وآداب النوم عشرة : الأول : الطهارة والسواك قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام العبد على طهارة عرج بروحه إلى العرش ، فكانت رؤياه صادقة وإن لم ينم على طهارة قصرت روحه عن البلوغ فتلك المنامات أضغاث أحلام لا تصدق " وهذا أريد به طهارة الظاهر و الباطن جميعا ، وطهارة الباطن هي المؤثرة في انكشاف حجب الغيب .
الثالث : أن لا يبيت من له وصية إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه فإنه لا يأمن القبض في النوم فإن : من مات من غير وصية لم يؤذن له في الكلام بالبرزخ إلى يوم القيامة يتزاوره الأموات ويتحدثون وهو لا يتكلم ، فيقول بعضهم لبعض : هذا المسكين مات من غير وصية وذلك مستحب خوف ؛ موت الفجأة وموت الفجأة تخفيف إلا لمن ليس مستعدا للموت بكونه ؛ مثقل الظهر بالمظالم. الرابع أن : ينام تائبا من كل ذنب سليم القلب لجميع المسلمين لا يحدث نفسه بظلم أحد ، ولا يعزم على معصية إن استيقظ قال صلى الله عليه وسلم : " من أوى إلى فراشه لا ينوي ظلم أحد ، ولا يحقد على أحد ، غفر له ما اجترم " الخامس أن لا : يتنعم بتمهيد الفرش الناعمة بل يترك ذلك أو يقتصد فيه كان بعض السلف يكره التمهيد للنوم ويرى ، ذلك تكلفا وكان أهل الصفة لا يجعلون بينهم وبين التراب حاجزا ويقولون : منها خلقنا وإليها نرد وكانوا يرون ذلك أرق لقلوبهم ، وأجدر بتواضع نفوسهم فمن لم تسمح بذلك فليقتصد .
( وآداب النوم عشرة: الأول: الطهارة والسواك) أي: لا ينام إلا وهو متطهر، وقد استعمل السواك، قال صاحب العوارف: والمريد المتأهل إذا نام على الفراش مع الزوجة ينتقض وضوؤه باللمس، ولا تفوته بذلك فائدة النوم على الطهارة ما لم يسترسل في التذاذ النفس باللمس ولا بعدم يقظة القلب، فأما إذا استرسل في الالتذاذ فتحجب الروح لمكان صلابته .
( وهذا أريد به طهارة الظاهر) عن الأحداث ( و) من الطهارة التي تثمر صدق الرؤيا طهارة ( الباطن) من خدوش الهوى، وكدورة محبة الدنيا، والنقاوة من الأدناس الطبيعية ( جميعا، وطهارة الباطن هي المؤثرة في انكشاف حجب الغيب) وغرائب الأنباء، وبها يحصل مقام المكالمة والمحادثة .
( الثاني: أن يعد عند رأسه) أي: قريبا منه ( سواكه وطهوره وينوي) في قلبه ( القيام للعبادة عند التيقظ) من المنام ( وكلما انتبه) من نومه ( استاك) فكان أدعى لنشاطه ( كذلك كان يفعل بعض السلف، وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يستاك في كل ليلة مرارا؛ عند كل نومة وعند التنبه منها) رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=932451 "أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يستاك من الليل مرارا" وتقدم ذلك في كتاب الطهارة .
( وإن لم تتيسر لهم الطهارة) بسبب الكسل وفتور العزيمة ( كانوا) يجتهدون أن يستاكوا، و ( يستحبون مسح الأعضاء بالماء) في تقلباتهم وانتباهاتهم، ففي ذلك فضل كبير لمن ثقل نومه، وقل قيامه ( فإن لم يجد) الماء فليتيمم، وإلا ( فليقعد على قراءته، وليستقبل القبلة، وليشتغل بالذكر والدعاء والتفكر في آلاء الله تعالى وقدرته) خصوصا في نومه وبعثه منه ( فذلك يخرجه) عن زمرة الغافلين؛ حيث تقاعد عن فعل المستيقظين ( ويقوم) هذا القدر ( مقام قيام الليل، وقال صلى الله عليه وسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=668026 "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من الله تعالى") قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء بسند صحيح. اهـ .
قلت: وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني أيضا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء معا .
( الثالث: أن لا يبيت من له وصية) يوصي بها، أي: الذي عليه حقوق الناس، أو له مطالبات على الناس، أو لديه أمانات ( إلا ووصيته مكتوبة عنده) سواء في جيبه أو تحت رأسه ( فإنه لا يأمن من القبض في النوم) أي: لا يأمن أن تقبض روحه في نومه ذلك ( يقال: إن من مات عن غير وصية لم يؤذن له في الكلام) مع الموتى ( بالبرزخ إلى يوم القيامة) عقوبة له على ترك ما أمر به ( يتزاوره الأموات ويتحدثون) عنده ( وهو لا يتكلم، فيقول بعضهم لبعض: هذا المسكين مات عن غير وصية) فيكون ذلك حسرة عليه فيما بينهم، كذا في القوت .
قلت: روي ذلك مرفوعا من حديث قيس بن قبيصة بلفظ: "من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع [ ص: 159 ] الموتى، قيل: يا رسول الله، ويتكلمون؟ قال: نعم، ويتزاورون" رواه nindex.php?page=showalam&ids=11868أبو الشيخ في كتاب الوصايا .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا "أن حفارا حفر قبرا، ونام عنده، فأتته امرأتان، فقالت إحداهما: أنشدك بالله إلا صرفت هذه المرأة عنا، فأستيقظ فإذا بامرأة جيء بها فدفنتها في قبر آخر، فرأى تلك الليلة المرأتين، تقول إحداهما: جزاك الله خيرا، فقال: ما لصاحبتك لم تتكلم؟! قالت: ماتت بغير وصية، ومن لم يوص لم يتكلم إلى يوم القيامة" .
( وذلك) أي: الوصية ( مستحب؛ خوفا من موت الفجأة) بالضم ممدودا، وبالفتح مقصورا، مصدر فجأه الأمر، أي: بغته، وهو موت الفجأة، ويسمى أيضا الموت الأبيض؛ لخلوه من التوبة والاستغفار، وقضاء الحق، وغير ذلك .
( وموت الفجأة تخفيف) للمتأهب المراقب، ومستحب للمؤمن الفقير التواب الذي لا مال له، ولا دين عليه، فهو غير مكروه في حقه ( إلا من ليس مستعدا للموت؛ لكونه مثقل الظهر بالذنوب والمظالم) أي: حقوق الناس .
( والرابع: أن ينام تائبا من كل ذنب) صدر منه، بأن يتفكر فيه، ثم يتنصل عنه ( سليم القلب) نقي الباطن عن أدناس الغل والحقد والحسد لجميع المسلمين، لا يحدث نفسه ( بظلم أحد، ولا يعزم) بالجزم ( على معصية إن استيقظ) من منامه ( قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أوى إلى فراشه لا ينوي ظلم أحد، ولا يحقد على أحذ، غفر له ما اجترم") أي: اكتسب من الجرم .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب السنة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: "من أصبح ولم يهتم بظلم أحد غفر له ما أجرم" وسنده ضعيف. اهـ .
قلت: ورواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في التاريخ من طريق عيينة بن عبد الرحمن، عن إسحاق بن مرة، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس. وإسحاق قال في الميزان عن الأزدي: متروك الحديث، وساق له في اللسان هذا الحديث، ثم قال: عيينة ضعيف جدا، وأعاده في اللسان في ترجمة عمار بن عبد الملك، وقال: أتى عنه بقية بعجائب، منها هذا الخبر .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب في التاريخ بلفظ: "من أصبح وهو لا ينوي ظلم أحد أصبح وقد غفر له ما جنى" وفي رواية: "وإن لم يستغفر" وقد رواه أيضا الديلمي، والمخلص، nindex.php?page=showalam&ids=13889والبغوي، nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر أيضا، nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا والمخلص في فوائده، nindex.php?page=showalam&ids=13889والبغوي من طريق أبي بسطام، عن أنس، ومعنى الحديث: من أصبح عازما على ترك ظلم الخلق مع قدرته على الظلم، لكنه عقد عزمه على ذلك امتثالا لأمر الشارع، وابتغاء مرضاته، أما من أصبح لا ينوي ظلم أحد لشهرة أو غفلة أو عجز أو شغل عنهم فلا ثواب له؛ لأنه لم ينو طاعة، ومن عزم فثواب عزمه غفران ما يطرأ من جناية؛ لعدم العصمة، فيغفر له بسالف نيته .
ويحتمل أنه على ظاهره؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر بهذا عبدا طهر الله قلبه، وصفى باطنه بمعرفة الله وخوفه ومراقبته عن وسخ الأخلاق الدنية من نحو حقد وغل، فإن حدث منه زلة لعدم العصمة غفر له وإن لم يستغفر؛ لأنه مختاره ومحبوبه، والغفران نعته، والله أعلم .
( الخامس: ألا يتنعم بتمهيد الفرش الناعمة) المحشوة بنحو قطن أو صوف أو ريش ( بل يترك ذلك) رأسا إن كان قصده طلب الآخرة ( أو يقتصد فيه) فيكتفي بما يحول بين التراب وبين جسده بنحو حصير وبساط ونحو ذلك، والفرش يطلق عليه على الوطاء والوساد، فالوساد ما يتوسد عليه برأسه، والوطاء ما يرقد عليه، والاقتصاد في كل منهما مطلوب، وقد كان بعضهم يقول: لأن أرى في بيتي شيطانا أحب إلي من أن أرى وسادة؛ فإنها تدعوني إلى النوم .
( وكان بعض السلف يكرهون التمهيد، ويرون ذلك تكلفا للنوم) أي: كأنه يتكلف بذلك جلب النوم وهو مكروه ( وكان أهل الصفة) رضي الله عنهم، وغيرهم من زهاد التابعين ( لا يتركون بينهم وبين التراب حاجزا) أي: مانعا، فكان أحدهم يباشر التراب بجلده، ويطرح الثوب فوقه ( ويقولون: منها) أي: الأرض ( خلقنا وإليها نرد) ثانيا ( وكانوا يرون ذلك أرق لقلوبهم، وأجدر لتواضع نفوسهم) وهذا حال من يؤثر الآخرة على الدنيا، ولم يمل لزهرتها، بل المعهود من سيرة الصحابة ومن بعدهم أنهم كانوا ينامون على الأرض من غير حائل ( ويأكلون على الأرض) ويصلون على التراب ( فمن لا تسمح نفسه [ ص: 160 ] بذلك) لعادة تمرن عليها فإذا تركها تأذى جسده ( فليقتصد) وليكن ذلك بالتدريج والتمهيل لا مرة واحدة .
( السادس: أن لا ينام ما لم يغلبه النوم، ولا يتكلف استجلابه، إلا إذا قصد به الاستعانة على القيام في آخر الليل) فلا بأس حينئذ أن يستجلبه ويتكلف ويتحيل على تحصيله بكل وجه ( فقد كان) الصالحون ( نومهم غلبة) أي: لا ينامون إلا على غلبة، ويكرهون التعمل للنوم، قال صاحب القوت: وقد كان منهم من يمهد لنفسه بالنوم؛ ليتقوى بذلك على صلاة أوسط الليل وآخره للفضل في ذلك، وسئل فروة الشامي عن وصف الأبدال وكانوا يظهرون له، فقال: نومهم غلبة .
( وأكلهم فاقة، ونومهم ضرورة) وصمتهم حكمة، وعلمهم قدرة، أي: لا يأكلون إلا عن فاقة تصيبهم، فيقصدون بذلك التقوي على عبادة الله تعالى، ولا يتكلمون إلا إذا اضطروا إليه، ورأوا أنهم قد ندبوا إليه، وقيل لآخر: صف لنا الخائفين، فقال: أكلهم أكل المرضى، ونومهم نوم الغرقى .
( ولذلك وصفوا بأنهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) أي: ينامون، أي: وصفهم بقلة النوم، وهو لا يكون إلا عن القيام بطاعة الله ( وإن غلبه النوم) حتى يشغله ( عن الصلاة والذكر وصار لا يدري ما يقول) في صلاته وذكره ( فلينم حتى يعقل ما يقول) وينشط في خدمته، هكذا السنة، وفي الحديث ما يدل على ذلك، كما سيأتي للمصنف قريبا، وقد ( كان nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يكره النوم قاعدا) نقله صاحب القوت، ولعله إذا قصد بذلك، لا إذا غلبه فإنه معذور .
( وفي الخبر: "لا تكابدوا الليل") هكذا هو في القوت. وقال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بسند ضعيف. وفي جامع nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري موقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: "لا تغالبوا هذا الليل" اهـ .
قلت: رواه الديلمي من حديث أبان، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، بلفظ: "لا تكابدوا هذا الليل؛ فإنكم لا تطيقونه، وإذا تعسر أحدكم فلينم على فراشه؛ فإنه أسلم" وأبان ضعيف .
( وقال -صلى الله عليه وسلم-: تكلفوا) كذا في نسخ الكتاب، والرواية: اكلفوا، وهكذا في القوت وفي الصحيحين، من كلف يكلف، كفرح، أي: اولعوا وأحبوا ( من العمل ما تطيقون) الدوام عليه ( فإن الله -عز وجل- لن يمل حتى تملوا) يعني: لا يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا، عبر عنه باسم الملل من تسمية الشيء باسم سببه، أو المراد: لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، فتزهدوا في الرغبة إليه nindex.php?page=hadith&LINKID=658311 "وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" هكذا رواه الشيخان، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة.
قلت: ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأدب، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني، ولفظهم: nindex.php?page=hadith&LINKID=696216 "خير دينكم أيسره" ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين في الأوسط، nindex.php?page=showalam&ids=13357وابن عدي والضياء عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس.