الثاني : ترتيب الأطعمة بتقديم الفاكهة أولا إن كانت فذلك أوفق في الطب فإنها أسرع استحالة فينبغي أن تقع في أسفل المعدة .
(الثاني: ترتيب الأطعمة بتقديم الفاكهة إن كانت) حاضرة (فذلك أوفق في الطب فإنها أسرع استحالة) أي: تغيرا (فينبغي أن تقع في أسفل المعدة) فتعين لما سيرد عليه من الطعام، فإذا قدم ما يستحيل بطيئا ثم أتبعه بما يستحيل سريعا فسدت المعدة وحصل فيها اختلاف فيما يسرع استحالته من الفواكه كالخوخ والتوت والخربز الأصفر والعنب والمشمش والرمان والسفرجل والتوت الحلو، وما عدا ذلك يؤخر بعد الطعام، والبطيخ الأخضر لثقله على المعدة يؤخر بعد الطعام ولكونه يهضم ما جاوره يقدم، فلذا يجمع بينهما. وجملة القول في الفواكه والثمار أنها قليلة الغذاء بالنسبة إلى الحبوب ولحوم الحيوانات وأجزائها والاستكثار منها يولد الحميات العفنة لأنها تملأ الدم مائتيه يغلي في البدن فيعفن وينبغي أن يتجنب قشورها لعدم انهضامها والتصاقها بالمعدة والأمعاء ويتجنب الذي لم يدرك ولم ينضج والتي عفنت أو قاربت العفونة، والثمار الرطبة اللينة سريعة الانحدار أو سريعة النفوذ في البدن سريعة الاستفراغ بالبول والتحلل من الجلد، ولذلك صارت قليلة الغذاء، وأما الغليظة منها فحالها على خلاف ذلك، وكل ما كان منها أسرع انحداره وألان البطء أحمد مما بطؤ انحداره وما كان منها ألين فهو [ ص: 253 ] أجود مما كان أصلب، وما يمكن أن يدخر من جميع الثمار ويبقى فهو أحمد، وما كان يسرع إليه الفساد خارجا فهو في البدن أيضا كذلك، وينبغي أن تترك الفواكه كلها حتى تجف قليلا ثم تؤكل، والتين النضيج أكثر تغذية، وينحدر عن المعدة سريعا وينهضم سريعا، والجميز أسرع نزولا من التين وألطف نفخا إلا أنه أردأ للمعدة وأسرع إلى القيء قليل الغذاء، يسهل البطن، والعنب أفضل من الرطب إلا أنه أقل غذاء من التين، والأجود أن يمتص ليسرع هضمه وانحداره، فإن عجمه وقشره باردان يابسان، والزبيب أغذى من العنب وأوفق للمعدة من التين، والأولى أن يؤكل بعد نزع عجمه، وهو صديق للمعدة والكبد مقو لها، والرطب يولد دما رديئا سريع العفن، أقل حرارة من التمر، والتمر أصناف كثيرة أردؤها أغلظها حرما، وجميع أصنافه عسر الانهضام، وما ينفذ منها في البدن من الغذاء غليظ، ومن أصلح ما يؤكل معه والرطب اللوز والخشخاش، والتوت الحلو رديء الغذاء قليله مفسد للدم يسرع الانحدار عن المعدة إذا كانت خالية من الطعام نقية من الخلط وإلا فسد فيها فسادا عجيبا، فلا يستكثر منه، والمشمش سريع الفساد في المعدة والدم المتولد منه سريع العفونة، فلا ينبغي أن يؤكل بعد الطعام، فإنه يفسد ويطفو في فم المعدة، والخوخ ينبغي أن يؤكل قبل الطعام ليصادف في المعدة حرارة تعين على هضمه، ولا تؤكل عليه الأغذية الحامضة وهو يشهي الطعام إلا أنه بطيء النزول عسر الاستحالة إلى الدم، والرمان بأصنافه جيد الكيموس قليل الغذاء، والسفرجل من أصلح الأشياء لتقوية المعدة، ويعين على هضم الطعام، ولا يكاد يفسد في المعدة، والإكثار منه قبل الطعام يولد المغص ويعقل البطن، وأما بعده فإنه يدفع الطعام عن رأس المعدة ويمنع البخار عن الدماغ، والتفاح بأنواعه بطيء الانحدار يولد خلطا غليظا لكنه مقو للقلب خاصة، وأما الليمون المركب وهو المسمى بالبرتكال، فهو أقرب إلى الاعتدال من لحم الأترج، وأسرع هضما وأخف على المعدة، فيقدم على الطعام، والكمثرى كثير الغذاء، أحمد خلطا من التفاح، وأسرع هضما منه، إذا أكل بعد الطعام ينحدر سريعا، ثم يعقل، والجوز قليل الغذاء بطيء الانهضام رديء للمعدة الحارة، وأما الباردة فتهضمه وتتغذى به، والبندق أغذى من الجوز سريع الانحدار عن المعدة والأمعاء، واللوز شبيه بالجوز إلا أنه أبطأ انهضاما ويصلحه الزبيب، والفستق ينبغي أن يؤكل بعد الطعام لما فيه من القبض، والنبق بارد رطب مولد للبلغم مسكن للصفراء مقو للمعدة، والموز محمود الغذاء بطيء الانحدار عن المعدة مغث لها ثقيل عليها ولا يتناول بعده طعام حتى ينحدر، والبطيخ بأنواعه يستحيل صفراء إذا أكل مما يلي مبزره ولم يدخل فيه إلى ناحية القشر خصوصا إذا أكل على جوع شديد ولم يتبع بطعام، وقيل يستحيل إلى أي خلط وافق في المعدة، وهو سريع الانحدار عن المعدة والأمعاء، والإكثار منه يولد الهيضة، فإذا أحس بها فليتقيأه فإنه سم، وأكله على الخواء مضر، وينبغي أن يؤكل بين طعامين عن صيرورة الأول كيلوسا، والقثاء والخيار بطيآ الانحدار يتولد منهما في العروق خلط غليظ، وأما قصب السكر فإنه يمص بعد الطعام فيعين على الهضم ويولد دما معتدلا ويدر البول، وهذا القدر في معرفة ما يؤكل قبل الطعام أو بعده من الفواكه والثمار كاف في درك المقصود والله أعلم .