ثم اعلم أن صفات الله تعالى على ثلاثة أقسام: نفسية وسلبية ومعان، ومن أثبت الأحوال زاد المعنوية، فالصفة النفسية الوجود، وهي الحال الواجب للذات ما دامت الذات غير معللة بعلة، فخرج من قوله: الحال، المعاني والسلبية، ومن قوله: غير معللة، الأحوال المعنوية، ككون الذات عالمة وقادرة ومريدة مثلا؛ فإنها معللة بقيام العلم والقدرة والإرادة بالذات، وأما القسم الثاني فهو خمس صفات: القدم والبقاء ومخالفته تعالى للحوادث، أي: لا يماثله شيء منها مطلقا، لا في الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال، وقيامه تعالى بنفسه، أي: غير مفتقر إلى محل ومخصص، والوحدانية، وهي سلب التعدد في الذات وفي الصفات وفي الأفعال; قد أشار المصنف إلى كل ذلك تصريحا تارة، وتلميحا أخرى، ولما فرغ منها شرع في بيان صفات المعاني، ويقال لها أيضا: صفات الذات، وصفات الإكرام، وصفات الثبوت، وتقديم السلبية عليها من باب تقديم التخلية على التحلية، وإنما سميت صفات المعاني لأنها صفات موجودة في نفسها، وكل صفة موجودة في نفسها تسمى صفة معنى; لأنها معان زائدة على معنى الذات العلية، وعند المتقدمين لا فرق بين المعاني والمعنوية .
قال المصنف رحمه الله: (القدرة) وهي صفة أزلية تؤثر في الممكن عند تعلقها به إيجادا أو إعداما (وأنه) تعالى (حي) بحياة هي صفة أزلية له، لا يجوز عدمها، ولا زال حيا أبدا، وليست حياته عن روح، ولا عن لحمية ورطوبة، ولا عن تركيب، ولا عن نفس، ولا عن سبب يوجب حدوثا أو عيا، وهذه الصفة الرابعة من صفات المعاني في تعبير المتأخرين، أوردها المصنف في ضمن صفة القدرة .
(قادر) بقدرة هي صفة أزلية، ولا يزال قادرا أبدا (جبار) قيل: معناه الذي جبر الخلق على ما أراده من أمره، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج، وقيل: معناه جابر كل كسير، وقيل: هو القاصم للجبابرة والطغاة، والمبيد للظلمة والعتاة، وقيل: معناه ذو الجبروت، وقيل: معناه الذي يتعظم ويتعاظم، وقال ابن الأنباري: هو الذي لا ينال، أي: هو المتعالي عن أن يدرك بحد، وقيل: معناه القهار، ومنه قوله: وما أنت عليهم بجبار ، أي: قهار، قال nindex.php?page=showalam&ids=16392أبو منصور البغدادي: إن أخذ من معنى الامتناع عن أن ينال بحد أو تشبيه، فهو إذا من الصفات الذاتية التي استحقها لنفسه، وإن أخذ من معنى الإجبار الذي هو الإكراه على ما أراده من أمر، أو من معنى جبر الكسر، أو من معنى القهر والغلبة فهو إذا من أوصافه التي استحقها لفعله دون ذاته .
(قاهر) أي: غالب على أمره، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد (لا يعتريه قصور ولا عجز) خلافا للثنوية والمجوس والقدرية (ولا تأخذه سنة ولا نوم) تعالى الله عن ذلك كله؛ فالقهر صفة فعل، بمعنى الغلبة، فيكون القاهر من أوصافه المشتقة من أفعاله، ولا يكون من أوصافه الأزلية، وتأوله بعضهم على معنى القدرة، وعلى هذا يكون في الأزل قاهرا، كما كان في الأزل قادرا، والأول أصوب، والمعنى أن الله تعالى هو الذي قهر الجبابرة في الدنيا بالدمار، ويقهر جميع أعدائه في الآخرة بالبوار، وهذه الجمل الثلاثة مسوقة لإيضاح الأسماء الأربعة، أي: من كان متصفا في الأزل بهذه الأوصاف يستحيل عليه طرو القصور والعجز والغفلة ومعارضة الفناء والموت (وأنه ذو الملك) هو عالم الشهادة من المحسوسات الطبيعية (والملكوت) هو عالم الغيب المختص بأرواح النفوس، وقيل: هما مصدران، والمعنى: [ ص: 27 ] الله تعالى هو المالك حقيقة، وكل مالك سواه فإنما يصير مالكا لمملوكه بتمليك الله -عز وجل- إياه من وجه مأذون فيه، والله سبحانه وتعالى هو الذي وجد ما أوجد، وأعدم ما أعدم منها، فمنه بدأ كل مملوك وإليه يعود .