ولذلك قيل السفر يسفر عن الأخلاق ؛ فإنه نوع من المخالطة الدائمة .
وستأتي غوائل هذه المعاني ودقائقها في ربع المهلكات فإن بالجهل بها يحبط العمل الكثير وبالعلم بها يزكو العمل القليل ولولا ذلك ما فضل العلم على العمل؛ إذ يستحيل أن يكون العلم بالصلاة ولا يراد للصلاة إلا أفضل من الصلاة؛ فإنا نعلم أن ما يراد لغيره فإن ذلك الغير أشرف منه وقد قضى الشرع بتفضيل العالم على العابد حتى قال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=709093فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي .
والثاني : عموم النفع لتعدي ؛ فائدته والعمل لا تتعدى فائدته .
والثالث : أن يراد به العلم بالله وصفاته وأفعاله فذلك أفضل من كل عمل بل مقصود الأعمال صرف القلوب عن الخلق إلى الخالق لتنبعث بعد الانصراف إليه لمعرفته ومحبته فالعمل وعلم العمل مرادان لهذا العلم وهذا العلم غاية المريدين والعمل كالشرط له وإليه الإشارة بقوله تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فالكلم الطيب هو هذا العلم ، والعمل كالحمال الرافع له إلى مقصده فيكون المرفوع أفضل من الرافع .
وهذا كلام معترض لا يليق بهذا الكلام .
فهذا من جملة امتحانهم لنفوسهم طول المدة (فالمخالطة لها فائدة ظاهرة في استخراج الخبائث وإظهارها؛ ولذلك قيل) إنما سمي (السفر) سفرا لأنه (يسفر) أي: يكشف ويوضح (عن أخلاق الرجال؛ فإنه نوع من المخالطة دائما وستأتي غوائل هذه المعاني ودقائقها في ربع المهلكات) إن شاء الله (فإن بالجهل بها يحيط العمل الكثير) أي: يفسد ويهدر (وبالعلم بها يزكو) أي: ينمو (العمل القليل ولولا ذلك لما فضل العلم على العمل؛ إذ يستحيل أن يكون العلم بالصلاة ولا يراد إلا للصلاة أفضل من الصلاة؛ فإنا نعلم أن ما يراد لغيره فإن ذلك الغير أشرف منه) ، وهنا فالعلم أريد به الصلاة؛ فيلزم منه أن تكون الصلاة أفضل منه .
(وقد قضى الشرع) أي: مشرعه أي: حكم (بتفضيل العلم على العمل حتى قال -صلى الله عليه وسلم-: nindex.php?page=hadith&LINKID=709093فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي) رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة بلفظ: على أدناكم. وفيه زيادة، وقد تقدم في كتاب العلم مفصلا (فمعنى تفضيل العلم) على العبادة (يرجع إلى ثلاثة أوجه: أحدها: ما ذكرناه، والثاني: عموم نفعه؛ إذ تتعدى فائدته والعمل لا تتعدى فائدته) ؛ إذ نفعه مقصور على صاحبه (الثالث: أن يراد به العلم بالله وبصفاته وأفعاله) ومعاملاته (فذلك أفضل من كل عمل) وهذه الوجوه الثلاثة قد تقدم بيانها في كتاب العلم في أمثالهم في أثناء بيان الأخبار الواردة في بيان فضل العلم (بل مقصود الأعمال) أي: مقصود منها (صرف القلوب عن الخلق) وعطفها (إلى الخالق لتنبعث) وتنشئا (بعد الانصراف إليه لمعرفته ومحبته) فليس شيء في هذا العالم الذي لا أعز من معرفته ومحبته (فالعلم وعلم العمل مراد لهذا العلم) ومقصود لأجله (وهذا العلم غاية المريدين) الصادقين وإليها تنتهي هممهم والانصراف إليه من جملة محبته وهي باب من أبواب معرفته (والعمل كالشرط له) يقع لوقوعه وهو كالعلامة له (وإليه الإشارة بقوله تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فالكلم الطيب هو هذا العلم، والعمل له كالجمال الرافع إلى مقصده فيكون المرفوع أفضل من الرافع) لا محالة (وهذا كلام معترض) بين كلامين (فلا يليق بهذا الكلام) الذي نحن فيه من بيان الخلوة والعزلة وإنما يليق ذكره في كتاب العلم، وتقدمت الإشارة إليه هنالك .