والتفصيل أن يلاحظ فيه خمس صفات الصلاح والفقر وزي الصوفية وأن لا يكون مشتغلا بحرفة وأن يكون مخالطا لهم بطريق المساكنة في الخانقاه .
ثم بعض هذه الصفات مما يوجب زوالها زوال الاسم وبعضها ينجبر بالبعض فالفسق يمنع الاستحقاق لأن الصوفي بالجملة عبارة عن رجل من أهل الصلاح بصفة مخصوصة فالذي يظهر فسقه وإن كان على زيهم لا يستحق ما أوصى به للصوفية ولسنا نعتبر فيه الصغائر .
وأما الحرفة والاشتغال بالكسب فإنه يمنع هذا الاستحقاق فالدهقان والعامل والتاجر والصانع في حانوته أو داره ، والأجير الذي يخدم بأجرة ، كل هؤلاء لا يستحقون ما أوصي به للصوفية ولا ينجبر هذا بالزي والمخالطة فأما الوراقة والخياطة وما يقرب منهما مما يليق بالصوفية تعاطيها فإذا تعاطاها لا في حانوت ولا على جهة اكتساب وحرفة فذلك لا يمنع الاستحقاق ، وكان ذلك ينجبر بمساكنته إياهم مع بقية الصفات ، وأما القدرة على الحرف من غير مباشرة فلا تمنع وأما الوعظ والتدريس ، فلا ينافي اسم التصوف إذا وجدت بقية الخصال من الزي والمساكنة والفقر إذ لا ، يتناقض أن يقال صوفي مقرئ وصوفي واعظ ، وصوفي عالم أو مدرس ، ويتناقض أن يقال : صوفي تاجر ، وصوفي عامل وأما الفقر فإن زال بغنى مفرط ينسب الرجل إلى الثروة الظاهرة فلا يجوز معه أخذ وصية الصوفية وإن ، كان له مال ولا يفي دخله بخرجه لم يبطل حقه وكذا إذا كان له مال قاصر عن وجوب الزكاة وإن لم يكن له خرج ، وهذه أمور لا دليل لها إلا العادات .
وأما المخالطة لهم ومساكنتهم فلها أثر ولكن من لا يخالطهم وهو في داره أو في مسجد على زيهم ومتخلق بأخلاقهم ، فهو شريك في سهمهم وكأن ترك المخالطة يجبرها ملازمة الزي ، فإن لم يكن على زيهم ووجد فيه بقية الصفات فلا يستحق إلا إذا كان مساكنا لهم في الرباط فينسحب عليه حكمهم بالتبعية .
فالمخالطة والزي ينوب كل واحد منهما عن الآخر .
والفقيه الذي ليس على زيهم هذا حكمه ، فإن كان خارجا لم يعد صوفيا ، وإن كان ساكنا معهم ووجدت بقية الصفات لم يبعد أن ينسحب بالتبعية عليه حكمهم .
وأما لبس المرقعة من يد شيخ من مشايخهم فلا يشترط ذلك في الاستحقاق ، وعدمه لا يضره مع وجود الشرائط المذكورة .
وأما المتأهل المتردد بين الرباط والمسكن ، فلا يخرج بذلك عن جملتهم .
(والضابط الكلي أن كل من هو بصفة إذا نزل في خانقاه الصوفية لم يكن نزوله فيها عليهم واختلاطه بهم منكرا عندهم فهو داخل في غمارهم ) بالفتح والضم، أي: جملتهم، فهذا هو الضابط الكلي في معرفته على الإجمال، (والتفصيل) فيه (أن يلاحظ فيه خمس صفات) ، أولهن (الصلاح) وهو اسم جامع في الأقوال والأفعال والأحوال، (و) الثاني (الفقر) ، وهو فقد ما هو محتاج إليه، فإن فقد ما لا حاجة له إليه لا يسمى فقيرا، (و) الثالث (زي الصوفية ) من التقصير في الملابس مع الترقيع فيها وضيق الأكمام ولبس القلنسوة من الصوف، ودراعة صوف، وحمل الإبريق والمشط والسواك وغير ذلك مما يختلف باختلاف الزمان والأمكنة والأشخاص، (و) الرابع (أن لا يكون مشتغلا بحرفة) وكسب، (و) الخامس (أن يكون مخالطا لهم بطريق المساكنة في الخانقاه) أي: خلطة السكنى فقط، ثم (بعض هذه الصفات مما يوجب زوالها زوال الاسم وبعضها ينجبر بالبعض فالفسق يمنع هذا الاستحقاق) ، فلا يكون الفاسق صوفيا; (لأن الصوفي بالجملة عبارة عن رجل من أهل الصلاح بصفة مخصوصة) على هيئة مخصوصة، (فالذي يظهر فسقه وإن كان على زيهم) ولبسهم (لا يستحق مما أوصى به للصوفية ولسنا نعتبر فيه) أي: في الفسق هنا ارتكاب الذنوب (الصغائر) ، كما هو المتعارف، وأكثر ما يقال: الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأخل بأحكامه، (وأما الحرفة والاشتغال بالكسب يمنع هذا الاستحقاق فالدهقان) معرب يطلق على رئيس القرية، وعلى من له مال وعقار والدال مكسورة وتضم، (والعامل) على القرى والضياع، (والتاجر والصانع في حانوته أو داره، والأجير الذي يخدم بالأجرة، كل هؤلاء لا يستحقون ولا ينجبر هذا بالزي والمخالطة) أي: ولو كانوا متميزين بزيهم ويخالطونهم لا يستحقون، (فأما الوراقة) وهي بالكسر صنعة الوراق، والمراد به النساخ بالأجرة أو الذي يجلد كتب العلم، (والخياطة) معروفة، (وما يقرب منها مما يليق بالصوفية تعاطيها) ، ولا عار عليهم فيه، (فإذا تعاطاها في حانوته لا على جهة الاكتساب) ، وفي نسخة: لا في حانوته، ولا على جهة الاكتساب وحرفة، (فذلك لا يمنع الاستحقاق، وكان ذلك ينجبر بمساكنته إياهم مع بقية الصفات، وأما القدرة على الحرف ومعرفتها من غير مباشرة لا تمنع) الاستحقاق، (وأما الوعظ والتدريس والإقراء، فلا [ ص: 156 ] ينافي اسم التصوف إذا وجدت بقية الخصال من الزي والمساكنة والفقر، فلا يتناقض أن يقال صوفي) مقرئ يجود القرآن، (وصوفي واعظ، وصوفي عالم ومدرس، ويتناقض أن يقال: صوفي دهقان، وصوفي تاجر وصوفي عامل) للأمراء، (وأما الفقر فإن زال بغنى مفرط ينسب الرجل به إلى الثروة الظاهرة) ، أي: كثرة المال، (فلا يجوز معه أخذ ما أوصى به للصوفية ، فإن كان له مال لا يفي دخله بخرجه) بأن يكون المخروج أكثر من المدخول (لم يبطل حقه) ، فيما أوصى به، (وهكذا إذا كان له مال قاصر عن وجوب الزكاة) ، فإنه كذلك لا يبطل حقه، (وإن لم يكن له خرج، وهذه أمور لا دليل عليها إلا العادات، وأما المخالطة معهم ومساكنتهم فلها أثر) في ثبوت الاستحقاق، (ولكن من لا يخالطهم وهو في داره أو في مسجده) حال كونه (على زيهم) وشكلهم، (ومتخلق بأخلاقهم، فهو شريك في سهامهم) ; لأن عدم المخالطة لا يؤثر في إبطال النصيب، (وكان ترك المخالطة يجبرها ملازمة الزي، فإن لم يكن على زيهم ووجدت بقية الصفات فلا يستحق إلا إذا كان مساكنا لهم في) الخانقاه، أو (الرباط فينسحب عليه حكمهم بالتبعية، فالمخالطة والزي ينوب كل واحد منهما عن الآخر، والفقيه الذي على زيهم هذا حكمه، فإن كان خارجا) عن الرباط (لم يعد صوفيا، وإن كان ساكنا معهم ووجدت بقية الصفات) من الفقر والخلطة، وعدم الاكتساب (لم يبعد أن ينسحب بالتبعية عليه حكمهم، وأما لبس المرقع) وهو القميص الذي يخيط عليه المرقع ألوانا مختلفة، ويسمى بالدلق (من يد شيخ من مشايخهم) عند وداعه من الشيخ، هكذا كانت عادة مشايخ الصوفية ، (فلا يشترط ذلك في الاستحقاق، وعدمه لا يضره مع وجود الشرائط المذكورة) إلا أنه إن وجد فيهم من لبس من يد شيخه، فهذا علامة كماله المنبئ عن كمال الاستحقاق، (وأما المتأهل) أي: المتزوج (المتردد بين الرباط والمسكن، فلا يخرج بذلك عن جملتهم) سواء كان في كل ليلة يتردد إلى المسكن أو في كل أسبوع مرة أو مرتين، إلا أنه يؤمر بالتقلل إلا عند الضرورة .