وقال : اجتنبوا الحكاكات ، ففيها الإثم فإن قيل : فلم قلتم إذا كان الأكثر حراما لم يجز الأخذ مع أن المأخوذ ليس فيه علامة تدل على تحريمه على الخصوص واليد علامة على الملك حتى أن من سرق مال مثل هذا الرجل قطعت يده والكثرة توجب ظنا مرسلا لا يتعلق بالعين فليكن كغالب الظن في طين الشوارع وغالب الظن في الاختلاط بغير محصور ، إذا كان الأكثر هو الحرام ولا يجوز ، أن يستدل على هذا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : دع ما يريبك إلى ما ما لا يريبك ; لأنه مخصوص ببعض المواضع بالاتفاق وهو أن يريبه بعلامة في عين الملك بدليل اختلاط القليل بغير المحصور ، فإن ذلك يوجب ريبة ، ومع ذلك قطعتم بأنه لا يحرم فالجواب إن ، اليد دلالة ضعيفة كالاستصحاب ، وإنما تؤثر إذا سلمت عن معارض قوي .
فإذا تحققنا الاختلاط وتحققنا أن الحرام المخالط موجود في الحال والمآل غير خال عنه وتحققنا أن الأكثر هو الحرام وذلك في حق شخص معين يقرب ماله من الحصر ظهر وجوب الإعراض عن مقتضى اليد ، وإن لم يحمل عليه قوله عليه السلام : دع ما يريبك إلى ما ما لا يريبك ، لا يبقى له محمل إذ لا يمكن أن يحمل على اختلاط قليل بحلال غير محصور إذ كان ذلك موجودا في زمانه وكان لا يدعه وعلى أي موضع حمل هذا كان هذا في معناه .
وحمله على التنزيه صرف له عن ظاهره بغير قياس فإن تحريم هذا غير بعيد عن قياس العلامات والاستصحاب ، وللكثرة تأثير في تحقيق الظن ، وكذا للحصر وقد اجتمعا حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه : لا تجتهد في الأواني إلا إذا كان الطاهر هو الأكثر فاشترط اجتماع الاستصحاب والاجتهاد ، بالعلامة وقوة الكثرة ومن قال يأخذ أي آنية أراد بلا اجتهاد بناء على مجرد الاستصحاب فيجوز الشرب أيضا فيلزمه التجويز ههنا بمجرد علامة اليد ولا يجري ذلك في بول اشتبه بماء إذ لا استصحاب فيه ولا نطرده أيضا في ميتة اشتبهت بذكية إذ لا استصحاب في الميتة واليد لا تدل على أنه غير ميتة ، وتدل في الطعام المباح على أنه ملك فههنا أربع متعلقات استصحاب وقلة ، في المخلوط أو كثرة وانحصار ، أو اتساع في المخلوط وعلامة خاصة في عين الشيء يتعلق بها الاجتهاد ، فمن يغفل عن مجموع الأربعة ربما يغلط ، فيشبه بعض المسائل بما يشبهه فحصل مما ذكرناه أن المختلط في ملك شخص واحد إما أن يكون الحرام أكثره أو أقله ، وكل واحد إما أن يعلم بيقين أو بظن عن علامة أو توهم ، فالسؤال يجب في موضعين وهو أن يكون الحرام أكثر يقينا أو ظنا ، كما لو رأى تركيا مجهولا يحتمل أن يكون كل ماله من غنيمة وإن كان الأقل معلوما باليقين فهو محل التوقف وتكاد تسير سير أكثر السلف وضرورة الأحوال إلى الميل إلى الرخصة وأما الأقسام الثلاثة الباقية فالسؤال واجب فيها أصلا .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه قال: قال عبد الله : "إياكم وحزائز القلوب، وما حز في قلبك من شيء فدعه" ، (فإن قيل: فلم قلتم إذا كان الأكثر حراما لم يجز الأخذ) منه (مع أن المأخوذ) من المال (ليس فيه علامة) قوية (على الملك) ، أو على أنه ملك له (حتى أن من سرق مال مثل هذا الرجل قطعت يده) ; لكونه أخذ من حرز مثله، (والكثرة توجب ظنا مرسلا لا يتعلق بالعين) ، أي: بعين ذلك المال، (فليكن) حكمه (كغالب الظن في طين الشوارع) ، كما تقدم، (وغالب الظن في الاختلاط) إذا كان (بغير محصور، إذا كان الأكثر هو الحرام، ولا يجوز أن يستدل على هذا بعموم قوله:) صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ; لأنه مخصوص ببعض المواقع بالاتفاق) من العلماء، (وهو أن ما يريبه لعلامة في عين الملك) لا في خارجه (بدليل اختلاط القليل بغير المحصور، فإن ذلك يوجب ريبة، ومع ذلك قطعتم) وجزمتم (بأنه لا يحرمه، والجواب) عن هذا (أن اليد دلالة ضعيفة كالاستصحاب، وإنما تؤثر) هذه الدلالة (إذا سلمت عن معارض قوي) ، فأما إذا عارضه ما هو أقوى منه فلا تؤثر، (فإذا تحققنا الاختلاط) بغير المحصور، (وتحققنا أن الأكثر هو الحرام في حق شخص معين يعزب) أي: يخفى (ماله عن الحصر ظهر وجوب الإعراض عن مقتضى اليد، وإن لم يحمل عليه قوله:) صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، لا يبقى له محمل) يحمل عليه; (إذ لا يمكن أن يحمل على اختلاط قليل بحلال غير محصور إذ كان ذلك موجودا في زمانه) صلى الله عليه وسلم، (وكان لا يدعه) أي: لا يتركه، (وعلى أي موضع حمل هذا إذا كان هذا في معناه) ، فإن قلت: فلم لا يجوز أن يحمل ذلك على التنزيه ولا مانع من ذلك، فنقول: قال المصنف: (وحمله على التنزيه صرف له عن ظاهره بغير قياس) معتبر، (فإن تحريم هذا غير بعيد عن قياس العلامات والاستصحابات، وللكثرة تأثير) تام (في تحقيق الظن، وكذا للمحصر) تأثير فيه، (وقد اجتمعا) أي: الكثرة والحصر، (حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة :) رحمه الله تعالى (لا يجتهد في الأواني إلا إذا كان الطاهر هو الأكثر) ، فهذا فيه اعتبار الكثرة، (فاشترط اجتماع الاستصحاب، و) أيضا (الاجتهاد بالعلامة) ، وأيضا (قوة الكثرة) فهي ثلاثة، (ومن [ ص: 88 ] قال يأخذ أي آنية) وهو جمع إناء بالكسر، وما وقع في عبارات الفقهاء باستعماله في موضع الجمع فهو تعسف، وأما الأواني فهو جمع الجمع (بغير اجتهاد) ، فإنه (بني على مجرد الاستصحاب) ، وهو أن الأصل في الماء الطهارة، (فيجوز الشرب أيضا فيلزمه التجويز هنا بمجرد علامة اليد) استصحابا للحلال، (ولا يجري ذلك في بول اشتبه بماء إذ لا استصحاب فيه) ، وإنما خص البول بالذكر لكونه مائعا، فهو أشبه شيء بالماء بخلاف غيره من النجاسات، (فلا نطرده أيضا في ميتة اشتبهت بذكية ) ، أي: مذكاة بالذبح إذ لا استصحاب (في الميتة إذ اليد لا تدل على أنها غير ميتة، وتدل في الطعام المباح على أنه ملك) ، وهذا ظاهر .
(فههنا أربع متعلقات) الأول: (استصحاب، و) الثاني (قلة في المخلوط أو كثرة، و) الثالث (انحصار أو اتساع في المخلوط، و) الرابع (علامة خاصة في عين الشيء يتعلق بها الاجتهاد، فمن يغفل عن مجموع) هذه (الأربع ربما يغلط، فيشبه بعض المسائل بما لا يشبهه) ، فينبغي التأمل في ذلك، (فحصل بما ذكرناه أن المختلط في ملك شخص واحد) معين، (إما أن يكون الحرام أكثره أو أقله، وكل واحد) منهما (إما أن يعلم بيقين أو بظن) ، وذلك الظن إما (عن علامة) خاصة (أو) عن (توهم، فالسؤال يجب في موضعين وهو أن يكون الحرام أكثر يقينا أو ظنا، كما لو رأى تركيا) من الجند (مجهولا) لا يعرف حاله (يحتمل أن يكون كل ماله من غنيمة) استفادها من جهاد الكفار، (ولو كان الأقل معلوما باليقين فهو محل التوقف ويكاد يشير سير أكثر السلف) كما عرف من أحوالهم، (وضرورة الأحوال) مقتضاها (الميل إلى الرخصة) في ذلك. (وأما الأقسام الثلاثة الباقية) مما ذكر، (فالسؤال فيها غير واجب أصلا) ، والله أعلم .