ومنها أن يكون مستقصيا عن السلاطين فلا يدخل عليهم ألبتة ما دام يجد إلى الفرار عنهم سبيلا بل ينبغي أن يحترز عن مخالطتهم وإن جاءوا إليه فإن nindex.php?page=hadith&LINKID=661933الدنيا حلوة خضرة وزمامها بأيدي السلاطين .
والمخالط لا يخلو عن تكلف في طيب مرضاتهم واستمالة قلوبهم مع أنهم ظلمة .
ويجب على كل متدين الإنكار عليهم وتضييق صدرهم بإظهار ظلمهم وتقبيح فعلهم فالداخل عليهم إما أن يلتفت إلى تجملهم فيزدري نعمة الله عليه أو يسكت عن الإنكار عليهم فيكون مداهنا لهم أو يتكلف في كلامه كلاما لمرضاتهم وتحسين حالهم وذلك هو البهت الصريح أو أن يطمع في أن ينال من دنياهم وذلك هو السحت وسيأتي في كتاب الحلال والحرام ما يجوز أن يؤخذ من أموال السلاطين ، وما لا يجوز من الإدرار والجوائز وغيرها .
وعلى الجملة فمخالطتهم مفتاح للشرور وعلماء الآخرة طريقهم الاحتياط .
وقال حذيفة إياك ومواقف الفتن قيل : وما هي قال : أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ، ويقول فيه ما ليس فيه .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العلماء أمناء الرسل على عباد الله تعالى " ما لم يخالطوا السلاطين فإذا فعلوا ذلك ، فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم رواه nindex.php?page=showalam&ids=9أنس .
وقيل للأعمش ولقد أحييت العلم لكثرة من يأخذه عنك فقال : لا تعجلوا ثلث يموتون قبل الإدراك وثلث يلزمون أبواب السلاطين ، فهم شر الخلق ، والثلث الباقي : لا يفلح منه إلا القليل ولذلك قال سعيد بن المسيب رحمه الله إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فاحترزوا منه فإنه لص .
وقال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور عاملا .
وقال سمنون: ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيسأل عنه فيقال هو عند الأمير ، قال : وكنت أسمع أنه يقال : إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم حتى جربت ذلك إذ ما دخلت قط على هذا السلطان إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج فأرى عليها الدرك وأنتم ترون ما ألقاه به من الغلظة والفظاظة وكثرة المخالفة لهواه ولوددت أن أنجو من الدخول عليه كفافا مع أني لا آخذ منه شيئا ولا أشرب له شربة ماء ثم قال : وعلماء زماننا شر من علماء بني إسرائيل يخبرون السلطان بالرخص وبما يوافق هواه ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته ستثقلهم وكره دخولهم عليه ، وكان ذلك نجاة لهم عند ربهم .
( ومنها) أي: ومن العلامات اللازمة لعلماء الآخرة ( أن يكون منقبضا عن) مخالطة ( السلاطين) ومن في معناهم من الأمراء والحكام، ( بل لا يدخل عليهم البتة) أي: بوجه من الوجوه ( ما دام بجد إلى الفرار عنهم سبيلا) ومخلصا وممكنا ( بل ينبغي أن يحترز من مخالطتهم) ومخاللتهم ( وإن جاءوا إليه) أي: لزيارته، ( فإن nindex.php?page=hadith&LINKID=661933الدنيا حلوة خضرة) نضرة، ( وزمامها) في الحقيقة ( بأيدي السلاطين) إذ هم حياتها وإليهم مآلها ( والمخالط لهم لا يخلو من تكلف في طلب مرضاتهم) كما هو مشاهد ( واستمالة قلوبهم) إليه بما أمكن ( مع أنهم ظلمة) على رقابهم مظالم العباد، وظلموا نفوسهم بارتكاب المحظورات، ( ويجب على كل متدين) أي: متقيد بالدين ( الإنكار عليهم) بلسانه وقلبه، ( وتضييق قلوبهم بإظهار ظلمهم وقبيح فعلهم) تصريحا إن أمكن كما فعله nindex.php?page=showalam&ids=11974أبو حازم حين دخل على nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك، وعنده nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، وكما فعله nindex.php?page=showalam&ids=16115شقيق حين جاءه nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد زائرا فإن لم يتمكن من التصريح فالتعريض ( فالداخل عليهم) في مجالسهم لا يخلو ( إما أن يلتفت إلى تجملهم) وتزينهم في الملابس والفرش، والستور فينخزل باطنا وتميل نفسه إلى حصول مثل ذلك أو بعضه ( فيزدري) أي: يستحقر ( نعمة الله) عز وجل التي أنعمها ( عليه أو يسكت عن الإنكار) عليهم مع وجوبه، ( فيكون مداهنا) بسكوته، ( أو يتكلف في كلامه) الذي يورده طلبا ( لمرضاتهم وتحسين حالهم وذلك هو البهت الصريح) [ ص: 387 ] والافتراء الخالص ( أو يطمع في أن ينال) ، ويصيب ( من دنياهم) التي بأيديهم، ( وذلك هو السحت) أي: الحرام الخالص، وقد يجتمع بعض الأحيان في بعض الأشخاص من الذين يداخلونهم، من هذه الأوصاف الخمسة اثنان وثلاثة، وأكثر وأقل وعلى كل حال تقرب السلاطين، نار محرقة، إن لم تحترق تكون تحب رق ( وسيأتي في كتاب الحلال والحرام) في أثناء هذا الكتاب، ( ما يجوز أن يؤخذ من أموال السلاطين، وما لا يجوز من الإدرار) أي: الوظائف والجرايات، ( والجوائز) أي: العطايا، ( وغيرها) كإلباس الخلع والتشاريف ( وعلى الجملة) مع قطع النظر عن التفصيل، ( فمخالطتهم مفتاح للشرور) وأصل أصيل للوقوع في النكد والغرور، ( وعلماء الآخرة طريقتهم الاحتياط) أي: الأخذ بالأحوط في أمور دينهم ودنياهم كيف ( وقد قال صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=670496من سكن البادية، جفا، ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلاطين افتتن) ; لأنه إن وافقه على مرامه، فقد خاطر بدينه وإن خالفه، فقد خاطر بروحه، وربما استخدمه فلا يسلم من الإثم في الدنيا والعقوبة في العقبى، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الشعب، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الكبير، ومن طريقه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية، وأبو قرة كهلم من رواية سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى، عن nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، رفعه، ولفظهم كلهم ما عدا nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: ومن أتى السلطان والباقي سواء، ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي، من أتى أبواب السلطان، وقال حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري.
وقال سفيان مرة: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية: أبو موسى هو اليماني، لا نعرف له اسما، وقال الذهبي في الميزان: شيخ يماني يجهل ما روى عنه غير nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري، ولعله إسرائيل بن موسى، وإلا فهو مجهول، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري في مختصر السنن، قال الكرابيسي: حديثه ليس بالقائم .
وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، nindex.php?page=showalam&ids=48والبراء بن عازب، ولفظ حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة: nindex.php?page=hadith&LINKID=689326 "من بدى فقد جفا" والباقي سواء، وزاد في آخره: وما ازداد أحد من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا"، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى في مسنده، nindex.php?page=showalam&ids=13357وابن عدي في الكامل، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في الضعفاء، كلهم من رواية الحسن بن الحكم النخعي، عن nindex.php?page=showalam&ids=16558عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وضعفوه، كالمنذري في مختصر السنن، ولكن حسنه العراقي، قال: وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13136ابن داسة، وابن العبد من طريق الحسن بن الحكم هذا، إلا أنه قال: عن nindex.php?page=showalam&ids=16558عدي بن ثابت، عن شيخ من الأنصار، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، بلفظ حديث nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وقد رواه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى في مسنده، هكذا وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد مختصرا من طريق شريك عن الحسن بن الحكم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16558عدي بن ثابت، عنه رفعه: nindex.php?page=hadith&LINKID=689326 "من بدى جفا" وذكره nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في العلل فقال: تفرد به شريك، واختلف فيه على الحسن بن الحكم، فرواه شريك عنه هكذا، وخالفه إسماعيل بن زكريا، فرواه عنه عن nindex.php?page=showalam&ids=16558عدي بن ثابت، عن أبي حازم عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، كما تقدم .
وخالفهما محمد بن عبيد الطنافسي، فرواه عنه عن nindex.php?page=showalam&ids=16558عدي بن ثابت عن شيخ من الأنصار لم يسمه اهـ .
قال العراقي: أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، من رواية ضبة بن محصن، عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: واللفظ nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي، إلا أنه قال: أئمة بدل أمراء، ولم يقل أبعده الله، وقال حسن صحيح، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=660454أنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون، وتنكرون فمن كره فقد برئ، من أنكر قد سلم فذكره، دون قوله: أبعده الله، وفيه قالوا يا رسول الله، بدل قيل، وفي رواية له: فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، وفي رواية له: ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم اهـ .
( وقال حذيفة) ابن اليمان رضي الله عنه فيما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن ابن إسحاق، عن عمارة بن عبد، عن nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة، قال: ( إياكم ومواقف الفتن قيل: وما هي) يا أبا عبد الله ( قال: أبواب الأمراء يدخل أحدهم) ونص الحلية: أحدكم ومثله في نسخة أخرى، ( فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه) ، وأخرجه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب، nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة في المصنف ( وقد قال صلى الله عليه وسلم: "العلماء أمناء الرسل على عباد الله") فإنهم استودعهم الشرائع التي جاءوا بها، وهي العلوم والأعمال، وكلفوا الخلق طلب العلم فهم أمناء عليه، وعلى العمل به ( ما لم يخالطوا السلطان فإذا فعلوا ذلك، فقد خانوا الرسل) في أماناتهم; لأن مخالطهم لا يسلم من النفاق، والمداهنة والإطراء في المدح، وفيه هلاك الدين ( فاحذروهم) أي: خافوا من شرهم ( واعتزلوهم) أي: تأهبوا لما يبدو منهم من الشر ( رواه) nindex.php?page=showalam&ids=14798أبو جعفر العقيلي في الضعفاء في ترجمة حفص الأبري عن اسماعيل بن سميع الحنفي، عن ( nindex.php?page=showalam&ids=9أنس) ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي: وحفص كوفي حديثه غير محفوظ، قال العراقي: وقد رواه الديلمي في مسند الفردوس من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم، من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12181أبي نعيم الأصبهاني من رواية إبراهيم بن رستم، عن أبي حفص العبدي عن إسماعيل بن سميع، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، وزاد بعد قوله: ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا، وقال في آخره: فاحذروهم واخشوهم اهـ .
قلت: لفظ الحاكم ويدخلوا في الدنيا، فإذا دخلوا في الدنيا وخالطوا السلطان وفي آخره، فاعتزلوهم، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14113الحسن بن سفيان في مسنده، عن محمد بن مالك، عن إبراهيم بن رستم، قال العراقي: ورواه nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في الموضوعات من رواية إبراهيم بن رستم عن عمر بن حفص العبدي، عن إسماعيل بن سميع، قال: تابعه محمد بن معاوية النيسابوري، عن محمد بن يزيد عن إسماعيل، ثم قال: وأما عمر العبدي قال: يحيى ليس بشيء، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي: متروك، وأما إبراهيم ابن رستم فقال nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي ليس بمعروف، محمد بن معاوية قال فيه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: كذاب، إلى هنا كلام nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي.
قال العراقي: أما إبراهيم بن رستم، فقال فيه nindex.php?page=showalam&ids=14274عثمان بن سعيد الدارمي، عن nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين: إنه ثقة اهـ .
قال السيوطي: الحديث ليس بموضوع، وإبراهيم بن رستم معروف مروزي جليل، قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان، عن أبي حاتم: يذكر بفقه وعبادة ومحله الصدق، وذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات، وقال يخطئ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: مشهور وليس بالقوي، وله طريق آخر أخرجه الديلمي من رواية محمد بن النضر، حدثنا محمد بن يزيد بن سابق، حدثنا نوح بن أبي مريم، عن إسماعيل بن سميع، وقد ورد هذا الحديث بهذا اللفظ، عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب مرفوعا، أخرجه العسكري، وورد موقوفا على جعفر بن محمد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية، وله شاهد نحوه، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب، أخرجه الديلمي في مسند الفردوس، وله شواهد بمعناه كثيرة، صحيحة، وحسنه فوق الأربعين، حديثا، وهذا الحديث الذي نحن في الكلام عليه يحكم له على مقتضى صناعة الحديث بالحسن، والله أعلم اهـ .
قلت: والموقوف الذي أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية، رواه من طريق [ ص: 389 ] هشام بن عباد قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين فاتهموهم ( وقيل للأعمش) وهو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم، أبو محمد الكوفي، رأى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك، nindex.php?page=showalam&ids=130وأبا بكرة الثقفي، وأخذ له بالركاب، فقال له: يا بني إنما أكرمك ربك عز وجل قال nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين: كل ما روى الأعمش عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس فهو مرسل، وقال عيسى بن يونس: ما رأيت الأغنياء والسلاطين عند أحد أحقر منهم عند nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش مع فقره، وحاجته مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( لقد أحييت العلم لكثرة من يأخذ عنك) أي: فيبقى في صدورهم فيلقونه إلى من يأخذ عنهم ( فقال: لا تعجلوا ثلث) منهم ( يموتون قبل الإدراك) ، أي قبل أن يدركوا ثمرة العلم التي هي العمل، ( والثلث) الثاني ( يلزمون أبواب السلاطين، فهم شرار الخلق، والثلث الباقي: لا يفلح منهم إلا القليل) ، فأشار بقوله: فهم شرار الخلق إن مخالطة السلاطين شر محض .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من رواية أحمد بن شيبان، قال سمعت nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة، يقول: ونظر إلى كثرة أصحاب الحديث ثلث يتبعون السلطان، وثلث لا يفلحون، وثلث يموتون، ( ولذلك قال) أحد العلماء الأثبات ( سعيد بن المسيب) بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي قال nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات بعد التسعين، وقد ناهز الثمانين، ( إذا رأيتم العالم يغشى أبواب الأمراء فاحترزوا منه فإنه لص) بتثليث اللام، أي سارق محتال على اقتناء الدنيا، وجذبها إليه من حرام وغيره، كما يحاول السارق إخراج المتاع عن الحرز، وهذا الذي ذكره المصنف، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، فقد ورد مرفوعا عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ: إذا رأيتم العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة، فاعلم أنه لص، أخرج الديلمي، أي قد سلب وصف الأمانة، وكسي ثوب الخيانة، فلا يؤتمن على أداء العلم، الذي من أسرار الله تعالى .
ويروى عن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري: إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص، وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مراء، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي، عن nindex.php?page=showalam&ids=17399يوسف بن أسباط، قال: قال لي nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري، فذكره .
قلت: وهكذا هو في مسند الفردوس للديلمي وتاريخ قزوين للرافعي، وأخرجه أبو الفتيان الحافظ في كتاب التحذير من علماء السوء بلفظ: إن أهون الخلق على الله، وفي هذا المعنى قال حكيم من الحكماء: وسيأتي للمصنف أنه nindex.php?page=showalam&ids=80محمد بن مسلمة الذباب على العذرة أحسن حالا من العالم على باب هؤلاء، وقالوا: نعم الأمير على باب الفقير، وبئس الفقير على باب الأمير، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11974أبو حازم فيما وعظ به سليمان بن هشام: إن بني إسرائيل لم يزالوا على الهدى والتقى حيث كان أمراؤهم يأتون إلى علمائهم; رغبة في علمهم، فلما نكسوا وتعسوا وسقطوا من عين الله عز وجل وآمنوا بالجبت والطاغوت، كان علماؤهم يأتون إلى أمرائهم، فشاركوهم في دنياهم، وشركوا في فتنتهم، أورده nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية، في ترجمة أبي حازم، وقال أيضا بسنده إلى nindex.php?page=showalam&ids=17399يوسف بن أسباط: أخبرني مخبر أن بعض الأمراء أرسل إلى أبي حازم، فأتاه وعنده الإفريقي [ ص: 390 ] nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري، وغيرهما فقال له: تكلم يا nindex.php?page=showalam&ids=11974أبا حازم فقال nindex.php?page=showalam&ids=11974أبو حازم: إن خير الأمراء من أحب العلماء، وإن شر العلماء من أحب الأمراء وإنه كان فيما مضى، إذا بعث الأمراء إلى العلماء لم يأتوهم، وإذا أعطوهم لم يقبلوا منهم، وإذا سألوهم لم يرخصوا لهم، وكان الأمراء يأتون العلماء في بيوتهم، فيسألونهم فكان في ذلك صلاح للعلماء، وصلاح للأمراء، فلما رأى ذلك ناس من الناس، قالوا: ما لنا لا نطلب العلم حتى نكون مثل هؤلاء، فطلبوا العلم فأتوا الأمراء فحدثوهم فرخصوا لهم، وأعطوهم فقبلوا منهم فخربت العلماء على الأمراء، وخربت الأمراء على العلماء.
( وقال) أبو عبد الله ( مكحول الدمشقي) الفقيه ( من تعلم القرآن وتفقه في الدين وصحب السلطان تملقا إليه) أي: خضوعا له ( وطمعا لما في يديه) من المال وغيره ( خاض في جهنم بعدد خطاه) جزاء وفاقا .
قلت: وهذا قد روي مرفوعا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11868أبو الشيخ في كتاب الثواب له، وكذا nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في تاريخه بلفظ: إذا قرأ الرجل القرآن وتفقه في الدين، ثم أتى باب السلطان تملقا إليه، وطمعا لما في يده خاض بقدر خطاه في نار جهنم.
ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم: ثم أتى صاحب سلطان كذا أفاده السيوطي، ( وقال) أبو الحسن ويقال: أبو القاسم ( سمنون) بن حمزة تلميذ السري، ومات قبل الجنيد، وفي كتاب السيوطي، وقال إسحاق بدل سمنون: ( ما أسمج بالعالم) أي: ما أقبح ( أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد) فيه ( فيسأل عنه فيقال إنه عند الأمير، قال: وكنت أسمع أنه يقال: إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم) أي: فإنه كالسارق المحتال على جمع الحطام إلى نفسه من حيث أمكن ( حتى جربت) ذلك قال ( وما دخلت قط على السلطان إلا حاسبت نفسي بعد الخروج) من عنده في سائر أحوالها بالتدقيق، ( فأرى عليها الدرك) أي، في بعض أمرها ( وأنتم ترون ما ألقاه) أي: السلطان ( به من الغلظة) في الكلام ( والفظاظة) في الخلق ( وكثرة المخالفة لهواه) ، أي لهوى نفسه فيما يخالف ظاهر الشريعة ( لوددت أن أنجو) أي: أخلص ( من الدخول) عليه ( كفافا) لا علي ولا لي ( مع أني لا آخذ منهم شيئا) من الأموال وغيرها ( ولا أشرب عندهم شربة ماء) فضلا عن الأكل أي فكيف حال الداخل إليه، وهو يطمع في دنياه، أو يتناول عنده شيئا، وهكذا ساقه السيوطي، إلا أن في سياقه حتى جربت; إذ ما دخلت قط على هذا السلطان إلا وحاسبت وفيه مع ما أواجههم به من الغلظة والمخالفة لهواهم، والباقي سواء ( قال: وعلماء زماننا شر من علماء بني إسرائيل) فإنهم ( يخبرون السلاطين) إذا سئلوا في الواقعات ( بالرخص) والمساهلات ( وما يوافق هواهم) فيفتون لهم بذلك، ( ولو أخبروهم بالذي عليهم وفيه نجاتهم) من العذاب ( استثقلوهم وكرهوا دخولهم عليهم، وكان ذلك نجاة لهم عند ربهم) حيث بلغوا ما أمروا به .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية في ترجمة أبي حازم ما نصه: قال سليمان بن هشام لأبي حازم يا nindex.php?page=showalam&ids=11974أبا حازم، ما تقول فيما نحن فيه، قال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين، قال بل نصيحة تلقيها إلي قال إن آباءك غصبوا الناس هذا الأمر، فأخذوه عنوة بالسيف من غير مشورة، ولا اجتماع من الناس، وقد قتلوا فيه مقتلة عظيمة، وارتحلوا فلو شعرت ما قالوا وقيل لهم: قال رجل من جلساء سليمان بئسما قلت: قال nindex.php?page=showalam&ids=11974أبو حازم كذبت فإن الله تعالى أخذ على العلماء الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، وأخرج في ترجمة nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل من رواية إبراهيم بن الأشعث، قال سمعت nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض، يقول: لأن يدنو الرجل من جيفة منتنة خير له من أن يدنو إلى هؤلاء يعني السلطان، وسمعته يقول رجل لا يخالط هؤلاء ولا يزيد على المكتوبة أفضل عندنا من رجل يقوم بالليل ويصوم بالنهار ويحج ويعتمر ويجاهد في سبيل الله ويخالطهم اهـ .