والمودة الدائمة هي التي تكون في الله وما يكون لغرض يزول بزوال ذلك الغرض .
(والمودة الدائمة) في الحياة وبعدها (هي التي تكون في الله وما يكون لغرض يزول بزوال الغرض) فإن من أحب إنسانا لشيء كرهه عند انقطاعه، ولفظ القوت: فأدل ما تصح له المحبة في الله -عز وجل- أن لا يكون أصل ذلك من محبة لأجل معصية ولا على حظ من دنياه ولا لأجل ارتفاقه به اليوم ولا لمنافعه منه ومصالحه، ولا يكون ذلك مكافأة على إحسان أحسن به إليه ولا لنعمة يجزيه عليها لمحبته له ولا لأجل هوى بينه وبينه، فليس هذا طريقا إلى الله تعالى، فإذا سلم من هذه المعاني الثلاث فهي إذا محبة ومؤاخاة في الله -عز وجل- فإن أحبه لأخلاقه اللازمة فيه ومعانيه الكائنة به لم يخرجه ذلك من الحب لله -عز وجل- ولا يقع في الأخوة، ولأن هذه سيماء ثابتة فيه، مثل أن يحبه لحسن خلقه وكثرة عمله وعلمه وحلمه ولحسن عقله ولوجود الأنس به والائتلاف الذي جعله الله -عز وجل- بينه وبينه، فإنما يخرجه عن حقيقة الحب في الله -عز وجل- أن يحبه داخلا بينه وبينه وليجة بين الدنيا والآخرة لما يفضل عنه ولم تكن سيماء متصلة به مثل الإنعام والإفضال عليه، ومثل الارتفاق والإحسان إليه؛ فهذا الحب لا يمنع القلب من وجده؛ لأنه جبل على حب من أحسن إليه، وليس يأثم ولا يعصى بوجود هذه المحبة لمكان هذه الأسباب المعروفة، كما أنه إذا أساء إليه وجد بغضه له فلا يأثم على هذا البغض ما لم يخرجه ذلك إلى أذى يوجب عليه حكما إلا أن هذين المعنيين يخرجان عن حقيقة الحب لله -عز وجل- لأنه لا يكون محبا له مع وجود الأسباب خالصا لله تعالى من قبل أنها إذا زالت زالت المحبة، وكذلك إن أبغضه لتغيير هذه الأسباب من [ ص: 237 ] الإساءة إليه بعد أن كان أحبه لله -عز وجل- ثم تغير لأن صحة الحب لله تعالى والبغض لا ينقلب بسبب بغض جعل في الطبع، وكل محبة تكون عن عوض فإنه إذا فقد العوض فقدت المحبة .