وأظن أن أبا حنيفة لم تبلغه هذه الأحاديث ، ولو بلغته لقال بها وإن أنصف وإن لم ينصف منصف فيه كان خلافه غلط لا يعتد به ولا يورث شبهة ، كما لو لم يخالف وعلم الشيء بخبر الواحد .
(وكذلك صح أنه أكل الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي سيف الله يكنى أبا سليمان من كبار الصحابة، وكان إسلامه بين الحديبية والفتح، وكان [ ص: 71 ] أميرا على قتال أهل الردة وغيرها من الفتوح إلى أن مات سنة إحدى وعشرين، (عنه) أي عن أكل الضب ، (فقال: أحرام يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه، وأكله خالد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر) إليه، (وقد نقل ذلك في الصحيحين) أعني كتاب البخاري ومسلم، قال العراقي : هو كما ذكر من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=22وخالد بن الوليد اهـ .
قلت: الكراهة قول الحنفية بلا شك كما أسلفناه، واختلفوا في المكروه .
والمروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن : إن كل مكروه حرام إلا أنه لما لم يجد فيه نصا قاطعا لم يطلق عليه لفظ الحرام، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف : إنه إلى الحرام أقرب، وقد قدمنا ذلك قريبا، ولكنا أعدناه هنا ليظهر بذلك وجوه الخلاف في تحريمه أيضا عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، ولهذا نقل العمراني في البيان عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة تحريمه، وهو ظاهر قول nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ، ولم ير nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة أكله، والخلاف عند المالكية أيضا، فحكى ابن شاس وابن الحاجب فيه، وفي كل ما قيل: إنه ممسوخ ثلاثة أقوال; التحريم والكراهة والجواز، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أن حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في أكل nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد للضب ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر هو الناسخ لخبر nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لم يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد الفتح وحنين والطائف ، ولم يغز بعدها إلا تبوك ، ولم تصبهم في تبوك مجاعة أصلا، وصح أن خبر nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة الذي تقدم كان قبل هذا، وهكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في حديث عبد الرحمن بن حسنة أنه صحيح، إلا أنه منسوخ; لأن فيه إكفاء القدور بالضباب خوفا أن يكون من بقايا مسخ الأمم السابقة .
وقال غيره: ليس فيه الجزم بأنها ممسوخة، وإكفاؤها إنما هو على سبيل الاحتياط والورع .
قال الولي العراقي : وأما العيافة فلا تقتضي التحريم وفي [ ص: 72 ] عبارة nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبي بكر بن العربي إشارة إلى التحريم في حق العائف، فإنه قال: ولكن يبقى حلالا لمن اعتاده، فإن صح فسببه خشية الضرر بالعائف، وقد استشكل بعضهم قوله عليه الصلاة والسلام: nindex.php?page=hadith&LINKID=67596 "ولم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه . وقال: إن الضب موجود بمكة ، وقد أنكر ذلك ابن العربي وقال: إن فيه تكذيب الخبر، وإن الناقل لوجودها كاذب أو سميت له بغير اسمها، أو حدثت بعد ذلك; هذا كلامه، والحق أن قوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=654972 " لم يكن بأرض قومي " لم يرد به الحيوان، وإنما أراد أكله، أي: يمتنع أكله بأرض قومي، وفي المعجم الكبير nindex.php?page=showalam&ids=14687للطبراني من حديث مرفوعا: أن أهل تهامة تعافها، قال أبو العباس القرطبي : وقد جاء في غير كتاب nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أنه عليه السلام إنما كرهه لرائحته فقال: إني يحضرني من الله حاضرة يريد الملائكة، فيكون هذا كنحو ما قال في الثوم: إني أناجي من لا تناجي، قال: ولا بعد في تعديل كراهة الضب لمجموعها، (فالظن nindex.php?page=showalam&ids=11990بأبي حنيفة ) رحمه الله تعالى (أنه لم تبلغه هذه الأحاديث، ولو بلغته لقال بها إن أنصف) ، قلت: وهذا بعيد ولم ينفرد به nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، بل هو قول الكوفيين غيره كما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، ويستبعد هؤلاء أن لا يبلغهم تلك الأحاديث، وأمثل ما احتج به القائلون بالكراهة أو التحريم حديث عبد الرحمن بن شبل : nindex.php?page=hadith&LINKID=6333 "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الضب" ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت: nindex.php?page=hadith&LINKID=102067 "أهدي لنا ضب، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكل منه، فقلت: يا رسول الله ألا نطعمها السؤال؟ فقال: إنا لا نطعمهم مما لا نأكل" . وقد اعترض المخالفون فقالوا: حديث عبد الرحمن بن شبل ينفرد به nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش وليس بحجة، هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : فيه ضعفاء ومجهولون، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري : في إسناده nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش ، وضمضم بن زرعة ، وفيهما مقال، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : ليس إسناده بذلك، والجواب عن هذا أن هذا الحديث من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحراني ، عن عبد الرحمن بن شبل ، وضمضم حمصي وابن عياش إذا روى عن الشاميين كان حديثه صحيحا، كذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وغيرهما، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي نفسه في باب ترك الوضوء من الدم، ولهذا أخرج nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود هذا الحديث، وسكت عليه، فهو حسن عنده على ما عرف، وقد صحح nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي لابن عياش عدة أحاديث من روايته لأهل بلده فتأمل ذلك .
وتقدم أن القول بالكراهة هو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ومحمد ، وخالفهم nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر الطحاوي ، فذهب إلى ما ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجماعة .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وهو الذي احتج به محمد واعتمد عليه صاحب الهداية، فقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة عن حماد عن أبي إبراهيم ، عن الأسود عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12201وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون وعفان nindex.php?page=showalam&ids=17081ومسلم بن إبراهيم ، كلهم عن nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة .
(ولو لم ينصف منصف فيه كان خلافه غلطا لا يعتد به ولا يورث شبهة، كما لو لم يخالف وعلم الشيء بخبر الواحد) كما سيأتي بيانه .