وليتذكر الملبي عند رفع الصوت بالتلبية في الميقات إجابته لنداء الله عز وجل إذ قال وأذن في الناس بالحج ونداء الخلق بنفخ الصور وحشرهم من القبور ، وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبين لنداء الله سبحانه ، ومنقسمين إلى مقربين وممقوتين ومقبولين ومردودين ومترددين في أول الأمر بين الخوف والرجاء تردد الحاج في الميقات حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لا وأما دخول مكة فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله تعالى آمنا وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا يكون أهلا للقرب فيكون بدخوله الحرم خائبا ومستحقا للمقت وليكن رجاؤه في جميع الأوقات غالبا فالكرم عميم والرب رحيم وشرف البيت عظيم وحق الزائر مرعي وذمام المستجير اللائذ غير مضيع .
وأما وقوع البصر على البيت فينبغي أن يحضر عنده عظمة البيت في القلب ويقدر ، كأنه مشاهد لرب البيت لشدة تعظيمه إياه وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بيته العظيم واشكر ، الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه واذكر عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة ، ثم انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ، ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ، ومردودين ، ولا تغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما تراه فإن كل أحوال الحاج دليل على أحوال الآخرة .
(وليتفكر الملبي عند رفع الأصوات بالتلبية في الميقات إجابته لنداء الله سبحانه إذ قال) على لسان خليله إبراهيم عليه السلام: (وأذن في الناس بالحج) يأتوك رجالا الآية (نداء أطلق) هو مفعول يتفكر (حين ينفخ في الصور) ينفخه إسرافيل عليه السلام، (و) كذلك يتفكر (حشرهم في القبور، وازدحامهم في عرصات القيامة) حالة كونهم (مجيبين لنداء الله عز وجل، ومنقسمين إلى) أقسام بين (مقربين) في الحضرة، (وممقوتين) مبغوضين (ومقبولين ومردودين) عن الحضرة، (ومترددين في أول الأمر بين الخوف والرجاء تردد الحاج في الميقات) حالة إحرامهم (بحيث لا يدرون أيتيسر لهم تمام الحج وقبوله أم لا) ، فحال هؤلاء لا يوازي حال هؤلاء، (وأما دخول مكة ) شرفها الله تعالى [ ص: 449 ] (فليتذكر عند ذلك أنه قد انتهى إلى حرم الله عز وجل وأمنه) كالذي يدخل في حضرة الملك فيأمن من سائر المخاوف، (وليرج) من الله (بدخوله إلا من عذاب الله عز وجل) الموعود به أهل المخالفات، (وليخش أن لا يكون أهلا للقرب) من الحضرة الإلهية (فيكون بدخوله الحرم خائبا) خاسرا (مستحقا للمقت) والطرد فلا ينفعه من دخول الحرم شيء، (وليكن رجاؤه في جميع الأوقات) في سائر أعماله (غالبا) على الخوف (فالكرم) الإلهي (عميم) ، قال الشيخ الأكبر: ولقد أشهدني الحق سبحانه في سري، وقال لي: بلغ عبادي ما عاينته من كرمي بالمؤمن؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها، والسيئة لا يقاوم فعلها الإيمان بها أنها سيئة فما لعبادي يقنطون من رحمتي، ورحمتي وسعت كل شيء، فانظر وفقك الله إلى هذا الكرم الإلهي، (وشرف البيت عظيم) ، وكفاه من شرفه كونه مضافا إليه، (وحق الزائر مرعي) إذ حق على المزور أن يرعى زائره ويكرمه، (وذمام المستجير) به (اللائذ) بأعتابه (غير مضيع، وأما وقوع البصر على البيت) حين يدخل من المسجد (ينبغي أن يحضر عند ذلك عظمة البيت) ، وجلالته (في القلب، وليقدر عند ذلك كأنه مشاهد لرب البيت) ، فيغض بصره، ولا يلتفت يمينا وشمالا كما هو مقام الإحسان .
وذلك (لشدة تعظيمه إياه) المشعر بكمال الهيبة، (وليرج) مع ذلك (أن يرزقه الله النظر إلى وجهه الكريم) في الزور الأعم (كما رزقه النظر إلى بيته العظيم، وليشكر الله تعالى على تبليغه إياه هذه المرتبة وإلحاقه إياه بزمرة الوافدين إليه) ، فإنه نعمة جليلة لا يطيق أن يقوم بواجب شكرها، (وليذكر عند ذلك انصباب الناس في) يوم (القيامة) بعد جمعهم في الموقف (إلى جهة الجنة آملين) راجين (لدخولها كافة، ثم انقسامهم إلى مأذونين) لهم (في الدخول، ومصروفين) عنها بالحرمان (انقسام الحاج إلى مقبولين، ومردودين، ولا يغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما يراه فإن كل أحوال الحج دليل على أحوال الآخرة) .