ولا يغيب عن رؤيته مرئي ، وإن دق ولا يحجب سمعه بعد ولا يدفع ، رؤيته ظلام .
يرى من غير حدقة وأجفان ويسمع من غير أصمخة وآذان كما يعلم بغير قلب ، ويبطش بغير جارحة ، ويخلق بغير آلة إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق ، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق .
(وأنه تعالى سميع بصير، يسمع ويرى، ولا يعزب) أي: لا يغيب (عن سمعه مسموع وإن خفي) كوقع أرجل النملة على الأجسام اللينة، وكلام النفس؛ فإنه تعالى يسمع كلا منهما (ولا يغيب عن رؤيته مرئي، وإن دق) كالذرة في الهواء، يسمع النداء، ويجيب الدعاء (ولا يدفع سمعه بعد، ولا يحجب سمعه بعد، ولا يدفع رؤيته ظلام) بل (يرى من غير حدقة) يقلبها (ولا أجفان) يحركها، تعالى الله عن ذلك (ويسمع من غير أصمخة) جمع صماخ، بالكسر، وهو الثقب الذي في الأذن (ولا آذان) كما أنه تعالى (يعلم بغير) دماغ و (قلب، ويبطش بغير جارحة، ويخلق بغير آلة) منزه عن سمات البرايا (إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذات الخلق) أي: ليس علمه كعلم المخلوق المختلف في محله: أهو الدماغ أو القلب؟ ولا كسمع المخلوق الذي هو بقوة مودعة في مقعر الصماخ، يتوقف إدراكها للأصوات على حصول الهواء الموصل لها إلى الحاسة، وتأثير الحاسة، ولا كبصر المخلوق الذي هو قوة مودعة في العصبتين المجوفتين الخارجتين من الدماغ .
فلذلك لم تشبه صفاته صفات الخلق، كما لم تشبه ذاته ذات الخلق; لما ثبت تنزيهه وتقديسه عما لا يليق به -جل جلاله .
قال المنجوري في "حواشيه على الصغرى"، والفجيجي على "أم البراهين": إن السمع والبصر ليس لهما إلا تعلق واحد تنجيزي، وهو ينقسم إلى قسمين: تنجيزي قديم، كانكشاف ذات الله تعالى، وصفاته الوجودية له فيما لا يزال، فحينئذ ليس لها تعلق صلاحي؛ لقولهم: إن صفة الانكشاف لا صلاحي لها علما وسمعا وبصرا وإدراكا، وأفهم قوله: "المتعلقان بجميع الموجودات"، أنهما لا يتعلقان بالمعدومات، ولو كانت ممكنة، قال شيخ مشايخنا: وهذه المسألة مما [ ص: 30 ] خولف فيها الشيخ السنوسي، أعني: تعلق السمع والبصر بخصوص الموجود، وقد سبقه إلى ذلك الفخر والإمام والشهرستاني في "النهاية"، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري، وسيأتي لذلك تحقيق .