الثاني التعظيم للمتكلم فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر ، وأن في تلاوة كلام الله عز وجل غاية الخطر فإنه تعالى قال لا يمسه إلا المطهرون وكما أن ظاهر جلد المصحف ، وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهرا فباطن معناه أيضا بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهرا عن كل رجس ومستنيرا بنور التعظيم والتوقير ، وكما لا يصلح لمس جلد المصحف كل يد فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان ، ولا لنيل معانيه كل قلب ، ولمثل هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل إذا نشر المصحف غشي عليه ويقول : هو كلام ربي ، هو كلام ربي فتعظيم الكلام تعظيم المتكلم ولن تحضره عظمة المتكلم ما لم يتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله فإذا حضر بباله العرش والكرسي والسموات والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار وعلم أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد وأن الكل في قبضة قدرته مترددون بين فضله ورحمته وبين نقمته وسطوته إن أنعم فبفضله وإن عاقب فبعدله وأنه الذي يقول : هؤلاء إلى الجنة ، ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي وهذا غاية العظمة والتعالي فبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ثم تعظيم الكلام .
الثاني (التعظيم للمتكلم فالقارئ عند البداية) ، أي الابتداء (بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم ) ، وجلالته وهيبته (ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وأن في تلاوته كلام الله عز وجل غاية الخطر) ، وأن له في تلاوته حسبما له من تعظيمه، والفهم له، والمشاهدة منه، والمعاملة به; لأنه من أكبر شعائر الله تعالى في خلقه، وأعظم آياته في أرضه الدالة عليه، وللعبد من التعظيم له بقدر تقواه، وله من فهم الخطاب، وتعظيم الكلام على نحو ما أعطي من معرفة المتكلم، وهيبته وجلاله فإذا عظم المتكلم في قلبه، وكبر في همه أنعم تدبر كلامه، وأطال الفكرة في خطابه، وأكثر تكراره، وتكريره على نفسه، وأسرع تذكره عند النازلة به، والحاجة إليه فاتقى، وحذر، ولذلك قال تعالى واذكروا ما فيه لعلكم تتقون كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون لأن كل كلام موقوف على قائله يعظم بتعظيمه، ويقع في القلب بعلو مكانه، أو يهون بسهولة شأنه فالله تعالى ليس كمثله شيء في العظمة، والسلطان، وليس ككلامه كلام في الأحكام والبيان .
(فإنه تعالى قال لا يمسه إلا المطهرون ) وهو إخبار في معنى الإنشاء والتطهير أعم من تطهير الظاهر والباطن (وكما أن ظاهر جلد المصحف، وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس) له (إلا إن كان متطهرا) من الحدث والخبث، (فباطن معناه أيضا بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب) ، أي: قلب التالي (إلا إذا كان متطهرا عن كل رجس) معنوي (مستنيرا بنور التعظيم والتوقير، وكما لا يصلح لمس المصحف كل يد فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان، ولا لنيل معانيه) على سبيل الاستعاذة (كل قلب، ولمثل هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل) المخزومي القرشي أسلم بعد الفتح، وقتل يوم اليرموك، وقد روى له nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ورواية nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد عنه مرسلة (إذا نشر المصحف) بين يديه ليتلو فيه (غشي عليه) ، وبكى (ويقول: هو كلام ربي، هو كلام ربي) مرتين (فيعظم الكلام بتعظيم المتكلم) ، وهيبته وجلاله، (ولن تحضره عظمة المتكلم) في نفسه، (ما لم يتفكر في صفاته) العلى، (وأفعاله) الجميلة، ومعاملاته مع غيره، وحسن بلائه لهم، (فإذا حضر بباله) من عظيم خليقته (العرش والكرسي والسماوات والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار) ، وغيرها من مصنوعاته البديعة، (وعلم) وتحقق بشهادة اليقين، (أن الخالق لجميعها) بأنواعها وأصنافها، (والقادر عليها) إيجادا وإعداما (والرازق) والمفيض عليها بأنواع النعم اللائقة بكل منها، (واحد) أحد لا شريك له، (و أن الكل في قبضة قدرته) ، وأسرة قهره (مترددون بين فضله ورحمته) لمن شاء، (وبين نقمته وسطوته) لمن شاء (إن أنعم فبفضله) سبحانه، (وإن عاقب فبعدله) ، لا معقب لحكمه، (وأنه الذي يقول: هؤلاء) يعني أهل اليمين (في الجنة، ولا أبالي وهؤلاء) يعني أهل الشمال (في النار ولا أبالي) كذا [ ص: 504 ] ورد ذلك في الخبر الصحيح (وهذا غاية العظمة و) نهاية (التعالي) ، دقت دونه الأعناق، (فالفكر في أمثال هذا يحضر) ، أي: يكون سببا باعثا لحضور (تعظيم المتكلم) في القلب، (ثم) ينشأ منه (تعظيم الكلام) .