وأن يؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان ، وصفته في العظم أنه مثل طبقات السماوات والأرض توزن فيه الأعمال بقدرة الله تعالى والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل تحقيقا لتمام العدل وتوضح صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله بفضل الله وتطرح صحائف السيئات في صورة قبيحة في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله .
ومن أمور اليوم الآخر الميزان وغيره، وقد ذكر ذلك في قوله: (وأن يؤمن بالميزان) والوزن لغة: معرفة كمية بأخرى على وجه مخصوص، والحمل على الحقيقة ممكن، لكن نمسك عن تعيين جوهره، ونصب الموازين بعد الحساب، ثم عرف المصنف الميزان فقال: (ذي الكفتين، والميزان) كفة للحسنات، وهي من نور، والأخرى من ظلمة، وهي للسيئات (وصفته) أي: الميزان (في العظم أنه) أي: كل كفة منه (مثل طباق السموات والأرض) وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان -رضي الله عنه- أنه قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=687614 "توضع الموازين يوم القيامة، ولو وضعت فيهن السموات والأرض لوسعتهن"، وفي حديث آخر: "إن الجنة توضع عن يمين العرش، والنار عن شماله، ويؤتى بالميزان، فتنصب بين يدي الله تعالى كفة للحسنات عن يمين العرش، مقابلة للجنة، وكفة للسيئات عن يسار العرش مقابلة للنار". ثم إن المشهور أنه ميزان واحد لجميع الأمم، ولجميع الأعمال، فما ورد بصيغة الجمع في الآيات والآثار للتعظيم، وقيل: يجوز أن يكون للعامل الواحد موازين يوزن بكل منها صنف من عمله (توزن فيه الأعمال) أي: أعمال العباد المكلفين، فخرج بذلك الملائكة; لأنه فرع عن الحساب، وعن كتابة الأعمال خصوصا على القول بأن الصحف هي التي توضع في الميزان، كما يأتي، وكذا خرج منه الأطفال والأنبياء -عليهم السلام- تشريفا لقدرهم، وكذا من يدخل من الباب الأيمن من هذه الأمة، كما ورد في حديث .
(بقدرة الله تعالى) ولطيف حكمته وبديع صنعته، والممسك للميزان جبريل -عليه السلام- (والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل) الصنج بالصاد والسين المهملتين لغتان; والنون ساكنة، وآخرها جيم، معربة، يقال: اتزن مني بالصنجة الراجحة، وأنكر الجوهري السين، ومثاقيل: جمع مثقال، والذر: ما يرى في ضوء الشمس، والخردل: معروف (تحقيقا لتمام) صفة (العدل) بمقتضى الحكمة، وهل الموزون الكتب التي اشتملت على أعمال العباد أو أعيان الأعمال؟ قولان، الأول: ذهب إليه جمهور المفسرين، والإمام أبو المعالي، واستقر به ابن عطية، وأشار إليه المصنف بقوله: (وتطرح صحائف الحسنات) وهي الأعمال الصالحة بعد أن تصور (في صورة حسنة) نورانية (في كفة النور) -وهي اليمنى- المعدة للحسنات (فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله تعالى بفضل الله) سبحانه وتعالى .
(وتطرح صحائف السيئات) وهي الأعمال السيئة، بعد أن تصور (في صورة قبيحة) ظلمانية (في كفة الظلمة) -وهي الشمال- المعدة للسيئات (فيخف بها الميزان بعدل الله) سبحانه وتعالى، ولا يمتنع قلب الحقائق؛ خرقا للعادة، وقيل: يخلق الله أجساما على عدد تلك الأعمال، من غير قلب لها، ومن فوائد الوزن امتحان العباد بالإيمان بالغيب في الدنيا، وجعل ذلك علامة لأهل السعادة والشقاوة، وتعرف العباد ما لهم من الجزاء على الخير والشر وإدامة الحجة عليهم، والله الموفق .