اعلم أنه (لا يخفى) على أحد (أنه إذا تأكد حق القرابة والرحم فألصق الأرحام وأمسها الولادة فيتضاعف تأكد الحق فيها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لن يجزي ولد والده) وفي لفظ: "لا يجزي ولد والدا" والمعنى لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه والأم مثله بطريق الأولى ومثلهما الأجداد والجدات من النسب (حتى يجده) وفي لفظ: "إلا أن يجده" (مملوكا فيشتريه فيعتقه) أي: يخلصه من الرق بسبب شراء أو نحوه؛ لأن الرقيق كالمعدوم لاستحقاق غيره منافعه ونقصه عن المناصب الشريفة فيتسبب في عتقه المخلص له من ذلك كأنه أوجده كما كان الأب سببا في إيجاده فهو يتسبب في إيجاد معنوي في مقابلة الإيجاد الصوري .
وقال ابن العربي: المعنى فيه أن الأبوين أخرجا الولد من حيز العجز إلى حيز القدرة، فإنه تعالى أخرج الخلق من بطون أمهاتهم لا يقدرون على شيء كما لا يعلمون شيئا، فكفله الوالدان حتى خلق الله له القدرة والمعرفة واستقل بنفسه بعد العجز فكفاه بفضل الله وقوته لا بصورة الأمر وحقيقته أن يجد والده في عجز الملك فيخرجه إلى قدرة الحرية اهـ. لكن جعل الطيبي الحديث من قبيل التعليق بمحال للمبالغة يعني لا يجزي ولد والده إلا أن يملكه فيعتقه وهو محال؛ فالمجازاة محال اهـ .
وتبعه عليه بعضهم فقال: القصد بالخبر الإيذان بأن قضاء حقه محال؛ لأنه حصر قضاء حقه في هذه الصورة وهي مستحيلة؛ إذ العتق يفارق الشراء، فقضاء حقه مستحيل .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة اهـ .
قال: رواه في العتق بلفظ: "لا يجزي" ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأدب المفرد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان، وقال التقي السبكي في "النظر المصيب في عتق القريب" وقد روي القول "بأن من ملك ذا رحم محرم فهو حر" عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب نقله nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عنه وحكاه غيره عن nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة والحسن nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي وعطاء والحكم وحماد وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري والحسن بن صالح وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه، ونقله nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن أهل العلم، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، وهي رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، وصححها ابن عبد السلام المالكي.
ومحل الاختلاف بين الشافعية والحنفية في الرحم المحرم كالإخوة وأولادهم والأعمام والأخوات وجعلوا القرابات ثلاثة أقسام: هذا قسما متوسطا تجب صلته وتحرم قطيعته وهو دون قرابة الولادة وأعلى من بنوة العم، وهذا يقتضي أن بنوة العم لا توجب الصلة، والظاهر أن وجوب الصلة عام في كل الأقارب لأنها تسمى رحما؛ ولذلك يخصص فيقال: ذو رحم محرم، ورأيت في كتاب بر الوالدين لأبي [ ص: 314 ] بكر الطرطوشي من المالكية عن بعض العلماء ما يوافق كلام الحنفية وأن صلة الرحم إنما تجب إذا كانت هناك محرمية، ولعل هذا عن الحنفية .
والذي يظهر ما قدمناه أن الصلة واجبة في كل من تعرف من القرابة ويوافقه إطلاق الصحاح الرحم على القرابة، وقول الأزهري بينهما رحم؛ أي: قرابة قريبة تحمل على رحمة عظيمة وهذا الذي قلت: إنه الذي يظهر هو الذي اختاره nindex.php?page=showalam&ids=14703الطرطوشي واستدل له بحديث: "إن الله يسأل عن الرحم ولو بأربعين" وقاس بعضهم على النكاح ورد عليه الرضاع، وتعلق بعضهم بثلة الرحم ورد عليه الرحم الذي ليس بمحرم، وقاس بعضهم على الوالدين والولد، ولا يصح لأن الوالدين والأولاد جمعوا مع الرحم والمحرمية شيئا ثالثا وهو الجزئية، أحدهما بعض من الآخر وهو أقوى المعاني، ولا يقاس عليه ما هو دونه بكثير على أن nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري خالف في عتق الوالدين والأولاد بملكهم وقال: لا يعتق أحد على أحد، واحتج بما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=659787 "لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر مرفوعا ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا، فقال داود: الحديث يقتضي إنشاء إعتاق فلا يعتق عليه، وخالفه nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فقال: يعتق كل ذي رحم محرم، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في المشهور عنه يقول بعتق الوالدين والأولاد والأخوة والأخوات وهم السبعة الذين ذكرهم الله في كتابه الذين يستحقون ميراثه .
ولا يعتق العم والعمة والخال والخالة وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=17316يحيى بن سعيد الأنصاري، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن، والظاهر أنه صحيح عنهم وعن ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول ولم يصح عنهم، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: لا يعتق إلا الأصول والفروع بعلة البعضية وهي رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة قال بالتخصيص أيضا في رواية عنه فيما إذا ملك المكاتب ذا رحم محرم منه أنه لا يعتق عليه، ولم يراع الصلة مطلقا كالأوزاعي فمذهب nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أقرب منه؛ لأن معه دليلا وهو صلة الرحم .
وتمسك أصحاب الشافعي في الرد على nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة بالقياس على ابن العم فإنهم وافقوا عليه وبأن ذا الرحم المحرم لو استحق العتق لمنع من بيعه إذا اشتراه وهو مكاتب كالوالد والولد، وبأن الصلة لا تجب في تحريم منكوحة أحدهما على الآخر ولا في القصاص وهو القذف، ولا في وجوب النفقة في الكسب ولا في السفر بغير إذنه بخلاف الولادة فإنه يجب فيها صلة الرحم في جميع الحقوق فأوجبت العتق بأن الولادة قرابة بعضية، فيصير كما لو ملك بعض نفسه، وهذه قرابة مجاورة فيصير كما لو ملك غيره .
ومع ذلك المسألة مشكلة لعدم نص خاص فيها إلا الحديث، والحديث فيه ما فيه، فلو صح على الرأس والعين، وإذا لم يصح فمذهب داود يبتدره الذهن ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أمتن وأدق ويليه مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي، وأبعدها مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد لا مستند له إلا الحديث لو صح، وأبعد منه مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك لا يعضده حديث ولا نظر، فهي خمسة مذاهب انتهى .