الغائلة الأولى أن يظن السلطان بسبب أخذك أن ماله طيب ولولا أنه طيب لما كنت تمد يدك إليه ولا تدخله في ضمانك ، فإن كان كذلك فلا تأخذه فإن ذلك محذور ولا يفي الخير في مباشرتك التفرقة بما يحصل لك من الجراءة على كسب الحرام .
. الغائلة الثانية : أن ينظر إليك غيرك من العلماء والجهال فيعتقدون أنه حلال فيقتدون بك في الأخذ ويستدلون به على جوازه ، ثم لا يفرقون ، فهذا أعظم من الأول فإن جماعة يستدلون بأخذ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه على جواز الأخذ ويغفلون عن تفرقته وأخذه على نية التفرقة فالمقتدي والمتشبه به ينبغي أن يحترز عن هذا غاية الاحتراز ، فإنه يكون فعله سبب ضلال خلق كثير .
وقد حكى وهب بن منبه إن رجلا أتي به إلى ملك بمشهد من الناس ليكرهه على أكل لحم الخنزير فلم يأكل ، فقدم إليه لحم غنم وأكره بالسيف ، فلم يأكل فقيل له في ذلك ، فقال : إن الناس قد اعتقدوا أني طولبت بأكل لحم الخنزير فإذا خرجت سالما ، وقد أكلت فلا يعلمون ماذا أكلت فيضلون .
ودخل وهب ابن منبه nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس على محمد بن يوسف أخي الحجاج وكان عاملا وكان في غداة باردة في مجلس بارز ، فقال لغلامه : هلم ذلك الطيلسان وألقه على أبي عبد الرحمن أي : طاوس وكان قد قعد على كرسي فألقي عليه فلم يزل يحرك كتفيه حتى ألقى الطيلسان عنه فغضب محمد بن يوسف فقال وهب : كنت غنيا عن أن تغضبه لو أخذت الطيلسان وتصدقت به قال : نعم لولا أن يقول من بعدي إنه أخذه nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ولا يصنع به ما أصنع به إذن ، لفعلت .
الغائلة الثالثة أن يتحرك قلبك إلى حبه لتخصيصه إياك وإيثاره لك بما أنفذه إليك ، فإن كان كذلك فلا تقبل ذلك هو السم القاتل والداء الدفين أعني ما يحبب الظلمة إليك فإن من أحببته لا بد أن تحرص عليه وتداهن فيه .
(الغائلة الثالثة أن يتحرك قلبك إلى حبه) والميل إليه، (لتخصيصه إياك) دون غيرك، (وإيثاره لك بما أنفذه إليك، فإن كان كذلك فلا تقبل) منه أبدا، (فإن ذلك هو السم القاتل) [ ص: 147 ] لدقته، (والداء الدفين) الذي أعيا منه الأطباء (أعني ما يحبب الظلمة إليك فإن ما أحببته لا بد وأن تحرص عليه وتداهن فيه) بمقتضى الطبع البشري، (قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها ترفعه) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جبلت النفوس) أي: خلقت وطبعت، وفي رواية: القلوب، (على حب من أحسن إليها) بقول أو فعل، وبغض من أساء إليها، وذلك لأن الآدمي مركب على طبائع شتى وأخلاق متباينة، والشهوات فيه مركبة، ومن رؤوس الشهوات نيل المنى وقضاء الوطر، فمن بلغ نفس غيره مرامها، فلنفسه أقامها، فإذا أحسن إليها صفت وصارت طوعا له، وإلا فهي كالمكره، فاستبان أن الألفة إنما تتم ببر النفوس كأنها تقول: شأني اللذات لا الطاعات، فهل يبر بي أحد حتى أحبه .
قول المصنف: قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إلى آخره: هذا غلط، فإنه ما روي إلا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، ولم أر أحدا من الحفاظ نسبه إلى nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة مطلقا، وقوله ترفعه مع غلطه فيه اختلاف، هل هو مرفوع أو موقوف على nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من قوله كما سيأتي بيان ذلك، ثم وجدت بعد ذلك في كتاب المقاصد nindex.php?page=showalam&ids=14467للحافظ السخاوي أن هذا الحديث أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15007القضاعي مرفوعا من جهة ابن عائشة ، فظهر لي أن المصنف رحمه الله تعالى سبق نظره إلى nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، فظن أنها هي أم المؤمنين، وليس كذلك، وابن عائشة رجل محدث من رجال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، واسمه عبيد الله بن محمد بن حفص بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي القرشي ، يقال له: ابن عائشة نسبة إلى nindex.php?page=showalam&ids=16270عائشة بنت طلحة ; لأنه من ذريتها، وسيأتي سياق nindex.php?page=showalam&ids=15007القضاعي ، ولما رأى العراقي هذا مع ما فيه من الوقف والرفع لم يخرجه في كتابه المغني، وأما تخريجه فقد أخرجه هكذا بلفظ: جبلت القلوب، وبزيادة الجملة الأخيرة nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الحلية nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ في كتاب الثواب، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في روضة العقلا، nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب في التاريخ، وآخرون، كلهم من طريق إسماعيل بن أبان الخياط ، قال: بلغ الحسن بن عمارة أن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش وقع فيه، فبعث إليه بكسوة، فمدحه nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، فقيل nindex.php?page=showalam&ids=13726للأعمش : ذممته ثم مدحته، فقال: إن خيثمة حدثني عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال: جبلت، فذكره، وهكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في الكامل، ومن طريقه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الشعب، وابن الجوزي في العلل، لكن مرفوعا وقال: لا يصح، فالخياط مجرح، وقال يحيى : كذاب، وقال الشيخان nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني : متروك، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : يضع على الثقات، وفي اللسان قال الأزدي : هذا الحديث باطل، وإسماعيل الخياط كوفي زائغ، وقال الحافظ السيوطي في الجامع الصغير بعد أن أقر لابن عدي nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبي نعيم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، وصحح nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وقفه اهـ، أي: على nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وزاد فقال: إنه المحفوظ. وقال nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي : المعروف وقفه، وتبعه الزركشي ، وأورده السيوطي في الجامع الكبير ورمز nindex.php?page=showalam&ids=12181لأبي نعيم عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال: وأخرجه العسكري في الأمثال من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14467الحافظ السخاوي في المقاصد: وقول nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي ثم nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أن الموقوف معروف عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش يحتاج إلى تأويل، فإنهما أورداه كذلك بسند فيه من اتهم بالكذب والوضع بسياق أجل nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن مثله، وهو أنه لما ولي الحسن بن عمارة مظالم الكوفة بلغ nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش فقال: ظالم ولي مظالمنا، فبلغ الحسن فبعث إليه بأثواب ونفقة، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش مثل هذا: ولي علينا يرحم صغيرنا ويعود على فقيرنا ويوقر كبيرنا، فقال له رجل: يا أبا محمد ما هذا قولك فيه أمس، فقال: حدثني خيثمة وذكره موقوفا، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15007القضاعي مرفوعا من جهة ابن عائشة ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، رجل من قريش قال: كنت عند nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، فقيل: إن الحسن بن عمارة ولي المظالم فقال nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : يا عجبا من ظالم، ما للحائك ابن الحائك والمظالم، فخرجت فأتيت الحسن فأخبرته، فقال: علي بمنديل وأثواب فوجه بها إليه، فلما كان من الغد بكرت إلى nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش فقلت: أجرى الحديث، قبل أن يجتمع الناس فأجريت ذكره فقال: بخ بخ هذا الحسن بن عمارة ولي العمل وما زانه فقلت: بالأمس قلت ما قلت، واليوم تقول هذا؟ فقال: دع هذا عنك .
حدثني خيثمة عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود مرفوعا، فقد كان رحمه الله زاهدا ناسكا تاركا للدنيا حتى وصفه القائل بقوله: ما رأيت الأغنياء والسلاطين عند أحد أحقر منهم عنده مع فقره وحاجته. وقال آخر: صبور مع فقره مجانب للسلطان ورع عالم بالقرآن، اهـ. كلام nindex.php?page=showalam&ids=14467السخاوي .
قلت: وأورده هكذا العسكري في الأمثال إلا أنه قال حدثني خيثمة عن [ ص: 148 ] nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: جبلت، وذكره، وفي رواية ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13726للأعمش الحسن بن عمارة فقال: بالأمس يطفف في المكيال والميزان واليوم ولي أمور المسلمين، فلما كان جوف الليل بعث إليه ابن عمارة بصرة وتخت ثياب، فلما أصبح أثنى عليه وقال: ما عرفته إلا من أهل العلم، فقيل له في ذلك، فقال: دعوني عنكم، ثم ذكره، وإذا عرفت ذلك ظهر لك أن الحديث له أصل. وطريق nindex.php?page=showalam&ids=15007القضاعي والعسكري ليس فيه من اتهم بالوضع، فلا يكون باطلا .