اعلم أن من تاب وفي يده مختلط فعليه وظيفة في تمييز الحرام وإخراجه ، ووظيفة أخرى في مصرف المخرج فلينظر فيهما .
النظر الأول في كيفية التمييز والإخراج .
اعلم أن كل من تاب وفي يده ما هو حرام معلوم العين من غصب أو وديعة أو غيره ، فأمره سهل ، فعليه تمييز الحرام وإن كان ملتبسا مختلطا فلا يخلو إما أن يكون في مال هو من ذوات الأمثال كالحبوب والنقود والأدهان وإما أن يكون في أعيان متمايزة كالعبيد والدور والثياب .
فإن كان في المتماثلات أو كان شائعا في كله كمن اكتسب المال بتجارة يعلم أنه قد كذب في بعضها في المرابحة وصدق في بعضها أو من غصب دهنا وخلطه بدهن نفسه ، أو فعل ذلك في الحبوب أو الدراهم ، والدنانير ، فلا يخلو ذلك إما أن يكون معلوم القدر ، أو مجهولا ، فإن كان معلوم القدر مثل أن يعلم أن قدر النصف من جملة ماله حرام ، فعليه تمييز النصف وإن أشكل فله طريقان أحدهما الأخذ باليقين والآخر الأخذ بغالب الظن ، وكلاهما قد قال به العلماء في اشتباه ركعات الصلاة ونحن لا نجوز في الصلاة إلا الأخذ باليقين فإن ; الأصل اشتغال الذمة فيستصحب ولا يغير إلا بعلامة قوية ، وليس في أعداد الركعات علامات يوثق بها وأما ههنا ، فلا يمكن أن يقال : الأصل أن ما في يده حرام ، بل هو مشكل فيجوز له الأخذ بغالب الظن اجتهادا ، ولكن الورع في الأخذ باليقين فإن أراد الورع فطريق التحري والاجتهاد أن لا يستبقي إلا القدر الذي يتيقن أنه حلال ، وإن أراد الأخذ بالظن ، فطريقه مثلا أن يكون في يده مال تجارة فسد بعضها فيتيقن أن النصف حلال ، وأن الثلث مثلا حرام ويبقى سدس يشك فيه فيحكم فيه بغالب الظن ، وهكذا طريق التحري في كل مال ، وهو أن يقتطع القدر المتيقن من الجانبين في الحل والحرمة والقدر المتردد فيه إن غلب على ظنه التحريم أخرجه .
(اعلم أن من تاب) إلى الله تعالى مما ارتكبه من المخالفات، (وفي يده مال مختلط) بعضه حلال وبعضه حرام، (فعليه وظيفة في تمييز الحرام) عن ماله، (وإخراجه، ووظيفة في تصرف المخرج فلينظر فيهما) أي: الوظيفتين، (النظر الأول في كيفية التمييز والإخراج، اعلم أن كل من تاب وفي ماله ما هو حرام معلوم العين من غصب) أو نهب، (أو وديعة أو غير ذلك، فأمره سهل، فعليه تمييز الحرام) ، وإخراجه، (وإن كان ملتبسا مختلطا) مع بعضه، (فلا يخلو ذلك إما أن يكون في مال هو من ذوات الأمثال كالحبوب والبقول والأدهان) وتسمى هذه متماثلات، (وإما أن يكون في أعيان متمايزة كالعبيد والثياب والدور، فإن كان من المتماثلات أو كان شائعا في المال كله كمن اكتسب المال من تجارة علم) ، وفي نسخة: يعلم، (أنه قد كذب في بعضها في المرابحة) ، وفي نسخة: بالمرابحة، (وصدق في بعضها أو من غصب دهنا وخلطه بدهن نفسه، أو فعل ذلك في الحبوب، أو في الدراهم والدنانير، فلا يخلو ذلك إما أن يكون معلوم القدر، أو مجهوله، فإن كان معلوم القدر مثل أن يعلم أن قدر النصف من جملة ماله حرام، فعليه) حينئذ (تمييز النصف وإن أشكل) أمره (فله طريقان إحداهما الأخذ باليقين والأخرى الأخذ بغالب الظن، وكلاهما قد قال به العلماء في) مسألة (اشتباه ركعات الصلاة) ، أي: إذا اشتبه على المصلي أنه هل صلى ثلاثا أو أربعا، أو أقل، (ونحن لا نجوز في الصلاة إلا الأخذ باليقين; لأن الأصل اشتغال الذمة فيستصحب ولا يغير إلا بعلامة قوية، وليس في أعداد الركعات علامات يوثق بها، أما هنا فلا يمكن أن يقال: الأصل أن ما في يده حرام، بل هو مشكل فيجوز الأخذ بغالب الظن اجتهادا، ولكن الورع في الأخذ باليقين) دون الأخذ بغالب الظن، (فإن أراد الورع فطريق التحري والاجتهاد أن لا يستبقي) عنده (إلا القدر الذي يتيقن) في نفسه (أنه حلال، وإن أراد الأخذ بالظن، فطريقه مثلا أن يكون في يده مال تجارة قد فسد بعضها فيتعين أن النصف) منه (حلال، وأن الثلث) منه (مثلا حرام ويبقى) منه (سدس يشك فيه) ، هل هو حلال أو حرام؟ (فنحكم فيه بغالب الظن، وهكذا طريق التحري في كل مال، وهو أن يقتطع القدر المتيقن من الجانبين في الحل والحرمة [ ص: 96 ] والقدر المتردد فيه إن غلب على ظنه التحريم أخرجه) ، ولم يجز له الإمساك .