ولا قوة له على طاعته إلا بمشيئته وإرادته فلو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته لعجزوا ، عن ذلك .
وأن إرادته قائمة بذاته في جملة صفاته لم يزل كذلك موصوفا بها .
الدليل على شمول إرادته جميع المرادات قيام الدلالة على أنها صفة له أزلية، والصفة الأزلية تعم جميع ما يتعلق بها من الاشتقاق، كالعلم والقدرة، وإذا صح لنا كونها أزلية، وجب أن تكون إرادة لكل مراد على الوجه الذي أراده، وما يدل على صحة قولنا في هذه المسألة أنه لو جاز حدوث ما لا يريده الله تعالى، وجاز أن يريد شيئا، فلا يتم مراده كما قالت القدرية، لأدى ذلك إلى إبطال دلالة التمانع على توحيد الصانع; وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
(لا راد) أي: لا دافع ولا مانع ولا صارف (لأمره) الذي شاء (ولا معقب لقضائه) وحكمه، أي: لا متبع له ولا مكر له بنقض، والمعقب الذي يكر على الشيء ويتبعه؛ لينظر ما فيه من الخلل لينقضه، وقيل: معناه لا يقضي بعد قضائه قاض، وقيل: معناه: لا أحد يتعقبه ويبحث عن فعله (لا مهرب لعبد عن معصيته) ومخالفة أمره (إلا بتوفيقه له، ورحمته، ولا قوة له على طاعته) وإتيان مأموراته (إلا بمشيئته وإرادته) ، وهذا هو تفسير "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وفي هذا السياق إشارة إلى أن المحبة والإرادة شيء واحد، وهو مذهب المصنف، وعند الماتريدية فرق بينهما، وسيأتي بيان ذلك .
(لو اجتمع الجن والإنس والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته، عجزوا عن ذلك) فلا يجري في ملكه شيء إلا بمشيئته في أقضيته ومراداته سبحانه جل شأنه (وإن إرادته صفة أزلية قائمة بذاته) أراد بها مراداته (في جملة صفاته) كالعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام (لم يزل كذلك موصوفا بها) في الأزل، كما لم يزل عالما بعلم [ ص: 29 ] محيط بجميع المعلومات على التفصيل، وكما أنه لم يزل قادرا بقدرة شاملة لجميع المقدورات على التفصيل، سامعا بسمع، رائيا برؤية، محيط بجميع المسموعات والمرئيات على التفصيل .