ثم ليغلس بصلاة الصبح وليأخذ في المسير حتى إذا انتهى إلى المشعر الحرام ، وهو آخر المزدلفة فيقف ويدعو إلى الإسفار ويقول اللهم بحق المشعر الحرام ، والبيت الحرام ، والشهر الحرام والركن والمقام أبلغ روح محمد منا التحية والسلام ، وأدخلنا دار السلام يا ذا الجلال والإكرام ثم يدفع منها قبل طلوع الشمس حتى ينتهي إلى موضع يقال له وادي محسر فيستحب له أن يحرك دابته حتى يقطع عرض الوادي ، وإن كان راجلا أسرع في المشي .
والثالث: بالحجر فليكن هذا أولى لكونه أسلم، والأصل في أعمال هذه المواطن إلا ما قام دليل على عدم تعينه كما في الرمي من أسفل الجمرة. والله أعلم (ثم ليغلس بصلاة الصبح) ، أي يصليها بغلس، قال nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي: والتغليس ههنا أشد استحبابا اهـ .
وفي الصحاح والقاموس: الغلس محركة ظلمة آخر الليل، والمراد منه هنا ما كان بعد طلوع الفجر الثاني، قال ابن الهمام من أصحابنا: الأوفق لما نحن فيه ما نقل عن الديوان أنه آخر ظلمة الليل اهـ .
فالمعنى يصلي الفجر بعد طلوع الفجر الثاني، قبل زوال الظلام وانتشار الضياء، وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، وصلى الفجر قبل ميقاتها بغلس يعني قبل ميقاتها المعتاد، ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: وصلاها حين طلع الفجر، وقائل يقول لم يطلع الفجر، وقال صاحب الهداية: ولأن في التغليس دفع حاجة الوقوف فيجوز كتقديم العصر بعرفة، يعني لما جاز تعجيل العصر على وقتها للحاجة إلى الوقوف بعدها فلأن يجوز التغليس بالفجر وهو في وقتها أولى (وليأخذ في السير حتى إذا انتهى إلى المشعر الحرام، وهو آخر المزدلفة فليقف) على قزح (ويدعو إلى الأسفار) .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: إذا لم يكن بها بعد طلوع الفجر لزمه دم إلا لعذر من ضعف أو غيره، فإن كان بها أجزأه وإن لم يكن قبله، وهو ظاهر ما نقله nindex.php?page=showalam&ids=13890البغوي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد.
قال المحب الطبري: قوله تعالى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، قال أكثر المفسرين: المشعر الحرام: هو المزدلفة ودل عليه حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر السابق، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي وجابر المتقدمان يدلان على أن قزح هو المشعر الحرام، وهو المعروف في كتب الفقه فتعين أن يكون في أحدهما حقيقة، وفي الآخر مجازا دفعا للاشتراك إذ المجاز خير منه فترجح احتماله عند التعارض، فيجوز أن يكون حقيقة في قزح فيجوز إطلاقه على الكل لتضمنه إياه، وهو أظهر الاحتمالين في الآية فإن قوله تعالى: عند المشعر الحرام يقتضي أن يكون الوقوف في غيره، وتكون المزدلفة كلها عنده لما كانت كالحريم له، ولو أريد بالمشعر الحرام المزدلفة لقال من المشعر الحرام، ويجوز أن يكون في المزدلفة كلها، وأطلق على قزح وحده تجوزا لاشتمالها عليه، وكلاهما وجهان من وجوه المجاز أعني إطلاق اسم الكل على البعض وبالعكس، وهذا القائل يقول: حروف المعاني يقوم بعضها مقام بعض فقامت عند مقام في، وفي الحديث والأثر ما يصدق كل واحد من الاحتمالين [ ص: 393 ] وقزح كزفر موضع من المزدلفة، وهو موقف قريش في الجاهلية إذ كانت لا تقف بعرفة، وفي الصحاح قزح اسم جبل بعرفة.
قال المحب الطبري: وقد بني عليه بناء فمن تمكن من الرقي عليه رقي، وإلا وقف عنده مستقبل القبلة فيدعو ويكبر ويهلل ويوحد، ويكثر من التلبية إلى الأسفار، ولا ينبغي أن يفعل ما تطابق عليه الناس اليوم من النزول بعد الوقوف من درج في وسطه مضيق يزدحم الناس على ذلك حتى يكاد يهلك بعضهم بعضا، وهو بدعة شنيعة بل يكون نزوله من حيث رقيه من الدرج الظاهرة الواسعة، وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في مناسكه أن قزح جبل صغير في آخر المزدلفة، ثم قال بعد ذلك: وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذي ذكرناه الوقوف على بناء مستحدث في وسط المزدلفة، ولا تتأدى به هذه السنة. هذا آخر كلامه. والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل، ولم أر ما ذكره لغيره، والله أعلم .
(وليقل) في دعائه (اللهم بحق المشعر الحرام، والبيت الحرام، والشهر الحرام والركن والمقام بلغ روح محمد منا التحية والسلام، وأدخلنا دار السلام يا ذا الجلال والإكرام) ، وهذا الدعاء أورده الجزولي في دلائله بلفظ: اللهم رب الحل والحرام، ورب المشعر الحرام، ورب البيت الحرام، ورب الركن والمقام أبلغ لسيدنا ومولانا محمد منا السلام، وإنما جره إلى اختيار هذا الدعاء لما فيه من لفظ المشعر الحرام، وإلا فقد قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: إن المستحب في هذا الموضع أن يدعو بدعاء nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الذي تقدم ذكره عند ركعتي الطواف، وعند السعي (ثم يدفع منها قبل طلوع الشمس) .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يجهد ناقته إذا مر بمحسر، قال المحب الطبري: وما ذكر في حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي أنه أردف الفضل بعد مجاوزة وادي محسر، وتقدم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أنه كان ردفه حال الدفع، ولا تضاد بينهما إذ يجوز أن يكون أنزله من أول الوادي تخفيفا عن الراحلة ليكون أسرع لها، أو ليلتقط الحصى لما تقدم أن الحصى يلتقط منه، ثم أردفه لما جاوز الوادي، واختلفوا في محسر فقيل: هو واد بين مزدلفة ومنى، وقيل: ما حسب منه في مزدلفة فهو منها، وما حسب منه في منى فهو منها، وصوبه بعضهم وقد جاء: nindex.php?page=hadith&LINKID=673553ومزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر فيكون على هذا قد أطلق بطن محسر والمراد منه ما خرج من مزدلفة، وإطلاق اسم الكل على البعض جائز مجازا شائعا، وسمي بذلك لأنه حسر فيه فيل أصحاب الفيل أي أعيا .
وقيل: لأنه يحسر سالكيه، ويتعبهم، وحسرت الناقة أتعبتها، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم: وتحريكه صلى الله عليه وسلم الراحلة، فيه يجوز أن يكون ذلك لسعة الموضع، ويجوز أن يكون فعله; لأنه مأوى الشياطين، وقيل: [ ص: 394 ] لأنه كان موقفا للنصارى، فاستحب الإسراع فيه، وأهل مكة يسمون هذا الوادي وادي النار، يقال: إن رجلا اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته، وفي قول المصنف: " أسرع في المشي فيه" وجه في المذهب أن الماشي لا يعدو ولا يرمل، نقله nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي في بعض الشروح .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر الطحاوي: للمزدلفة ثلاثة أسماء هي: وجمع، والمشعر الحرام، والمأزمان بوادي محسر، وأول محسر من القرن المشرق من الجبل الذي على يسار الذاهب إلى منى، وآخره أول منى، وليس وادي محسر من منى، ولا من المزدلفة فالاستثناء في قوله إلا وادي محسر منقطع، ثم إن ظاهر كلام القدوري والهداية أن كلا من وادي محسر وعرفة ليسا مكان وقوف، فلو وقف فيهما لا يجزئه، سواء قلنا: إنهما من مزدلفة. .... وعرفة أولا .
وهكذا هو عبارة كلام محمد خلافا لما في البدائع، فإنه صرح في وادي محسر بالأجزاء مع الكراهة، وسكت عن عرفة، وحكمهما واحد، وهذا مع مخالفته لكلام الأصحاب غير مشهور، والذي يقتضيه النظر إن لم يكن إجماع على عدم أجزاء الوقوف بهما، هو أنهما إن كانا من مسمى عرفة والمشعر الحرام، يجزئ الوقوف بهما، ويكون مكروها لأن القاطع أطلق الوقوف لمسماهما مطلقا، وخبر الواحد منعه في بعضه فقيده، والزيادة عليه بخبر الواحد لا تجوز، فيثبت الركن بالوقوف في مسماهما مطلقا، والوجوب في كونه في غير المكانين المستثنيين، وإن لم يكونا من مسماهما لا يجزئ أصلا، وهو ظاهر، والله أعلم .
ثم إن هذا الوقوف كما تقدمت الإشارة إليه واجب عندنا، وليس بركن حتى لو تركه بغير عذر لزمه الدم، ونسبوا إلى nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه ركن كما في الهداية، وهو سهو بل هو عندهم سنة، ونسبه في المبسوط إلى nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد، وفي الأسرار إلى nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة بن قيس، وجه الركنية قوله تعالى: فاذكروا الله عند المشعر الحرام قلنا: غاية ما يفيد إيجاب السكون في المشعر بالالتزام لأجل الذكر ابتداء، وهذا لأن الأمر فيها إنما هو بالذكر عنده لا مطلقا، فلا يتحقق الامتثال إلا بالسكون عنده، فالمطلوب هو المقيد فيجب القيد ضرورة، لا قصدا فإذا أجمعنا على أن نفس الذكر الذي هو متعلق الأمر ليس بواجب، انتفى وجوب الأمر فيه بالضرورة، فانتفى الركنية والإيجاب من الآية .
وإنما عرفنا الإيجاب من غيرها، وهو ما رواه أصحاب السنن عن عروة بن مضرس - رضي الله عنه - رفعه من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى يدفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا ونهارا فقد تم حجه، قال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم: صحيح على شرط كافة أصحاب الحديث، وهو من قواعد الإسلام، ولم يخرجاه على أصلهما أن عروة بن مضرس لم يرو عنه إلا nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي، وقد وجدنا nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير قد حدث عنه، ثم ساقه علق به تمام الحج، وهو يصلح لإفادة الوجوب لعدم القطعية، فكيف مع حديث nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بليل. الحديث، فإن بذلك تنتفي الركنية; لأن الركن لا يسقط للعذر، بل إن كان عذر يمنع أهل العبادة، سقطت كلها أو أخرت، أما إن شرع فيها فلا تتم إلا بأركانها، وكيف وليست هي سوى أركانها فعند عدم الأركان لم يتحقق مسمى تلك العبادة أصلا، والله أعلم .
وقال الجوزي: هذا الحديث لا يصح، تفرد به nindex.php?page=showalam&ids=16374عبد العزيز بن أبي رواد ولم يتابع عليه قال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان: وكان يحدث على التوهم والحسبان، فبطل الاحتجاج به، وقد رد عليه الحافظ ابن حجر، وألف في ذلك جزأ سماه الحجاج في [ ص: 395 ] عموم المغفرة للحجاج، وذكر فيه ما حاصله أن هذا الحديث صححه nindex.php?page=showalam&ids=14679الضياء في "المختارة"، وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود طرفا منه فسكت عليه، فهو عنده صالح فهو على شرط الحسن، وأخرجه أيضا من طرق أخرى يعضد بعضها بعضا، وله شواهد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس، وغيرهما، والله أعلم .