره الواجب على ذلك الغير لا عليه ، فإنه في هذا أدى ما لا يجب عليه ، وجزاء الواجب أعلى من جزاء غير الواجب ، لاستيفاء عين العبودية في الواجب ، وفي الآخرة رفعة وامتنان حالي على المتفتى عليه ، فهو قائم في حق الغير بصفة إلهية ؛ لأن لها الامتنان وهو في قيام حق نفسه من طريق الوجوب تقيمه صفة عبودية محضة وهو المطلوب الصحيح من العباد ، هذا كله ما لم تقع فيه إجارة ، فإن وقعت النيابة بإجارة فلها حكم آخر ، والله أعلم .
وأما حج العبد فمن قائل بوجوبه ومن قائل لا يجب عليه حتى يعتق ، وبالأول أقول ، وإن منعه سيده مع القدرة على تركه كان السيد من الذين يصدون عن سبيل الله ، كان أحمد بن حنبل في حال سجنه أيام المحنة إذا سمع النداء بالجمعة توضأ وخرج إلى باب السجن ، فإذا منعه السجان ورده قام له العذر بالمانع من أداء ما وجب عليه ، وهكذا العبد ، فإنه من جملة الناس المذكورين في الآية ، اعلم أنه من استرقه الكون فلا يخلو إما أن يكون استرقه بحكم مشروع كالسعي في حق الغير والسعي في شكر من أنعم عليه من المخلوقين نعمة استرقه بها ، فهذا عبد لا يجب عليه الحق ، فإنه في أداء واجب حق مشروع يطلب به ذلك الزمان ، وهو عند الله مقيد لغير الله في أمر الله لأداء حق الله ، وإن كان استرقه غرض نفسي وهوى كياني [ ص: 301 ] ليس للحق المشروع فيه رائحة وجب عليه إجابة الحق فيما دعاه إليه من الحج إليه في ذلك الفعل ، فإذا نظر إلى وجه الحق في ذلك الغرض كان ذلك عتقه ، فوجب الحج عليه وإن غاب عنه ذلك لغفلة لم يجب عليه وكان عاصيا لمعرفته بأن الله خاطبه بالحج مطلقا ، وإن كان مشهده في ذلك الوقت أنه مظهر والمخاطب بالحج الظاهر فيه فليس عينه لم يوجب الحج عليه ، وهذا العبد المخلص لله ، وهذه عبودة لا عتق فيها ، والله أعلم .
وأما باعتبار إيجابه على الفور أو على التراخي ، وبالأول أقول مع الاستطاعة ، فاعلم أن الأسماء الإلهية على قسمين في الحكم في العام به من الأسماء ما يتمادى حكمه ما شاء الله ويطول ، فإذا نسيته من أوله إلى آخره قلت بالتوسع والتراخي كالواجب الموسع بالزمان ، فكل واجب توقعه في الزمان الموسع فهو زمانه ، سواء أوقعته في أول الزمان أو في آخره أو فيما بينهما ، فإن الكل زمانه وأديت واجبا ، فاستصحاب حكم الاسم الإلهي على المحكوم عليه موسع كالعلم في استصحابه للمعلومات وكالمشيئة ، وهكذا المكلف إن شاء فعل في أول وإن شاء فعل في آخر ، ولا يقال هنا : وإن شاء لم يفعل ؛ لأن حقيقة فعل أثر وحقيقة لم يفعل استصحاب الأصل فلا أثر ، فلم يكن للمشيئة هنا حكم عياني ، ومن الأسماء من لا يتمادى حكمه كالموجد ، فهو بمنزلة من هو على الفور ، فإذا وقع لم يبق له حكم فيه ، فإنه تعالى إذا أراد شيئا أن يقول له كن على الفور من غير تراخي ، فإن الموجد ناظر إلى تعلق الإرادة بالكون ، فإذا رأى حكمها قد تعلق بالتعيين أوجد على الفور مثل الاستطاعة إذا حصلت تعين الحج ، والله أعلم .
وأما اعتبار مسافرة الزوج أو المحرم مع المرأة في وجوب الحج عليها فاعلم أن النفس تريد الحج إلى بيت الله ، وهو النظر في معرفة الله من طريق الشهود ، فهل يدخل المريد إلى ذلك بنفسه أو لا يدخل إلى ذلك إلا بمرشد ؟ والمرشد أحد شخصين ؛ إما عقل وافر وهو بمنزلة الزوج للمرأة ، وإما علم بالشرع وهو ذو المحرم ، فالجواب : لا يخلو هذا الطالب أن يكون مرادا مجذوبا أو لا يكون ، فإن كان مجذوبا فالعناية الإلهية تصحبه ، فلا يحتاج إلى مرشد من جنسه وهو قادر ، وإن لم يكن مجذوبا فإنه لا بد من الدخول على يد موقف إما عقل أو شرع ، فإن كان طالب المعرفة الأولى فلا بد من العقل بالوجوب الشرعي ، وإن طلب المعرفة الثانية فلا بد من الشرع يأخذ بيده في ذلك ، وبالمعرفة الأولى يثبت الشرع عنده ، وبالمعرفة الثانية يثبت الحق عنده ويزيل عنه من أحكام المعرفة الأولى العقلية أكثرها ، والله أعلم .
وأما اعتبار وجوب العمرة أو سنيتها أو استحبابها ، فالعمرة زيارة الحق بعد معرفته بالأمور المشروعة ، فإذا أراد أن يناجيه فلا يتمكن له ذلك إلا بأن يزوره في بيته ، وهو كل موضع تصح الصلاة فيه ، فيميل إليه بالصلاة فيناجيه ؛ لأن الزيارة الميل ، وإذا أراد أن يزوره بخلعته تلبس بالصوم وتجمل ليدخل به عليه ، وإذا أراد أن يزوره بعبوديته تلبس بالحج ، فالزيارة لا بد منها ، فالعمرة واجبة في أداء الفرائض ، سنة في الرغائب ، تطوع في النوافل غير المنطوق بها في الشرع ، فأي جانب حكم عليه مما ذكرناه حكمت على العمرة من وجوب أو سنة أو تطوع ، والله أعلم .
وأما اعتبار الآفاقي إذا أراد مكة ولم يرد نسكا فاعلم أن رجال الله على نوعين ؛ رجال يرون أنهم مسيرون ، ورجال يرون أنهم يسيرون ، فمن رأى أنه مسير لزمه الإحرام على كل حال فإنه مسير على كل حال ، ومن رأى أنه يسير لا غير فهو في حكم ما بعثه على السير ، فإن كان باعثه يقضي له الإحرام أحرم ، وإن كان باعثه غير ذلك فهو بحسب باعثه ، وليس له أن يحرم وهو ما نوى نسكا ، ولا ثم شرع يوجب عليه أن ينوي أحد النسكين ولا بد ، والله أعلم .