(والمقيم بمكة ) يعني به الغريب الذي قصد مجاورتها (ينبغي) له (أن يكثر الاعتمار والطواف) ولم يرد بالمقيم الحاضر، وإن كان لفظ الإقامة يشملهما، وهكذا عبر به المصنف في الوجيز في باب العمرة، فقال في سياق عبارته إلا في حق المكي والمقيم بها، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي في شرحه كالمعترض عليه: لا شك أن المراد بالمكي الحاضر بمكة فلو اقتصر على قوله في حق المقيم بمكة لأغناه، ودخل فيه ذلك المكي اهـ .
ثم لا يخفى أن الصلاة والاعتمار والطواف كل منها أفضل في ذاته، ولكن هل الصلاة أفضل من الطواف أو بالعكس ؟ فقطع nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي في الحاوي بأن الطواف أفضل مطلقا، وروي مثل ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال: الطواف هناك أحب إلي من الصلاة يعني بالبيت، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي في تفسيره وقال: ولهذا القول وجه، وإن كان فضل الصلاة أعم، ومنهم من فضل الصلاة على الطواف مطلقا نظرا إلى عموم فضلها، ومنهم من توسع، فقال: أما أهل مكة فالصلاة لهم أفضل، وأما أهل الأقطار فالطواف، روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس.
أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13890البغوي في شرح السنة، ومثله عن عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد نقله nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي، وفي المغني لابن قدامة عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: الطواف لكم يا أهل العراق أفضل والصلاة لأهل مكة أفضل، ومنهم من قرر هذا التوسط بوجه آخر فقال: الطواف للشباب أفضل والصلاة للشيخ أفضل، رواه nindex.php?page=showalam&ids=13890البغوي في شرح السنة عن موسى الجهني عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، وأما تفضيل الطواف على الاعتمار فأخرج الأزرقي عن قدامة بن موسى بن قدامة بن مظعون أن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قدم المدينة، فركب إليه nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز فسأله عن الطواف للغرباء أفضل أم العمرة ؟ فقال: بل الطواف، ومراده -والله أعلم - أن تكرار الطواف أفضل من العمرة، ولا يريد طواف أسبوع واحد فإنه موجود في العمرة وتزيد العمرة بما فيها من غيره، قال المحب الطبري: وقد ذهب قوم من أهل عصرنا إلى تفضيل العمرة عليه، ويرون الاشتغال بها أفضل من تكراره والاشتغال به ويستفرغون وسعهم فيها بحيث لا تبقى في أحدهم منعة يستعين بها على الطواف، وذلك خطأ ظاهر، وأول دليل على خطئه مخالفة السلف الصالح في ذلك قولا وفعلا، إذ لم ينقل تكرارها والإكثار منها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر في أربع سفرات في أربعة أعوام، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم زاد في كل سفرة على عمرة، ولا أحد ممن كان معه من الصحابة غير nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في حجة الوداع لمعنى اقتضى ذلك، وكذلك كل من سكن الحرم من الصحابة والتابعين لم ينقل عنهم الإكثار منها فضلا عن مداركتها في أيام أو في يوم، وأكثر ما روي عن عطاء أنه قال: في كل شهر عمرة، وفي كل شهر عمرتان، وفي كل شهر ثلاث عمر، وعن nindex.php?page=showalam&ids=8علي في كل شهر عمرة، وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أنه كان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يعتمر في رجب في كل عام، وعن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان مثله .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم أن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة اعتمرت في عام واحد ثلاث عمر، ففعل nindex.php?page=showalam&ids=9أنس محمول على السبب، وفعل غيره محمول على مقاصد العبادة حتى لا تصير مهجورة ولا يلزم من القدرة على الأفضل أن لا يتعاطى المفضول فقصد التعهد له عند هجر الناس له أفضل من تعاطي الأفضل، وينتظم به في سلك ذاكري الله في [ ص: 409 ] الغافلين، ولأجل هذا المعنى فضلت الصلاة في مسجد الجوار على الأكثر جماعة، فهذا تأويل مذهب من ذكرناه من الصحابة في تكراره لها .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال: يا أهل مكة ما عليكم أن لا تعتمروا إنما عمرتكم طوافكم بالبيت يشير بذلك إلى أن اشتغالهم به أفضل من اشتغالهم بها، وتخصيص الغرباء في سؤال nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز بالذكر خرج مخرج الغالب، فإن الغالب أن تكرارها إنما يكون حرصا منهم عليها; لأنها تغرب بمفارقتهم الحرم، وهذا المعنى موجود في الطواف فكان اشتغالهم به أولى من العمرة إذ هو المقصود منها، فإن معنى العمرة زيارة البيت والطواف تحيته، ويتأيد ذلك بأنه ليس منها ما هو عبادة مستقلة، وما سواه منها إنما كان عبادة بربط القصد إليه فهو تابع له، إما وسيلة سابقة، أو تتمة لاحقة، ولهذا لو انفك عن ربط القصد إليه عد متلاعبا مساواة بين المقصود والتابع، وهذا nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس من أكبر الأئمة يقول: الذين يعتمرون من التنعيم: ما أدري يؤجرون عليها أم يعذبون ؟ قيل له: فلم يعذبون؟ قال: لأن أحدهم يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال، ويجيء ومراده بالتعذيب - والله أعلم - إتعابه نفسه لا أن الله يعذبه على ذلك .
وذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك إلى كراهة تكرارها في العام الواحد، وذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد إلى أنها تستحب في أقل من عشرة أيام، ولم يذهب أحد إلى كراهة تكرار الطواف، بل أجمعوا على استحبابه، وقد روي تكراره والإكثار منه عن كثير من الصحابة، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=911997أنه كان في حجة الوداع يفيض من البيت كل ليلة من ليالي منى وفي بعض الأيام مع قوله صلى الله عليه وسلم أنها أيام أكل وشرب وبعال، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يطوف سبعة أسابيع بالليل وخمسة بالنهار، وكان طواف آدم عليه السلام كذلك على أنا لا ندعي به كراهة تكرارها، بل نقول: إنها عبادة كثيرة الفضل عظيمة الخطر، لكن الاشتغال بتكرار الطواف مثل مدتها أفضل من الاشتغال بها، والله أعلم .