الأدب الثاني : حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن ترحما عليهن لقصور عقلهن .
وقال الله تعالى وعاشروهن بالمعروف وقال في تعظيم حقهن : وأخذن منكم ميثاقا غليظا وقال : والصاحب بالجنب قيل : هي المرأة وآخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث كان يتكلم بهم حتى تلجلج لسانه ، وخفي كلامه جعل يقول : الصلاة ، الصلاة وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون الله ، الله فإنهن عوان في أيديكم يعني أسراء : أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله .
وقال صلى الله عليه وسلم : من صبر على سوء خلق امرأته .
( الأدب الثاني: حسن الخلق معهن) في معاشرتهن (واحتمال الأذى) بكلام مؤلم، أو غير ذلك (منهن) .
بأن يتغافل عن كثير مما يصدر عنهن (ترحما عليهن) وشفقة بهن (لقصور عقلهن) إذ هن ناقصات عقل، كما في الصحيح، لأن غلبة الشهوة حجبت عقولهن، فقصرن عن بلوغ درجة الكمال، وقد شبه الله تعالى حسن القيام على الزوجة بحسن القيام على الوالدين، فقال فيهما: وصاحبهما في الدنيا معروفا (قال الله تعالى) في أمر النساء: ( وعاشروهن بالمعروف ) ثم أجمل للنساء جميع ما فرقه من حق الزوج في كلمة واحدة فقال: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف (وقال في تعظيم حقهن: وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) أي: عهدا مؤكدا شديدا، قال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في [ ص: 352 ] تفسير هذا القول: قيل: هي كلمة النكاح التي تستحل به الفروج، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في المناسك: وقال تعالى: فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أي: لا تطلبوا طريقا إلى الفرقة، ولا إلى خصومة، ومكروه، وهذه حينئذ على صورة النفس المطمئنة (وقال تعالى: والصاحب بالجنب قيل: هي المرأة) كذا في القوت، أي: لكمال قربها من الرجل، ولصوقها بجنبه (وآخر ما أوصى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث) كلمات (كان يتكلم بهن) ويرددهن (حتى تلجلج لسانه، وخفي كلامه) وذلك قرب صعود روحه الشريفة إلى الملإ الأعلى (جعل يقول: الصلاة، الصلاة) أي: الزموها، وكرره للتأكيد (وما ملكت أيمانكم) من الأرقاء، أي: أوصيكم بالإحسان إليهم (لا تكلفوهم ما لا يطيقون) عليه من الخدمة (الله، الله) أي: اتقوا الله، وكرره للتأكيد (في النساء) أي: في أمرهن (فإنهن عوان في أيديكم) جمع عانية (يعني: أسرى) أي: كالأسرى في أيديكم (أخذتموهن بعهد الله) وميثاقه (واستحللتم فروجهن بكلمة الله) هكذا أورده صاحب القوت بتمامه، قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في الكبرى، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة، nindex.php?page=hadith&LINKID=936301أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في الموت جعل يقول: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، فما زال يقولها وما يقبض بها لسانه.
وأما الوصية بالنساء فالمعروف أن ذلك كان في حجة الوداع، رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر الطويل، وفيه: nindex.php?page=hadith&LINKID=679578فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله... الحديث، اهـ. قلت: وروى ابن سعد، nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الكبير، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك: nindex.php?page=hadith&LINKID=936300الله الله فيما ملكت أيمانكم، ألبسوا ظهورهم، وأشبعوا بطونهم، وألينوا لهم القول، وروى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأدب المفرد، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي: nindex.php?page=hadith&LINKID=676412اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة nindex.php?page=hadith&LINKID=676412اتقوا الله في الصلاة، وما ملكت أيمانكم، وعند nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر: اتقوا الله في الضعيفين، المملوك والمرأة، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في السنن، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: اتقوا الله في الصلاة، اتقوا الله في الصلاة، اتقوا الله في الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، اتقوا الله في الضعيفين: المرأة الأرملة، والصبي اليتيم، وأما الذي في حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر الطويل عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره: nindex.php?page=hadith&LINKID=679578فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستحللتم فروجهن بكلمة الله قيل: هي قوله فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقيل: بإباحة الله المنزلة في كتابه، التزويج وإذنه فيه، وقيل: بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا يحل لمن كان مشركا أن يتزوج مسلمة (وقال -صلى الله عليه وسلم-: من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب -عليه السلام- على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ما أعطى آسية امرأة فرعون) . قال العراقي: لم أقف له على أصل (واعلم أنه ليس حسن الخلق معها) هو (كف الأذى عنها) فقط (بل) مع ذلك (احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها) أي: خفة عقلها، (وغضبها) وحدتها (اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وتأسيا به (فقد nindex.php?page=hadith&LINKID=652288كان أزواجه يراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل) كذا في القوت، قال العراقي: متفق عليه، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب، في الحديث الطويل في قوله: وإن تظاهرا عليه (وراجعت امرأة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر -رضي الله عنه- في الكلام، فقال) لها: (أتراجعيني يا لكعاء) ؟! أي: يا لئيمة (فقالت: إن أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راجعنه، وهو خير منك، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: خابت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة) يعني ابنته (وخسرت، أي: إن راجعته، ثم) ثم احتج فأتى و (قال nindex.php?page=showalam&ids=41لحفصة: لا تغتري بابنة أبي قحافة) يعني nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة، ينسبها لجدها (فإنها حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) بكسر الحاء، أي: محبوبته (وخوفها من المراجعة) قال العراقي: هو الحديث الذي قبله، وليس فيه قوله: يا لكعاء، ولا قولها: هو خير منك .
(وجرى بينه) -صلى الله عليه وسلم- (وبين nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة) -رضي الله عنها- (كلام، حتى أدخل بينهما أبا بكر -رضي الله عنه- حكما) يحكم في القضية (واستشهده) أي: طلب منه أن يشهد (فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تكلمين أنت أو أتكلم؟ فقالت: بل تكلم أنت و) لكن (لا تقول إلا حقا، فلطمها أبو بكر -رضي الله عنه- دمي فمها) أي: خرج الدم من فمها (وقال: يا عدية نفسها) تصغير عدوة (أويقول غير الحق؟! فاستجارت) nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة (برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقعدت خلف ظهره فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لم ندعك لهذا أو) قال: (لم نرد منك هذا) نقله صاحب القوت، قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط، nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب في التاريخ، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بسند ضعيف (وقالت) nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة (له مرة في كلام غضبت عنده: أنت الذي تزعم أنك نبي الله؟ فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحتمل ذلك) منها (حلما وكرما) نقله صاحب القوت، وقال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى في مسنده، nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ في كتاب الأمثال، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بسند ضعيف (وكان يقول لها: nindex.php?page=hadith&LINKID=655614إني لأعرف غضبك علي من رضاك، قالت: وكيف تعرفه؟ قال: إذا رضيت، قلت: لا وإله محمد، وإذا غضبت، قلت: لا وإله إبراهيم، قالت: صدقت، إنما أهجر اسمك) هكذا هو في القوت، قال العراقي: متفق عليه من حديثها، اهـ. قلت: أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في النكاح، nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في الفضائل، ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها، قالت: nindex.php?page=hadith&LINKID=654827قال لى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني لأعلم إذا كنت علي راضية، وإذا كنت علي غضبى، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك. اهـ. ومعنى قولها: nindex.php?page=hadith&LINKID=654827ما أهجر إلا اسمك، أي: بلفظي فقط، ولا يترك قلبي التعلق بذاتك الشريفة، مودة ومحبة، كذا قرره ابن المنير، وقال الطيبي في شرح المشكاة: هذا الحصر في غاية من اللطف في الجواب; لأنها أخبرت أنها إذا كانت في غاية من الغضب، الذي يسلب العاقل اختياره، لا يغيرها في كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها، الممتزجة بروحها، وإنما عبرت عن الترك بالهجران; لتدل أنها تتألم من هذا الترك، الذي لا اختيار لها فيه، كما قاله الشاعر:
إني لأمنحك الصدود وإنني * قسما إليك مع الصدود لأميل
اهـ .
ويستفاد من هذا الحديث: الحكم بالقرائن; لأنه -عليه السلام- حكم برضا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه الشريف، وسكوتها، واستدل على كمال فطنتها، وقوة ذكائها، بتخصيصها إبراهيم -عليه السلام- دون غيره; لأنه -صلى الله عليه وسلم- أولى الناس به، كما في التنزيل، فلما لم يكن لها بد من هجر اسمه الشريف، أبدلته بمن هو مثيل; حتى لا تخرج عن دائرة التعلق في الجملة .
(ويقال: إن أول حب وقع في الإسلام، حب النبي -صلى الله عليه وسلم- nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة) رضي الله عنها، أما كونه كان يحبها: فقد ثبت ذلك في أخبار، منها في المتفق عليه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص، أنه قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=676611أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة... الحديث. وأما كونه أول: فقد قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في الموضوعات من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، ولعله أراد بالمدينة، كما في الحديث الآخر: أن [ ص: 354 ] nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير أول مولود ولد في الإسلام، يريد بالمدينة، وإلا فصحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- nindex.php?page=showalam&ids=10640لخديجة أمر معروف، تشهد له الأحاديث الصحيحة .
(وكان يقول لها: كنت لك كأبي زرع لأم زرع) وفيه تطييب لنفسها، وإيضاح لحسن معاشرته لها، وكان هنا: للدوام، أي: أنا معك كذلك فيما مضى، وفيما يأتي، أو زائدة، واعترض الأول: بأنه لا حاجة إليه; لأنه -صلى الله عليه وسلم- أخبر عما مضى إلى وقت تكلمه بذلك، وأبقى المستقبل إلى علم الله تعالى، فأي حاجة مع ذلك إلى جعلها للدوام؟ إذ هو خروج عن الظاهر من غير دليل ولا ضرورة، والثاني: أن الزائدة غير عاملة، ولا يوصل بها الضمير الذي هو المبتدأ في الأصل (غير أني لا أطلقك) استثنى الحالة المكروهة تطييبا لها، وطمأنينة لقلبها، ودفعا لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع; إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء سوى ذلك. قال العراقي: هو متفق عليه، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، دون الاستثناء، ورواه بهذه الزيادة: nindex.php?page=showalam&ids=14413الزبير بن بكار، nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب، اهـ. قلت: ورواه بهذه الزيادة -أيضا- إسماعيل بن أويس، ولفظ الزبير: إلا أنه طلقها، وأنا لا أطلقك. وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15464الهيثم بن عدي بعد قوله: أم زرع في الألفة والوفاء، لا في الفرقة والجلاء. وفي سنن nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي، ومعجم nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني، قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة: nindex.php?page=hadith&LINKID=936713يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع لأم زرع. وفي رواية الزبير: nindex.php?page=hadith&LINKID=936713بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع. وهذا الحديث مشهور بحديث أم زرع، والمرفوع منه هذه الجملة، وفيه كلام أودعته في الشرح الذي أمليته عليه .