الأول : إذا غربت الشمس صلى المغرب واشتغل بإحياء ما بين العشاءين فآخر هذا الورد عند غيبوبة الشفق أعني الحمرة التي بغيبوبتها يدخل وقت العتمة وقد أقسم الله تعالى به فقال : فلا أقسم بالشفق والصلاة فيه هي ناشئة الليل لأنه أول نشوء ساعاته وهو آن من الآناء المذكورة في قوله تعالى : ومن آناء الليل فسبح وهي صلاة الأوابين وهي : المراد بقوله تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع روي ذلك عن الحسن وأسنده ابن أبي زياد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=658004 " الصلاة بين العشاءين " ثم قال صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالصلاة بين العشاءين ؛ فإنها تذهب بملاغات النهار وتهذب آخره والملاغات " جمع ملغاة ، من اللغو وسئل nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رحمه الله عمن ينام بين العشاءين، فقال : لا تفعل فإنها الساعة المعنية بقوله تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع وسيأتي فضل إحياء ما بين العشاءين في الباب الثاني وترتيب هذا الورد أن يصلي
( الأول: إذا غربت الشمس صلى المغرب) كما سبق ( واشتغل بإحياء ما بين العشاءين) إذ هو من أهم الأمور عندهم ( وآخر هذا الورد غيبوبة الشفق) محركة ( أعني الحمرة التي بغيبوبتها يدخل وقت العشاء الآخرة) وفي هذه المسالة اختلاف بين أئمة اللغة وبين الفقهاء، ففي المفردات nindex.php?page=showalam&ids=14343للراغب: الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس، وفي المصباح: الشفق الحمرة من الغروب إلى وقت العشاء الأخير، فإذا ذهب، قيل: غاب، حكاه الخليل. وقال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب كالشفق، وكان أحمر، وقال [ ص: 151 ] ابن قتيبة: الشفق الأحمر من الغروب إلى وقت العشاء الآخرة، ثم يغيب، ويبقى الأبيض إلى نصف الليل. وقال الزجاج: الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس، وهذا هو المشهور في كتب اللغة العربية، وهو قول الشافعي وجماعة من الأئمة .
وقيل: الشفق البياض، وهو قول أبي هريرة وجماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه، وجماعة من أئمة اللغة، ويروى عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة قول آخر: أنه الحمرة، وتفصيل ذلك بالاحتجاج لكل من الفريقين في كتب الفروع .
( وقد أقسم الله تعالى به) في كتابه العزيز ( فقال: فلا أقسم بالشفق ) والشفق ما بين العشاءين ( والصلاة في ذلك الوقت هي ناشئة الليل) المذكورة في القرآن إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا أي: ساعته؛ لأنه أول نشء ساعاته، وقيل: المراد به قيام الليل، وفي لسان الحبشة يقولون: نشأ إذا قام ( وهو إنى) بكسر الهمزة وسكون النون بمعنى الوقت ( من الآناء) أي: الأوقات المذكورة ( في قوله -عز وجل-: ومن آناء الليل فسبح ) والمراد بآناء الليل هنا العشاء الأخيرة ( وهي) أي: الصلاة في هذا الوقت هي ( صلاة الأوابين) ويقال: صلاة الغفلة ( وقيل: هي المراد بقوله: تتجافى جنوبهم عن المضاجع روي ذلك عن الحسن) أي: البصري في القوت، قال nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس بن عبيد، عن الحسن، في قوله تعالى: تتجافى الآية، قال: الصلاة ما بين العشاءين .
( وأسنده ابن أبي زياد) هكذا في النسخ المعتمدة من الكتاب، وهكذا هو في نسخ القوت، ووجد في بعض نسخ الكتاب: ابن أبي زيادة، وفي بعضها: nindex.php?page=showalam&ids=12458ابن أبي الزناد، وهي النسخة التي اطلع عليها الحافظ العراقي، فاعترض عليه، وفي بعض نسخ القوت: ابن أبي الدنيا، وهو غلط .
( إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن هذه الآية) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( فقال -صلى الله عليه وسلم-: nindex.php?page=hadith&LINKID=658004 "الصلاة بين العشاءين" ثم قال: "عليكم بالصلاة بين العشاءين؛ فإنها مذهبة لملاغاة النهار ومهذبة آخره") وفي بعض النسخ: "فإنها تذهب بملاغاة النهار وتهذب آخره" وهكذا هو في القوت، قال: ( والملاغاة جمع ملغاة، من اللغو) أي: تسقط اللغو، وتصفي آخره، هذا لفظ القوت، ولا يخفى أن الملاغاة مفاعلة من اللغو، وأما الملغاة فجمعه الملاغي كمسعاة ومساع، فتأمل ذلك .
قال العراقي: نسبة المصنف هذا إلى nindex.php?page=showalam&ids=12458ابن أبي الزناد معترض، إنما هو إسماعيل بن أبي زياد، بالياء المثناة من تحت .
رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس، من رواية إسماعيل بن أبي زياد الشامي، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، حدثنا أبو العلاء العنبري، عن nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالصلاة فيما بين العشاءين؛ فإنها تذهب بملاغاة النهار، ومهذبة آخره" وإسماعيل هذا متروك، يضع الحديث، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: واسم أبي زياد مسلم، وقد اختلف فيه على nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش. اهـ .
قلت: هو في كتاب الديلمي: "ومهذرة آخره" وقد ذكر الذهبي إسماعيل هذا في ديوان الضعفاء، وأنه روى عن أبي عون، وأنه كان ممن يضع الحديث، ونقله عن nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني، وذكر إسماعيل بن أبي زياد آخر، ويعرف بالشفري، قال nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين: وهو كذاب. ولكن المراد هو الأول، المعروف، الشامي .
( وسئل nindex.php?page=showalam&ids=9أنس) بن مالك -رضي الله عنه-: ( عمن ينام بين العشاءين) أي: بين المغرب والعشاء ( فقال: لا يفعل ذلك فإنها الساعة المعنية) أي: المرادة ( بقوله -عز وجل-: تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) ولفظ القوت: فإنها هي الساعة التي وصف الله المؤمنين بالقيام فيها، فقال: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يعني: الصلاة بين المغرب والعشاء.
قلت: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس "أنها نزلت في الصلاة بين المغرب والعشاء" ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وحسنه بلفظ: "نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة" وسيأتي في فضل إحياء ما بين العشاءين أن السائل هي امرأة nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، رواه nindex.php?page=showalam&ids=14919فضيل بن عياض، عن أبان بن عياش.