والورد الثاني يدخل : بدخول وقت العشاء الآخرة إلى حد نومة الناس وهو أول استحكام الظلام وقد أقسم الله تعالى به إذ قال والليل وما وسق أي : وما جمع من ظلمته وقال : إلى غسق الليل فهناك يغسق الليل وتستوسق ظلمته وترتيب هذا الورد بمراءة ثلاثة أمور : الأول : أن يصلي سوى فرض العشاء عشر ركعات ، أربعا قبل الفرض ؛ إحياء لما بين الأذانين وستا بعد الفرض ركعتين ثم أربعا ويقرأ فيها من القرآن الآيات المخصوصة كآخر البقرة ، وآية الكرسي ، وأول الحديد وآخر الحشر ، وغيرها والثاني أن : يصلي ثلاث عشرة ركعة آخرهن الوتر فإنه أكثر ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها من الليل والأكياس يأخذون أوقاتهم من أول الليل ، والأقوياء من آخره والحزم التقديم ؛ فإنه ربما لا يستيقظ أو يثقل عليه القيام إلا إذا صار ذلك عادة له فآخر الليل أفضل ثم ليقرأ في هذه الصلاة قدر ثلاثمائة آية من السور المخصوصة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر قراءتها ، مثل يس وسجدة لقمان ، وسورة الدخان ، وتبارك الملك ، والزمر ، والواقعة
( الورد الثاني: بدخول وقت العشاء) وهو غيبوبة الشفق إما الأحمر أو الأبيض على اختلاف المذاهب ( إلى حد نوم الناس) وهو أول استحكام الظلام واشتداده ( وقد أقسم الله -عز وجل- به) في كتابه العزيز؛ إذ قال: ( والليل وما وسق أي: وما جمع الله من ظلمته) يقال: وسقه وسقا أي: جمعه ( وقال تعالى: إلى غسق الليل ) وهو شدة ظلمته ( فهناك يغسق الليل وتستوثق ظلمته) كذا في القوت، وفيه يستحب النوم .
( وترتيب هذا الورد بمراعاة ثلاثة أمور: الأول: أن يصلي سوى فرض العشاء عشر ركعات، أربعا قبل الفرض؛ إحياء لما بين الأذانين) أي: الأذان والإقامة، يقرأ فيهن الفاتحة والإخلاص ثلاثا ( وستا بعد الفرض ركعتين وأربعا) لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه كان يكره أن يصلى بعد كل صلاة مثلها، وقد تقدم ذلك للمصنف .
وقال صاحب العوارف: ويصلي بعد العشاء ركعتين، ثم ينصرف إلى منزله، أو موضع خلوته، فيصلي أربعا أخرى، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في بيته أول ما يدخل قبل ما يجلس. اهـ .
ولفظ الفوارق: ويقرأ في هذه الأربع سورة السجدة ولقمان ويس وحم الدخان وتبارك، وإن أراد أن يخفف فيقرأ فيها آية الكرسي، و آمن الرسول وأول الحديد، وآخر الحشر. اهـ .
( الثاني: أن يصلي ثلاث عشرة ركعة آخرهن الوتر فإنه) أي: أن هذا القدر ( أكثر ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى به من الليل) إلا في خبر مقطوع وهو سبع عشرة ركعة، والمشهور أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة وثلاث عشرة، وربما حسبوا فيها ركعتي الفجر، هذا لفظ القوت، وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الصلاة .
( والأكياس يأخذون أوقاتهم من أول الليل، والأقوياء) يأخذون أورادهم ( من آخره) كذا في القوت، قال: ورواه مبارك بن عوف الأحمسي، عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
( والحزم التقديم؛ فإنه ربما لا يستيقظ أو يثقل عليه القيام) لعارض طرأ عليه ( إلا إذا صار ذلك عادة له فآخر الليل) في حقه ( أفضل) .
ويروى: "أنه قال nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر: مثلك كالذي قال: أحرزت نهبي وأبتغي النوافلا، وقال nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر: إنك لقوي مكين".
( ثم ليقرأ في هذه الصلاة قدر ثلاثمائة آية من السور المخصوصة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من قراءتها، مثل يس وسورة لقمان، وسورة الدخان، وتبارك الملك، والزمر، والواقعة) ولفظ القوت: واستحب له أن يقرأ في ركوعه هذا ثلاثمائة آية فصاعدا، فإذا فعل ذلك لم يكتب من الغافلين، ودخل في أحوال العابدين، فإن قرأ في ركوعه هذا سورة الفرقان وسورة الشعراء ففيهما ثلاثمائة آية، فإن لم يحسن قراءتهما قرأ خمسا من المفصل، فهي ثلاثمائة آية، سورة الواقعة، وسورة ن، وسورة الحاقة، وسورة المدثر، وسورة الواقع، فإن لم يحسن فإن من سورة الطارق إلى خاتمة القرآن ثلاثمائة آية، ولا أستحب للعبد أن ينام حتى يقرأ هذا المقدار من الآيات في هذا العدد من الركوع بعد عشاء الآخرة .
فإن قرأ في هذا الورد الثاني بعد عشاء الآخرة وقبل أن ينام ألف آية، فقد استكمل الفضل، وكتب له قنطار من الأجر، وكتب من القانتين، وأفضل الآي أطولها؛ لكثرة الحروف، وإن اقتصر على قصار الآي عند فتوره أدرك الفضل؛ لحصول العدد، ومن سورة الملك إلى خاتمة القرآن ألف آية، فإن لم يحسن ذلك قرأ قل هو الله أحد مائتين وخمسين مرة في ثلاث عشرة ركعة؛ فإن فيها ألف آية، فهذا فضل عظيم .
وفي الخبر: "من قرأها عشر مرات بنى الله -عز وجل- له قصرا في الجنة" ولا يدع أن يقرأ هذه الأربع سور في كل ليلة؛ سورة يس، وسجدة لقمان، وسورة الدخان، وتبارك الملك، فإن ضم إليهن الزمر والواقعة فقد أكثر وأحسن. اهـ .
قلت: سورة الفرقان سبع وسبعون آية، وسورة الشعراء مائتان وسبع وعشرون آية، وجميع ذلك ثلاثمائة آية وأربع آيات، والمعروف أن سورة الشعراء مائتان آية وسبع آيات، فيكون الجميع مائتين وأربعا وثمانين آية، وأما سورة الواقعة فعند أهل المدينة تسع وتسعون آية، وعند أهل البصرة سبع وتسعون آية، وعند أهل الكوفة ست وتسعون آية، وسورة ن اثنان وخمسون آية، وسورة الحاقة مثلها، وسورة المدثر خمس وخمسون آية .
وقوله: "وسورة الواقع" هكذا ذكره الشيخ عبد القادر الجيلي -قدس سره- في كتابه الغنية، والمراد بها سأل سائل قال بعض العلماء: وأظنها سورة المرسلات [ ص: 154 ] لأن فيها قوله: إنما توعدون لواقع والمعارج: ثلاث وأربعون آية، وقيل: أربع وأربعون، والمرسلات: خمسون آية، وقيل: ثلاث وخمسون .
وقد نقل صاحب العوارف كلام صاحب القوت، واختصره، وقال: فإن لم يحفظ القرآن يقرأ في كل ركعة خمس مرات قل هو الله أحد إلى عشر مرات، إلى أكثر .
وقد ظهر من سياق صاحب القوت استحباب قراءة هذه السور للمريد، ولم ينسب ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أنه كان يكثر من ذلك؛ ولذا قال العراقي: إنه غريب لم أقف على ذكر الإكثار فيه .