الثاني أن يقتصر على طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث لأن الطلقة الواحدة بعد العدة تفيد المقصود ويستفيد بها الرجعة إن ندم في العدة وتجديد النكاح إن أراد بعد العدة وإذا طلق ثلاثا ربما ندم فيحتاج إلى أن يتزوجها محلل وإلى الصبر مدة وعقد المحلل منهي عنه ويكون هو الساعي فيه ثم يكون قلبه معلقا بزوجة الغير ، وتطليقه ، أعني : زوجة المحلل ، بعد أن زوج منه ، ثم يورث ذلك تنفيرا من الزوجة وكل ذلك ثمرة الجمع وفي الواحدة كفاية في المقصود من غير محذور
(الثاني) : إذا عزم على الطلاق (أن يقتصر على طلقة واحدة) في طهر، لا جماع فيه (فلا يجمع بين الثلاث) مرة واحدة; لأن الطلقة الواحدة (بعد العدة) إلى انقضائها بحيض، أو أشهر (تفيد المقصود) أي: تعمل عمل التحريم بالثلاث سواء (ويستفيد بها) أي: بالطلقة، أربع خصال: إحداها: موافقة الكتاب والسنة، من قوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن . والثانية: تيسير العدة عليها، وسرعة خروجها منه، ليحتسب بالطهر الذي طلقها فيه، من غير جماع قرء، فيستعجل الخروج من العدة; لأنها من حدود الله. والثالثه: (الرجعة إن ندم) على طلاقها (في العدة) من غير إحداث عقد ثان، ولا مهر آخر. (و) الرابعة: (تجديد النكاح إن أراد) وأحب رجعتها (بعد) انقضاء (العدة) فإن له ذلك من غير زوج ثان (وإذا طلق ثلاثا) دفعة واحدة (ربما ندم) حيث لا ينفعه الندم، حيث لم يجعل الله له مخرجا; لأنها لا تحل له إلا بعد زوج (فيحتاج إلى أن يتزوجها محلل) وهو الزوج الثاني (و) يخسر العبد خروج المرأة من يده، فإن ابتلي بهواها احتاج (إلى الصبر مدة) وينتظر فراغ الزوج الثاني، أو التجأ إلى أن يعمل في تزويجها لغيره، فيكون محللا لنفسه، ومفسد النكاح الثاني بالتحليل، فيقع في ثلاث معان من المعاصي .
(وعقد المحلل منهي عنه) يشير [ ص: 396 ] به إلى حديث: nindex.php?page=hadith&LINKID=32409لعن الله المحلل والمحلل له. كذا أورده صاحب القوت، وهو صحيح، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود، عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي أيضا، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر، وجاء في تفسيره: الذي يتزوج المطلقة ثلاثا، بشرط أن يطلقها بعد وطئها، لتحل للأول. ذكره ابن الأثير، وغيره، وقد أغفله العراقي، وقال بعض العلماء: إن نكاح الأول بعده على التحليل، لا يجوز أيضا (ويكون هو الساعي فيه) والجاني على نفسه (ثم يكون قلبه معلقا بزوجة الغير، وتطليقه، أعني: زوجة المحلل، بعد أن زوج، ثم يؤثر بعد ذلك تغيير أمر الزوجة) وغير ذلك من المحظورات (وكل ذلك ثمرة الجمع) ومخالفة السنة، قال الله تعالى: فطلقوهن لعدتهن ، ثم قال: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يعني: ندما من المطلق، أوجب رجعة .
(وفي الواحدة كفاية في المقصود من غير محظور) فإنه إن طلق واحدة أو ثنتين، حلت له في العدة، بغير عقد آخر، وحلت له بعد انقضائها أيضا، بنكاح جديد، من غير زوج ثان، ثم قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، أي: يتق الله، فيطلق لعدة، يجعل له مخرجا، في جواز الرجعة، كما ذكرنا .
(فصل)
إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق، أجمع على ذلك أئمة الفتوى، وقد أشار إليه المصنف أولا، بقوله: بدعي حرام، وإن كان واقعا. خلافا للظاهرية، والخوارج، والرافضة، حيث قالوا: لا يقع; لأنه منهي عنه، فلا يكون مشروعا .
لنا حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر المتقدم، فإنه أمره بالمراجعة، والمراجعة بدون الطلاق محال، ولا يقال المراد بالرجعة، الرجعة اللغوية، وهي: الرد إلى حالها الأول، لا أنه يجب عليه طلقة; لأن هذا أغلظ، إذ حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية، مقدم على حمله على الحقيقة اللغوية، كما تقرر في الأصول، وبأن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر صرح في حديثه: بأنه حسبها عليه تطليقة .
وقد وافق nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم من المتأخرين، الشيخ تقي الدين ابن تيمة، واحتجوا له بما عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11862أبو الزبير، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، nindex.php?page=hadith&LINKID=659696فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليراجعها، فردها، قال: إذا طهرت فليطلق، أو ليمسك، وزاد nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود، فيه: nindex.php?page=hadith&LINKID=673792ولم يرها شيئا. لكن قال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود: روى هذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر جماعة، وأحاديثهم كلها على خلاف ما قال nindex.php?page=showalam&ids=11862أبو الزبير، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر: لم يقلها غير nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بمن هو أثبت منه؟! وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: لم يرو nindex.php?page=showalam&ids=11862أبو الزبير حديثا أنكر من هذا، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، فيما نقله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في المعرفة: nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع أثبت من nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا، وقد وافق نافعا غيره من أهل الثبت، وحمل قوله: لم يرها شيئا، على أنه لم يعدها شيئا صوابا. وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: لم يرها شيئا تحرم معه المراجعة، وقد تابع أبا الزبير غيره، فعند nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور، من طريق عبد الله بن مالك، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر: nindex.php?page=hadith&LINKID=3503691أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليس ذلك بشيء، وكل ذلك قابل للتأويل، وهو أولى من تغليط بعض الثقات، وقال ابن القيم منتصرا لشيخه ابن تيمية: الطلاق ينقسم إلى حلال، وحرام، فالقياس: أن حرامه باطل، كالنكاح وسائر العقود، وأيضا: فكما أن النهي يقتضي التحريم، فكذلك يقتضي الفساد، وأيضا: فهو طلاق منع منه الشرع، فأفاد منعه عدم إيقاعه، فكذلك يفيد عدم نفوذه، وإلا لم يكن للمنع فائدة; لأن الزوج لو وكل رجلا أن يطلق امرأته على وجه، فطلقها على غير الوجه المأذون فيه، لم ينفذ، فلذلك لم يأذن الشارع للمكلف في الطلاق، إلا إذا كان مباحا، فإذا طلق طلاقا محرما لم يصح، وأيضا: فكل [ ص: 397 ] ما حرمه الله من العقود، مطلوب الإعدام، فالحكم ببطلان ما حرمه أقرب إلى تحصيل هذا المطلوب، من تصحيحه، ومعلوم أن الحلال المأذون فيه، ليس كالحرام الممنوع منه .
ثم ذكر معارضات أخرى لا تنهض مع التنصيص على صريح الأمر بالرجعه، فإنه فرع وقوع الطلاق، وعلى تصحيح صاحب القصة، بأنها حسبت عليه تطليقة، والقياس في معارضة النص فاسد الاعتبار، اهـ، ملخصا من الفتح .
وروي أيضا من قول nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير: أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، قال: حسبت علي تطليقة. وفيه رد على الظاهرية، ومن نحا نحوهم، في قوله: أنه لم يعتد بها، ولم يرها شيئا، لأنه وإن لم يصرح برفع ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن فيه تسليم أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال: إنها حسبت عليه بتطليقة، فكيف يجتمع هذا مع قوله: أنه لم يعتد بها، ولم يرها شيئا، على المعنى الذي ذهب إليه المخالف؟! لأنه إن جعل الضمير للنبي -صلى الله عليه وسلم- لزم منه أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر خالف ما حكم به النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه القصة بخصوصها; لأنه قال: إنها حسبت عليه بتطليقة، فيكون من حسبها عليه، خالف كونه لم يرها شيئا، وكيف يظن به ذلك، مع اهتمامه، واهتمام أبيه، بسؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، ليفعل ما يأمره به؟! وإن جعل الضمير في: لم يعتد بها، أو لم يرها، nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر، لزم منه: التناقض في القصة الواحدة، فيفتقر إلى الترجيح، ولا شك أن الأخذ بما رواه الأكثر والأحفظ أولى من مقابله، عند تعذر الجمع عند الجمهور .