ويكفيك تنبيها على كمال الرتبة في ستر القبيح وإظهار الجميل أن الله تعالى وصف به في الدعاء فقيل يا من أظهر الجميل وستر القبيح .
والمرضي عند الله من تخلق بأخلاقه فإنه ستار العيوب وغفار الذنوب ومتجاوز عن العبيد فكيف لا تتجاوز أنت عمن هو مثلك أو فوقك وما هو بكل حال عبدك ولا مخلوقك وقد قال عيسى عليه السلام للحواريين كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائما وقد كشف الريح ثوبه عنه ؟ قالوا : نستره ونغطيه ، قال بل : تكشفون عورته قالوا : سبحان الله من ! يفعل هذا فقال ؟! : أحدكم يسمع بالكلمة في أخيه فيزيد عليها ويشيعها بأعظم منها .
وقيل: الأول: التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو بغيره، والثاني: أن يتولاه بنفسه، وقيل: الأول يخص الشر، والثاني أعم، وقوله: "ولا تقاطعوا" قال ابن العربي في المعارضة: المقاطعة ترك الحقوق الواجبة بين الناس تكون عامة وتكون خاصة، والتدابر: أن يولي كل منهما صاحبه دبره محسوسا بالأبدان ومعقولا بالعقائد والآراء والأقوال. انتهى .
وقوله: كونوا عبادا لله إخوانا، بحذف حرف النداء؛ أي: يا عباد الله إخوانا، أي: اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما ذكر وغيره، فإذا تركتم ذلك كنتم إخوانا وإذا لم تتركوه صرتم أعداء (فستر العيوب والتجاهل والتغافل عنها سمة) أي: علامة (أهل الدين) ويستثنى منه ما لو تعين منه طريقة لإنقاذ محترم من هلاكه أو نحوه كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلى برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيشرع التجسس كما نقله النووي عن الأحكام السلطانية واستجاده (ويكفيك تنبيها على كمال الرتبة في ستر القبيح وإظهار الجميل أن الله وصف به في الدعاء فقيل له) ولفظ القوت: ومن علامة التقى حسن المقال عند التطرق، وجميل البشر بعد التقاطع، أنشدنا بعض العلماء لبعض الحكماء:
إن الكريم إذا تقضى وده يخفي القبيح ويظهر الإحسانا وترى اللئيم إذا تصرم حبله يخفي الجميل ويظهر البهتانا
فوصف الكريم في هذا المعنى التخلق بخلق الربوبية، ألم تسمع إلى الدعاء المأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أوله: (يا من أظهر الجميل وستر القبيح) ولم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر. انتهى .
(والمرضي عند الله من تخلق بأخلاقه) وتحلى بأوصافه (فإنه) - عز وجل- (ستار العيوب وغفار الذنوب ومتجاوز عن العبد) لا يؤاخذ على الجريرة (فكيف لا تتجاوز أنت) أيها المؤمن (أيضا عمن هو مثلك) في القدر والمقام (أو فوقك وما هو بكل حال عبدك ولا مخلوقك) وإنما أنت وإياه في العبودية سواء؛ فليس من حقيقة الصداقة أن تؤاخذه بعيوبه؛ كيف (وقد قال عيسى -عليه السلام- للحواريين) من أصحابه (كيف تصنعون إذا [ ص: 215 ] رأيتم أخاكم نائما وقد كشفت الريح عنه ثوبه؟ قالوا: نستره ونغطيه، قال: فإنكم تكشفون عورته) ، ولفظ القوت: بل تكشفون عورته (فقالوا: سبحان الله! ومن يفعل هذا؟! قال: أحدكم يسمع منه) ولفظ القوت: (في أخيه الكلمة فيزيد عليها ويشيعها) أي: يتبعها (بأعظم منها) كما في القوت، وزاد: وهذا مخرجه من الحسد الكائن في النفس والغل المستكن في القلب أن يزيد على الشيء مما يسمع ويتبعه بمثله، فيظهر هذا غله، وهذا هو الذي استعاذ منه المؤمنون في قوله: ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا .