(الثاني) من الأمور الستة الترتيب وهو الواجب الثاني من السبعة وإليه أشار المصنف بقوله : (إذا فرغ من الاضطباع فليجعل البيت على يساره) .
ولنقدم في موضع البيت وما لحقه من التغيير مقدمة فنقول لبيت الله أربعة أركان : ركنان يمانيان وركنان شاميان وكان لاصقا بالأرض وله بابان شرقي وغربي فذكر أن السيل هدمه قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو عليها اليوم ولم يجدوا من النذر والهدايا والأموال الطيبة ما يفي بالنفقة فتركوا من جانب الحجر بعض البيت وخلفوا الركنين الشاميين [ ص: 348 ] عن قواعد إبراهيم -عليه السلام- وضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الثاني الذي يليه فبقي من الأساس شبه الأركان مرتفعا وهو الذي يسمى الشاذروان وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة -رضي الله عنها- nindex.php?page=hadith&LINKID=74285 "لولا حدثان قومك بالشرك لهدمت البيت ولبنيته على قواعد إبراهيم عليه السلام فألصقته بالأرض وجعلت له بابين شرقيا وغربيا " ثم إن nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير هدمه أيام ولايته وبناه على قواعد إبراهيم عليه السلام كما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لما استولى عليه nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج هدمه وأعاده على الصورة التي هو عليها اليوم وهو بناء قريش والركن الأسود والباب في صوب الشرق والأسود هو أحد الركنين اليمانيين والباب بينه وبين أحد الشاميين وهو الذي يسمى عراقيا أيضا والباب إلى الأسود أقرب منه إليه ويليه الركن الآخر الشامي والحجر بينهما والميزاب بينهما ويلي هذا الركن اليماني الآخر الذي هو عن يمين الأسود وإذا عرفت ذلك فاعلم أنه يعتبر في الطواف شيئان قد يعبر عنهما معا بالترتيب وقد يعبر به عن أحدهما ، أحدهما : ما أشار له المصنف بقوله : فليجعل البيت على يساره والثاني : ما أشار إليه بقوله : (وليقف عند الحجر الأسود وليتنح عنه قليلا ليكون الحجر قدامه فيمر بجميع الحجر) أي يحاذيه (بجميع بدنه) في مروره (في ابتداء طوافه) وذلك بأن لا يقدم جزأ من بدنه على جزء من الحجر فلو حاذاه ببعض بدنه وكان بعضه محاذيا إلى جانب الباب ففيه قولان الجديد أنه لا يعتد بتلك الطوفة والقديم أنه يعتد بها ويكفي المحاذاة ببعض بدنه وهذا الخلاف كالخلاف فيما إذا استقبل القبلة ببعض بدنه وصلى هل تصح صلاته ؟ وفيما علق عن الشيخ أبي محمد وغيره أن الخلاف ثم مخرج من الخلاف في الطواف وعكس الإمام ذلك فأشار إلى تخريج هذا من ذلك ولو حاذى بجميع البدن بعض الحجر دون البعض أجزأه كما يجزئه أن يستقبل بجميع بدنه بعض الكعبة ذكره العراقيون وفي شرح المهذب للنووي أنه لا خلاف فيه وقال ابن الرفعة الظاهر تخريجه على القولين أيضا لأنه لم يحاذ كل جزء جميع الحجر وحكى الإمام عن والده فيها احتمالين وقال الأمر كما قال محتمل وقد توقفوا في تصوير هذا القسم وتوقفوا ولا وقفة فيه ولا تكلف وصورته أن لا يستقبل الحجر بوجهه بل يجعله على يساره وحينئذ فيكون الحجر في سمت عرض بدنه والغالب أن المنكب ونحوه كما هو جهة العرض دون جهة الحجر . . أهـ . هذا ما يتعلق بالقسم الثاني من الترتيب وأما القسم الأول وهو أن يجعل البيت على يساره فلو جعل البيت على يمينه كما إذا ابتدأ من الحجر الأسود ومر على وجهه نحو الركن اليماني لم يعتد بطوافه وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يعتد بالطواف ما دام بمكة وإن فارقها أجزأه دم شاة ولو لم يجعله على يمينه ولكن استقبله بوجهه وطاف معترضا قال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال : وفيه وجهان أحدهما : الجواز لحصول الطواف في يسار البيت والثاني : المنع لأنه لم يول الكعبة شقه الأيسر والخلاف جار فيما إذا ولاها شقه الأيمن ومن تقهقر نحو الباب سرى جريانه فيما إذا استدبرها ومر معترضا وقال النووي في زيادات الروضة : الصواب القطع بأنه لا يصح هذا الطواف في هذه الصورة فإنه منابذ لما ورد الشرع به ، والله أعلم .
وأما الأظهر من هذا الخلاف الذي أورده صاحب التهذيب وغيره في الصورة الثانية أنه يجوز ويكره قال الإمام : الأصح المنع كما أن المصلي لما أمر أن يولي الكعبة صدره ووجهه لم يجزه أن يوليها شقه وهذا أوفى لعبارة الأكثرين فإنهم قالوا : يجب أن يجعل البيت على يساره ولم يوجد ذلك في هذه الصورة قالوا : لو جعله على يمينه لم يصح وقد وجد ذلك في صورة الرجوع قهقرى ومن صحح الطواف في هذه الصورة فالمعتبر عنده أن يكون تحرك الطائف ودورانه في يسار البيت لا غير والله أعلم ولو ابتدأ الطائف من غير الحجر الأسود لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر فيكون منه ابتداء طوافه .