كقوله تعالى : وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها معناه : آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به أن الناقة كانت مبصرة ، ولم تكن عمياء ولم يدر ، أنهم بماذا ظلموا غيرهم ، أو أنفسهم
وقد مثل المصنف للموجز بالحذف والإضمار فقال: (كقوله تعالى: وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ) ففي هذا مضمر ومحذوفان، فالمضمر قوله مبصرة ، والمعنى آية مبصرة، فأضمر، ومحذوفان، قوله فظلموا بها أي: نفوسهم بالتكذيب بها، فاختصرت كلمتان من كلمتين للإيجاز، وهذا معنى قول المصنف، (معناه: آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها) ، فذكر ما هو لازم التكذيب، وهو القتل (فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به أن الناقة كانت مبصرة، ولم تكن عمياء، ولا يدري أنهم بماذا ظلموا غيرهم، أو أنفسهم) ، والإيتاء يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، فحذف منها المفعول الثالث، ومثال ما حذف منه المفعول الثاني قوله إن الذين اتخذوا العجل أي إلها، ومثال ما إذا تعدى إلى واحد، وحذف قوله فظلموا بها أي أنفسهم، ومن ذلك أيضا قوله كلا سوف تعلمون أي عاقبة أمركم، وكل هؤلاء من القسم الأول من أقسام الاختزال الذي تقدم ذكره، وهو ما كان المحذوف فيه كلمة اسم، وذكر أهل البيان أن مفعول المشيئة، والإرادة لا يذكر [ ص: 544 ] إلا إذا كان غريبا، أو عظيما دون سائر الأفعال; لأنه يلزم من وجود المشيئة وجود المشاء، فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب، لا يمكن أن يكون إلا مشيئة الجواب، ولذلك كانت الإرادة مثلها في اطراد حذف مفعولها ذكره الزملكاني، والتنوخي في الأقصى القريب، وقد علم من سياقهما أن حذف المفعول في المشيئة والإرادة كثير، ويرد في غيرهما قليلا، وقوله فظلموا بها إن قدرنا فيه، أي: بالتكذيب بها ففيه حذف حرف الجر ومجرورها .
وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني أن حذف الحرف من أصله ليس بقياس; لأنه إجحاف، وإذا قررنا فيه ،كما قاله المصنف: أي بقتلها فيكون المحذوف هنا المضاف، وحذف المضاف في القرآن كثير، وتتبعه nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني فأوصله إلى زهاء ألف موضع، وقد سردها الشيخ عز الدين في كتابه المجاز، ويجوز أن يكون قوله مبصرة من باب حذف الموصوف، وإقامة الصفة مكانه، ومثل ذلك قوله وعندهم قاصرات الطرف أي حور قاصرات، وقوله أن اعمل سابغات أي دروعا سابغات .
(تنبيه) .
في حذف المفعول اختصارا، أو اقتصارا، قال ابن هشام: جرت عادة النحويين أن يقولوا يحذف المفعول اختصارا لدليل، ويريدون بالاقتصار الحذف بغير دليل، ويمثلونه بنحو كلوا واشربوا أي أوقعوا هذين الفعلين، والتحقيق أن يقال تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه، ومن أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام، فيقال: حصل حريق أو نهب، وتارة يتعلق بالإعلام بمجرد إيقاع الفاعل للفعل فيقتصر عليهما، ولا يذكر المفعول، ولا ينوى إذ المنوي كالثابت، ولا يسمى محذوفا; لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له، ومنه وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إذ المعنى أوقعوا الأكل والشرب، وذروا الإسراف .