وقال الناس كلهم موتى إلا العلماء والعلماء سكارى إلا العاملين والعاملون كلهم مغرورون إلا المخلصين والمخلص على وجل حتى يدري ماذا يختم له به .
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله إذا طلب الرجل الحديث أو تزوج أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلى الدنيا وإنما أراد به طلب الأسانيد العالية أو طلب الحديث الذي لا يحتاج إليه في طلب الآخرة وقال عيسى عليه السلام كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على طريق دنياه وكيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به لا ليعمل به وقال صالح بن كيسان البصري أدركت الشيوخ وهم يتعوذون بالله من الفاجر العالم بالسنة .
( وقال) الإمام أبو محمد ( سهل) بن عبد الله بن يونس التستري سكن البصرة صاحب كرامات صحب ذا النون المصري بمكة سنة خروجه وجه للحج توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقيل: ثلاث وسبعين ( العلم كله دنيا إلا ما أريد به الآخرة) ، كذا في نسختنا وفي بعضها والآخرة منه العمل. وهكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في كتاب الاقتضاء فقال: أخبرنا محمد بن الحسن الأهوازي، سمعت ابن دينار الصوفي يقول: سمعت محمد بن المنذر يقول سمعت [ ص: 362 ] nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله يقول العلم كله دنيا الآخرة منه العمل به، وهكذا هو في القوت أيضا لكن من غير إسناد ويروى عنه أيضا فيما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب بالسند إلى بشر بن حسن الصابوني قال: قال nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل العلم أحد لذات الدنيا فإذا عمل به صار للآخرة وزاد صاحب القوت بعد قوله السابق ( والعمل كله هباء إلا الإخلاص) وهذه الزيادة لم أجدها في قول nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل وإنما هي في قوله الآتي فيما بعد والمصنف تابع في إيراده صاحب القوت إلا أنه يدون لفظه كله ( وقال) سهل أيضا ( الناس كلهم موتى إلا العلماء والعلماء سكارى إلا العاملين والعاملون مغرورون إلا المخلصين والمخلصون على وجل حتى يعلم بما يختم لهم به) هكذا أورده صاحب القوت إلا أنه قال والمخلص على وجل حتى يختم له به .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في كتاب الاقتضاء: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال أخبرنا أبو المفضل الشيباني قال: سمعت عبد الكريم بن كامل الصواف يقول سمعت nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله التستري، يقول: الناس كلهم سكارى إلا العلماء والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه ثم قال: أخبرنا أبو علي عبد الرحمن بن محمد النيسابوري بالري، أخبرنا أبو أحمد الغطريفي، حدثنا أبو سعيد العبدي بالبصرة قال: قال nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله الدنيا جهل وموات إلا العلم والعلم كله حجة إلا العمل به، والعمل كله هباء إلا الإخلاص ( وقال) الإمام الزاهد ( أبو سليمان) عبد الرحمن بن أحمد بن عطية ( الداراني) منسوب إلى داريا قريبة بغوطة دمشق من رجال الرسالة واسطي سكن دمشق، وروى عن nindex.php?page=showalam&ids=14358الربيع بن صبيح وأهل العراق وعنه صاحبه nindex.php?page=showalam&ids=12208أحمد بن أبي الحواري والقاسم الجويحي مات سنة خمسة عشر ومائتين قلت: وهو غير nindex.php?page=showalam&ids=12032أبي سليمان الداراني الكبير، فإن هذا اسمه عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون العنسي الدمشقي له رحلة في الحديث روى عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش nindex.php?page=showalam&ids=16861وليث بن أبي سليم nindex.php?page=showalam&ids=17314ويحيى بن سعيد الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=12428وإسماعيل بن أبي خالد وعنه nindex.php?page=showalam&ids=17246هشام بن عمار وعبد الله بن يوسف التنيسي وصفوان بن صالح وجماعة وثقه رحيم.
قال الذهبي: بقي إلى قرب التسعين ومائة ( إذا طلب الرجل الحديث أو تزوج أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلى الدنيا) هكذا أورده صاحب القوت ولفظه من تزوج أو طلب الحديث أو طلب معاشا وفي موضع آخر أو سافر كما للمصنف ولم يذكر في طلب المعاش والباقي سواء، زاد المصنف في تفسيره ( وإنما أراد به الأسانيد العالية) أي: إنما أراد بطلبه للحديث طلب أسانيده العالية الغريبة والاستكثار من الطرق المستنكرة كأسانيد حديث الطائر، وحديث المغفر وغسل الجمعة، وقبض العلم ومن كذب ولا نكاح إلا بولي، وغير ذلك، مما يتتبع أصحاب الحديث طرقه، ويعتنون بجمعه، والصحيح من طرقه أقلها وأكثر من يجمع ذلك الأحداث منهم فيتحفظون بها ويتذاكرون ولعل أحدهم لا يعرف من الصحاح حديثا وتراه يذكر من الطرق الغريبة والأسانيد العجيبة التي أكثرها موضوع وجلها مصنوع، مما لا ينتفع به وهذه العلة هي التي قطعت أكثر العلماء عن التفقه واستنباط الأحكام كفعل من رغب عن سماع السنن من المحدثين وشغلوا أنفسهم بتصانيف المتكلمين فكلا الطائفتين ضيع ما يعنيه، وأقبل على ما لا فائدة فيه، ثم إن علو الإسناد عند حذاق المحدثين إنما يعتبر بعدالة رجال الإسناد لا القرب مطلقا وإلا فقد يكون نزولا ففي مشيخةعبد الرحمن بن علي الثعلبي تخريج الحافظ العراقي بسنده إلى nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك قال: ليس جودة الحديث قرب الإسناد جودة الحديث صحة الرجال وأنشد nindex.php?page=showalam&ids=14508الحافظ أبو طاهر السلفي لنفسه:
ليس حسن الحديث قرب رجال عند أرباب علمه النقاد بل علو الحديث بين أولي الحفـ ظ والإتقان صحة الإسناد وإذا ما تجمعا في حديث فاغتنمه فذاك أقصى المراد
( وتطلب الحديث) الشاذ المنكر وإليه يشير قول nindex.php?page=showalam&ids=16410عبد الله بن إدريس كنا نقول الإكثار من الحديث جنون قال nindex.php?page=showalam&ids=14714الطنافسي الراوي عنه صدق وكذا تطلب ( الذي لا يحتاج إليه في طريق الآخرة) قال nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب يذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك قال ما أكثر أحد من الحديث فاحتج وقال nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق كنا نظن أن كثرة الحديث خير فإذا [ ص: 363 ] هو شر كله وقال المروزي: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يقول: تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب ما أقل الفقه فيهم وقد سبق إنكار ابن القيم قول الداراني هذا وتقرير المصنف إياه وسبق أيضا الجواب عنه في خلال فصول المقدمة ( وقال) nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية حدثنا أبي حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحكم حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14302يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15994سعيد بن عامر، حدثنا هشام صاحب الدستوائي قال: قرأت في كتاب بلغني أنه من كلام ( عيسى) ابن مريم ( عليه السلام) تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير العمل ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل ويلكم علماء السوء الأجر تأخذون والعلم تضيعون يوشك رب العمل أن يطلب عمله ( كيف يكون من أهل العلم من سيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه) وما يضره أشهى إليه أو قال أحب إليه مما ينفعه .
( و) قال nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم أيضا حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن محجن بن الحسن حدثنا الفضل بن الصباح حدثنا أبو عبيدة الحداد عن nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي قال كان عيسى عليه السلام يقول معشر العلماء ( كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به) و ( لا) يطلبه ( ليعمل به) والعلم فوق رؤوسكم والعمل تحت أقدامكم فلا أحرار كرام ولا عبيد أتقياء ( وقال صالح بن حسان) أبو الحارث ( البصري) كذا في النسخ والصواب النضري بفتح النون والضاد المعجمة المحركة منسوب إلى بني النضير قاله nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم وهو مدني نزيل البصرة، روى عن أبيه وغيره، ومحمد بن كعب، وهشام بن عبدة وغيرهم، وعنه سعيد بن محمد الوراق، وعابد بن حبيب، وعبد الحميد الحماني، وأبو داود الحفري، قال nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي: بعض أحاديثه فيها إنكار وهو إلى الضعف أقرب، وقال الحافظ ابن حجر: له ذكر في مقدمة nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ونقل عن nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان أنه كان صاحب قينات وسماع وممن يروي الموضوعات عن الأثبات ( أدركت الشيوخ) أي: بالمدينة وغيرها ( وهم يتعوذون بالله من الفاجر العالم بالسنة) .
هكذا أورده صاحب القوت إلا أنه قال أدركت المشيخة والفجور كما تقدم خرق ستر الديانة، وهو مثل قول سيدنا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه السابق أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان ( وروى أبو هريرة) رضي الله عنه واسمه عبد الرحمن بن صخر في أشهر الأقوال وهو من مكثري الصحابة رواية وزهدا وورعا وترجمته واسعة ( أنه صلى الله عليه وسلم قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=675102من طلب علما مما يبتغي به وجه الله ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من رواية سعيد بن يسار عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ: nindex.php?page=hadith&LINKID=675102من تعلم وقال: لا يتعلمه إلا ليصيب وإسناده صحيح، رجاله رجال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري اهـ .
قلت: وقد رواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد رفعه من تعلم الأحاديث ليحدث بها الناس لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام، قال العراقي: وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وقول nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري في مختصر السنن أن nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي روى حديث أبي هريرة وهو إنا روى حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ولفظهما مختلف فيه اهـ .
والزهد في الشيء قلة الرغبة فيه والقناعة بقليله ( فقال في) حق ( علماء الدنيا: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه إلى قوله ثمنا قليلا ) إلى قوله: فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون فقوله فنبذوه أي تركوه ورموه وراء ظهورهم ولم يعملوا به وطلبوا به متاع الدنيا الفانية فهذا أكلهم الدنيا بالعلم ( وقال في) وصف ( علماء الآخرة وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ) أي: من الأحكام وغيرها ( خاشعين لله إلى قوله أجرهم عند ربهم ) أي: قوله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم [ ص: 364 ] وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية بسنده إلى nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس عن nindex.php?page=showalam&ids=11873أبي العالية في قوله تعالى: ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا قال: لا تأخذ على ما علمته أجرا فإنما أجر العلماء والحكماء والحلماء على الله وهم يجدونه مكتوبا عندهم يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا وقال صاحب القوت: ومما يدلك على الفرق بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة أن كل عالم بعلم إذا رآه من لا يعرفه لم يتبين عليه أثر علمه ولا عرف أنه عالم إلا العلماء بالله عز وجل، فإنما يعرفون بسيماهم للخشوع والسكينة والتواضع والذلة فهذه صبغة الله لأوليائه ولبسة للعلماء به ومن أحسن من الله صبغة كما قال ما ألبس الله عز وجل لبسة أحسن من خشوع في سكينة هي لبسة الأنبياء وسيما العلماء، فمثلهم في ذلك كمثل الصناع إذ كل صانع لو ظهر لمن لا يعرفه لم يعرف صنعته دون سائر الصنائع ولم يفرق بينه وبين الصناع إلا الصناع فإنه يعرف بصنعته; لأنها ظاهرة عليه إذ صارت له لبسة وصفة لالتباسها بمعاملته فكانت سيماه .
( وقال بعض السلف) أي: من العلماء المتقدمين ( العلماء يحشرون في زمرة الأنبياء) أي: لكونهم ورثتهم ( والقضاة يحشرون في زمرة السلاطين) لكونهم حكاما بين الناس فسبيلهم سبيل الملوك والسلاطين، هكذا أخرج هذا القول صاحب القوت .