الثالث أن يعرف فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار حتى يستحكم به رجاؤه وشوقه إلى ثوابه فيهيجه الشوق لطلب المزيد والرغبة في درجات الجنان كما حكي أن بعض الصالحين رجع من غزوته فمهدت امرأته فراشها وجلست تنتظره فدخل المسجد ولم يزل يصلي حتى أصبح فقالت له زوجته كنا ننتظرك مدة فلما قدمت صليت إلى الصبح : قال : والله إني كنت أتفكر في حوراء من حور الجنة طول الليل ، فنسيت الزوجة ، والمنزل ، فقمت طول ليلتي شوقا إليها .
(الثالثة: أن يعرف فضل قيام الليل بسماع هذه الآيات) الدالة (والأخبار) الصريحة (والآثار) المتبعة (التي أوردناها) آنفا (حتى يستحكم بذلك رجاؤه) في الله تعالى (وشوقه إلى ثوابه) الذي أعده له (فيهيجه الشوق لطلب المزيد) من المقامات (والرغبة في درجات الجنان) والولدان والحور العين، (كما حكي أن بعض الصالحين رجع عن غزاته) التي كان توجه إليها (فلما كان الليل مهدت امرأته فراشها) أي هيأته، وزينت نفسها (وجلست تنتظره) على جاري العادة في قدوم الرجال إلى المنازل (فدخل المسجد) أي: مسجد بيته أو محلته (فلم يزل يصلي حتى أصبح) ، ولم يلتفت إلى راحة النوم على الفراش، فلما أصبح (قالت له زوجته: لم يكن لنا فيك حظ) كما تحتظ النساء بالرجال (قال: والله ما ذكرتك) أي: ما خطرتي على بالي، (ولقد كنت أتفكر في حوراء من حور الجنة طول الليلة، فنسيت الزوجة، والمنزل، فقمت طول الليلة شوقا إليها) إذ طول القيام بالليل من مهور الحور العين، فهذا مقام الرجاء، كما أن الخصلة التي قبلها مقام الخوف، وهذا قد رجع من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، وللعارفين في أحوالهم مقامات .