فهذا ما أردنا أن نورده من جملة الأذكار والدعوات والله الموفق للخير وأما بقية الدعوات في الأكل والسفر وعيادة المريض ، وغيرها ، فستأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى وعلى الله التكلان .
نجز كتاب الأذكار والدعوات بكماله يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب الأوراد والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ومن فوائد الدعاء: أنه اشتغال بذكر الحق، وذلك يوجب مقام الهيبة في القلوب، والإنابة في الطاعة، والانقلاع عن المعاصي، ولزوم الباب يستدعي الإذن في الدخول؛ ولهذا قيل: "من أدمن قرع الباب ولج ولج" وكان يقال: "الإذن في الدعاء خير من العطاء" وقيل لبعضهم: "ادع الله لي، فقال: كفاك الله من الأجنبية أن يجعل بينك وبينه واسطة" وأصل شقاوة أهل النار في النار حيث قالوا فيما حكاه الله عنهم: وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فالحجاب ملازم لهم، ثم لما لم يغنهم ذلك قالوا: ربنا غلبت علينا شقوتنا .
قال: وهكذا القول في الرزق مع التسبب إليه بالتكسب، وفي العمر والأجل والتسبب إليه بالطب والعلاج، وفي هذا لطف عظيم بالعباد؛ فإنه سبحانه تملك طباعهم البشرية، فوضع هذه الأسباب ليأتسوا بها، فيخفف عنهم ثقل الامتحان الذي يفسدهم، وليتصرفوا بذلك بين الخوف والرجاء؛ ليستخرج منهم وظيفتي الشكر والصبر .
*الثانية: اختلفوا، هل الأفضل الدعاء أو السكوت والرضا؟ فقالت طائفة: السكوت أفضل، والجمود تحت جريان الحكم أتم، وسئل الواسطي أن يدعو فقال: أخشى إن دعوت أن يقال: إن سألتنا ما لك عندنا فقد اتهمتنا، وإن سألتنا ما ليس لك عندنا فقد أسأت إلينا، وإن رضيت أجرينا لك من الأمور ما قضينا لك في الدهور .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14703الطرطوشي، عن nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك أنه قال: ما دعوت الله منذ خمسين سنة، ولا أريد أن يدعو لي أحد .
وقالت طائفة: يكون صاحب دعاء بلسانه، ورضا بقلبه؛ ليأتي بالأمرين جميعا. وقيل: لا يدعو إلا بطاعة ينالها، أو خوف سخط، فإن دعا بسوى ذلك فقد خرج عن حد الرضا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12850القشيري: الأولى أن يقال: إذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء فالدعاء أولى، وإذا وجد في قلبه إشارة إلى السكوت فالسكوت أتم، قال: ويصح أن يقال: ما كان للمسلمين فيه نصيب أو لله تعالى فيه حق فالدعاء أولى، وإن كان لنفسك فيه حظ فالسكوت أتم .
والصواب: أن الدعاء أولى مطلقا، وعليه الجمهور، فإنه نفسه عبادة، والإتيان بالعبادة أولى من تركها، وقد دعا صلى الله عليه وسلم بكشف البلايا والشدائد، وإن كان فيها فضل كبير، وقال صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة -رضي الله عنها-: nindex.php?page=hadith&LINKID=909125 "إن وافقت ليلة القدر فسلي الله العفو والعافية" وعلمها [ ص: 118 ] لعمه العباس رضي الله عنه .
ولما كانت ليلة الإسراء، وانتهى إلى مقام قاب قوسين عظم سؤاله في ليلته، فلولا أن السؤال من أجل العبادات ما تلبس به، ولما أمر أمته به، فكيف يسوع لأحد أن يقول: اللهم أغنني بك عن السؤال منك؟! نعم، يمكن أن يريد أن يغنيه الله باختباره عن اختباره لنفسه؛ فإن اختبار الله للعبد كامل، واختبار العبد لنفسه معلول بوجود علة الأدناس، فما خرج عن السؤال .
وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- للأنصار: "أو تصبرون" فهو سؤال كشف وتعليم، فأوحى الله إليه أنه لا يكشف عنهم في ذلك الوقت، وأخر الدعاء، ويحتمل أنه رأى بهم جزعا وقلة صبر فأمرهم به .
* ( خاتمة الفائدتين) *
اعلم أن الذكر إما أن يكون باللسان أو بالقلب أو بالجوارح، فالذكر باللسان هو الألفاظ الدالة على التحميد والتمجيد والتسبيح .
وبهذا تم شرح كتاب الأذكار والدعوات، حامدا لله الذي بعزته وجلاله تتم الصالحات، مصليا على نبيه أكمل البريات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام الهداة، وأنا متوسل بمؤلفه -رضي الله عنه- إلى الله ورسوله أن يشفي مريضي، ويحسن عواقبي، ويختم لي ولإخواني المسلمين بخير وعافية .
جرى ذلك في ضحوة سبت النور تاسع عشر جمادى الأولى سنة 1195 بمنزلي بسويقة لالا، قاله وكتبه أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني، غفر له بمنه وكرمه، وحسبنا الله ونعم الوكيل .