فإن النقلة وإن كانوا عدولا فالغلط جائز عليهم والكذب لغرض خفي جائز عليهم لأن العدل أيضا قد يكذب والوهم جائز عليه فإنه قد يسبق إلى سمعهم خلاف ما يقوله القائل ، وكذا إلى فهمهم فهذا ورع لم ينقل مثله عن الصحابة فيما كانوا يسمعونه من عدل تسكن نفوسهم إليه .
وأما إذا تطرقت شبهة بسبب خاص ودلالة معينة في حق الراوي فللتوقف وجه ظاهر ، وإن كان عدلا .
وخلاف من خالف في أخبار الآحاد غير معتد به .
(المرتبة الثالثة، أن لا يشتهر في المسألة خلاف أصلا، ولكن يكون الحل معلوما بخبر الواحد ) بأن يرويه واحد عن واحد، وهكذا إلى الطبقة الأخيرة، (فيقول القائل: قد اختلف في خبر الواحد) ، أي: في العمل به ، (فمنهم من لا يقبله) ، وهم الشيعة ، وبعض المعتزلة كما سيأتي بيانه .
(فأنا أتورع) وأحتاط، (فإن النقلة) محركة جمع ناقل، أي: حملة الأخبار وناقلوه، (وإن كانوا عدولا) أي: ثبتت عدالتهم، (فالغلط جائز عليهم والكذب لغرض خفي) بحيث لا يدركه إلا الأفراد، (جائز عليهم) جوازا عقليا، (فإن العدل أيضا قد يكذب والوهم جائز عليهم) ، ولا مانع من ذلك، (فإنه قد يسبق إلى سمعهم خلاف ما يقوله القائل، وكذا إلى فهمهم) ، وفي بعض النسخ: فإنه قد يسبق إلى فهمهم خلاف ما يقوله القائل، (فهذا ورع لم ينقل مثله عن الصحابة) رضوان الله عليهم، (فما كانوا يستمعونه من عدل) كانت (تسكن نفوسهم إليه) ، وتطمئن بما سمعوه وتلقفوه، (فأما إذا تطرقت تهمة) ، أي: عرض ما يتهم به، (بسبب خاص ودلالة معينة في حق الراوي) لذلك الخبر، (فللتوقف) عن العمل بما رواه (وجه ظاهر، وإن كان عدلا) في نفسه، (وخلاف من خالف في أخبار الآحاد غير معتد به) .
اعلم أن الجمهور على أنه لا يشترط في الصحيح عدد فيحكم بصحة خبر الواحد إذا كان عدلا ضابطا، وذهب المعتزلة [ ص: 73 ] إلى اشتراط العدد كالشهادة، وردوا خبر الواحد، ووافقهم من المحدثين إبراهيم بن علية إلا أنه مهجور القول عند الأئمة لميله إلى الاعتزال، وفي كلام nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم إشارة إليه، وجزم به ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول، وقال أبو علي الجبائي : لا يقبل الخبر إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر، وعضده موافقة ظاهر الكتاب أو ظاهر خبر آخر، ويكون منتشرا بين الصحابة أو عمل به بعضهم، حكاه أبو الحسن البصري في المعتمد، واحتجوا nindex.php?page=hadith&LINKID=64191بقصة ذي اليدين ، فإنه صلى الله عليه وسلم توقف في خبره حتى تابعه عليه غيره; حيث قال: أكما يقول ذو اليدين، فقالوا: نعم . رواه الشيخان، وبأن أبا بكر لم يقبل خبر المغيرة nindex.php?page=hadith&LINKID=81596أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس ، وقال: هل معك غيرك؟ فوافقه محمد بن مسلمة الأنصاري ، فأنفذه لها أبو بكر . رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود .
وبأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لم يقبل خبر nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري nindex.php?page=hadith&LINKID=655776أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له، فليرجع" . وقال: أقم عليه البينة، فوافقه nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري رواه الشيخان، وأجاب الأولون بأن قصة ذي اليدين إنما حصل التوقف في خبره; لأنه أخبر عن فعله صلى الله عليه وسلم وأمر الصلاة لا يرجع المصلي فيه إلى خبر غيره، بل ولو بلغوا حد التواتر فلعله إنما تذكر عند إخبار غيره، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله واحدا واحدا إلى الملوك، ووفد عليه الآحاد من القبائل، فأرسلهم إلى قبائلهم، وكانت الحجة قائمة بأخبارهم عنه مع عدم اشتراط التعدد، وأما توقف أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله عنهما، فلإرادة التثبيت لا لعدم قبول خبر الواحد ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في خبر الاستئذان: إنما سمعت شيئا، فأجبت أن أتثبت ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وقد قبل أبو بكر خبر nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنهما وحدها في قدر كفن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر خبر ابن عوف رضي الله عنهما وحده في أخذه الجزية من المجوس ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وفي الرجوع عن البلد الذي فيه الطاعون أخرجه الشيخان، وخبر الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم من دية زوجها، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود ، وخبر حمل بن مالك بن النابغة في الغرة، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وقد قبل عثمان خبر الفريعة أخت أبي سعيد الخدري في سكنى المعتدة عن الوفاة ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وقبل nindex.php?page=showalam&ids=8علي خبر أبي بكر رضي الله عنهما في صلاة ركعتين لمن أذنب، أخرجه الأربعة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، وقد استدل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره على قبول خبر الواحد بحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في الصحيحين في استدارتهم إلى الكعبة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فقد تركوا قبلة كانوا عليها بخبر واحد، ولم ينكر ذلك عليهم صلى الله عليه وسلم، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس في الصحيحين أيضا في إهراق قلال الخمر، وبحديث إرساله nindex.php?page=showalam&ids=8عليا إلى الموقن بنزول سورة براءة، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وحسنه، وغير ذلك من الأخبار .
قال السيوطي في شرح الألفية: وقد يستدل له من القرآن بقوله تعالى: إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ، فأمر بالتثبيت عند إخبار الفاسق، ومفهومه أنه لا يجب التثبيت عند إخبار العدل، وذلك صادق بالواحد; لأن سبب نزول الآية إخبار الوليد بن عتبة عن بني المصطلق أنهم ارتدوا ومنعوا الزكاة، واعتماد النبي صلى الله عليه وسلم على خبره .
(فصل) :
قال nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كنت إذا حدثني أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم استحلفته، فإن حلف لي صدقته" . أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والأربعة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان .
قال الحافظ ابن حجر في نكته: وهذا الصنيع في الاستحلاف أنكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري صحته عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وعلى تقدير ثبوته فهو مذهب تفرد به، والحامل له على ذلك المبالغة في الاحتياط اهـ. وقال أبو حيان في التفسير عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه: أنه كان يحلف الراوي والشاهد، إذا اتهمهما . وقال المصنف في المنخول في الرد على من أنكر قبول خبر الواحد: فإن قيل روي أن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا كان يحلف الراوي، قلنا: فحلفوا أنتم واقبلوا، ثم كان يحلفه عند التهمة، وكان لا يحلف أعيان الصحابة، والله أعلم .