ولنقدم قبل ذلك بيان تدبير الجماع، وما ينفع منه، وما يضر، وبيان أشكاله، وهيئاته; ليكون القادم عليه على بصيرة، فاعلم: إن أحسن الجماع ما وقع بعد الهضم الأول، والثاني، وإن كان ولا بد فينبغي أن يكون بعد استقرار الغذاء في قعر المعدة; حتى يكون ضرره أقل مما إذا كان ضافيا، وعند اعتدال البدن، وحرارته ويبوسته، أسهل من خلائه وبرودته ويبوسته; لأن الضرر الحاصل منه عند امتلاء البدن: الأمراض الجسدية، والامتلائية، وعند الخلاء: الذوبان، والجفاف، فإن كان مع حرارة يحصل منه الدق; لأن الجماع يهيج الحرارة القريبة، وإن كان مع برودة يحدث دق الشيخوخة، وكذلك عند غلبة البرد، واليبس، وإذا وقع عند حرارة البدن فقط دون الخلاء، فربما أحدث حمى، وأما عند البرد فيحدث الرعشة، والرعدة .
وينبغي أن لا يجامع إلا إذا قويت الشهوة، وحصل الانتشار التام، عند اجتماع المني في أوعيته، وكثرته، وشدة الشبق، من غير ذكره، ولا فكره في مستحسن، ولا نظر إليه، ولا يكون من حكة كما عند الجرب، ولا عن كثرة رياح بلا شهوة، وعلامته: أن يحصل عقيبه الخفة والنوم، ومثل هذا الجماع ينعش الحرارة الغريزية، ويحدث لذة ونشاطا، ويبسط النفس، ويزيل الغم، والغضب، والوسواس السوداوي، والفكر الرديء، والعشق، ويهيئ البدن للاغتذاء، ويخفف الامتلاء، وأوجاع الحالبين، وينفع أكثر الأمراض السوداوية، والبلغمية، والدموية .
وربما وقع تارك الجماع في أمراض، كالدوار، وظلمة البصر، وثقل البدن، والرأس، وورم الخصية، والحالب، ووجع الركبة، فإذا عاد إليه برئ بسرعة .
ومن وجد حالة الجماع بردا في ظهره، أو ألما، مع لذة الجماع، أو رائحة كريهة من أعضائه، فليعلم أن في بدنه أخلاطا رديئة .
والإفراط في الجماع يسقط الشهوة، ويضر العصب والبصر جدا، ويضعف القلب، ويسرع الشيب، وينقص من شعر الحاجبين، والرأس، وأشفار العين، ويكثر اللحية، وشعر سائر البدن، وكذلك الجماع المتكلف، وجماع غير المشتهي يضر أكثر هذه المضار .
وأوعية المني يفرغ ما فيها بجماعين، أو ثلاثة، في أكثر الأمزجة، فإن ألح بعد ذلك يخرج الدم عوضا عن المني، وهو: الدم الذي أعد لأن يكون غذاء للأعضاء، فإذا خرج ذلك الدم، احتيج إلى زمان طويل ليحصل عوضه .
وأما أشكاله: فأحسنها أن يعلو الرجل المرأة، رافعا فخذيها بعد الملاعبة التامة، ودغدغة الثدي، والحالب، ثم حك الفرج بالذكر، فإذا تغيرت هيئة عينيها، وعظم نفسها، وطلبت التزام الرجل، أولج الذكر، وصب المني، وذلك هو المحبل، فإذا فرغ من الجماع نام على ظهره ساعة، رافعا رجليه على مثل الحائط; لتستقر بقايا المني إلى مستقره .
وأردأ أشكاله: أن تعلو المرأة الرجل، وهو مستلق، ويليه أن يكونا فيه قائمين، ويليه وهما على جنبيهما، ويليه أن يكونا قاعدين .
والشكل الذي تستلذه المرأة عند المجامعة: أن تستلقي على ظهرها، ويلقي الرجل نفسه عليها، ويكون رأسها منكسا إلى أسفل، كثير التصويب، ويرفع أوراكها بالمخاد، فإذا أحس بالإنزال فليدخل يده تحت أوراكها، ويشيلها شيلا عنيفا، فإن الرجل والمرأة يجدان عند ذلك لذة عظيمة، لا توصف، وقال رونس الحكيم: مدمنو ركوب الخيل أقوى على الباءة من غيرهم، والله أعلم .