والفرق بين العالم والصوفي في ظاهر العلم يرجع إلى هذا وهو أن الصوفي لا يتكلم إلا عن حاله فلا جرم تختلف أجوبتهم في المسائل والعالم هو الذي يدرك الحق على ما هو عليه ولا ينظر إلى حال نفسه فيكشف الحق فيه وذلك مما لا يختلف فيه فإن الحق واحد أبدا والقاصر عن الحق كثير لا يحصى .
؛ ولذلك سئل الصوفية عن الفقر فما من واحد إلا وأجاب بجواب غير جواب الآخر وكل ذلك حق .
بالإضافة إلى حاله وليس بحق في نفسه إذ الحق لا يكون إلا واحدا. .
ولذلك قال أبو عبد الله الجلاء وقد سئل عن الفقر فقال : اضرب بكميك الحائط وقل ربي الله فهو الفقر .
وقال الجنيد الفقير هو الذي لا يسأل أحدا ولا يعارض وإن عورض سكت .
وقال سهل بن عبد الله الفقير الذي لا يسأل ولا يدخر .
وقال آخر هو أن لا يكون لك فإن كان لك فلا يكون لك من حيث لم يكن لك .
وقال إبراهيم الخواص : هو ترك الشكوى وإظهار أثر البلوى .
والمقصود أنه لو سئل منهم مائة لسمع منهم مائة جواب مختلفة قلما يتفق منها اثنان وذلك كله حق من وجه؛ فإنه خبر كل واحد عن حاله وما غلب على قلبه .
ولذلك لا نرى اثنين منهم يثبت أحدهما لصاحبه قدما في التصوف أو يثني عليه بل كل واحد منهم يدعي أنه الواصل إلى الحق والواقف عليه لأن أكثر ترددهم على مقتضى الأحوال التي تعرض لقلوبهم فلا يشتغلون إلا بأنفسهم ولا يلتفتون إلى غيرهم .
(والفرق بين العالم والصوفي في ظاهر العلم يرجع إلى هذا وهو أن الصوفي لا يتكلم إلا عن حاله) الذي أقامه الله فيه (فلا جرم تختلف أجوبتهم في المسائل) إذا سئلوا عن شيء .
(والعالم) الكامل المحيط بعمله (هو الذي يدرك الحق على ما هو عليه ولا ينظر إلى حال نفسه) وإذا نظر لا يعتمد (فيكشف الحق فيه) على ما هو عليه (وذلك مما لا يختلف فيه واحد أبدا) كم ذهب إليه سائر العلماء وقرره الأصوليون وقال بعضهم: بل الحق يتعدد، وإليه جنح التاج السبكي وأيده القطب الشعراني واختاره في مؤلفاته .
(والقاصر على الحق كثير لا ينحصر؛ ولذلك سئل الصوفية عن الفقر) والفقير (فما من واحد) منهم (إلا وأجاب بجواب سوى جواب الآخر وكل ذلك حق بالإضافة إلى حاله) ومقامه (وليس بحق في نفسه إذ الحق لا يكون إلا واحدا .
ولذلك قال أبو عبد الله) أحمد بن يحيى (الجلاء) البغدادي الأصل نزيل الرملة ودمشق من أكابر مشايخ الشام صحب أبا تراب النخشبي nindex.php?page=showalam&ids=15874وذا النون وأبا عبيد السري وأباه يحيى الجلاء (وقد سئل عن الفقر فقال: اضرب بكميك الحائط وقل ربي الله فهو الفقر) وهو إشارة إلى كمال التخلي عن الدنيا وصدق التوجه والالتجاء إلى الله تعالى (وقال) nindex.php?page=showalam&ids=14021أبو القاسم (الجنيد) قدس سره: (الفقير هو الذي لا يسأل) أحدا شيئا (ولا يعارض) في شيء (وإن عورض) في شيء (سكت) ولم يتحرك .
(وقال) nindex.php?page=showalam&ids=16065أبو محمد (سهل بن عبد الله التستري) قدس سره (الفقير) هو (الذي لا يسأل) أحدا شيئا (ولا يدخر) لنفسه شيئا (وقال آخر) الفقير (هو أن لا يكون لك فإذا كان لك فلا يكون لك ومن حيث لم يكن لك لم يكن لك) وقال أبو القاسم القشيري في الرسالة: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت عبد الله بن محمد الدمشقي يقول: سمعت إبراهيم بن الولد يقول: سألت nindex.php?page=showalam&ids=12658ابن الجلاء متى يستحق الفقير اسم الفقر؟ فقال: إذا لم تبق عليه بقية منه. فقلت: كيف ذلك؟ فقال: إذا كان له فليس له، وإذا لم يكن له فهو له.
(وقال) أبو إسحاق (إبراهيم) بن أحمد (الخواص) قدس سره، وهو من أقران nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد والنوري وله في التوكل والرياضيات حظ كبير، مات بالري سنة إحدى وتسعين ومائتين (الفقر: هو ترك الشكوى وإظهار أثر البلوى) وقال nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ: حقيقة الفقر أن لا يستغني إلا بالله ورسمه عدم الأسباب كلها، وقال أيضا: الفقر هو خوف الفقر، وقال رويم: هو إرسال النفس في أحكام الله تعالى، وقال آخر: الفقر أن لا يستغني الفقير في فقره بشيء إلا بمن إليه فقره، وقال أبو الحسين النوري: هو السكون عند العدم والإيثار عند الوجود، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14567الشبلي: هو أن لا تستغني بشيء دون الله تعالى، وقال مظفر القريسيني: الفقير هو الذي لا تكون له إلى الله حاجة، قال nindex.php?page=showalam&ids=12850القشيري: يشير به إلى سقوط المطالبات وانتفاء الاختيار والرضا بما يجريه الحق، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13121ابن خفيف: الفقر عدم الإملاك والخروج من أحكام [ ص: 376 ] الصفات، وقال محمد بن المسوحي: الفقير الذي لا يرى لنفسه حاجة إلى شيء من الأسباب، وقال أبو بكر الحصري: الفقير الذي لا يملك ولا يملك:
(والمقصود أنه لو سئل منهم مائة لسمع منهم مائة جواب مختلفة قلما يتفق فيها اثنان) على مضمون واحد (وذلك كله حق من وجه؛ فإنه أخبر كل واحد عن حاله وما غلب على قلبه) وما كشف له عن سره (ولذلك لا ترى اثنين منهم يثبت أحدهما لصاحبه قدما في التصوف أو يثني عليه) في حاله الذي أقامه الله فيه (بل كل واحد منهم يدعي أنه) هو (الواصل إلى الحق والواقف عليه) وكل يدعي وصله بليلى (لأن أكثر ترددهم على مقتضى الأحوال التي تعرض لقلوبهم) عرضا مختلفا (فلا يشتغلون إلا بأنفسهم ولا يلتفتون إلى غيرهم) بحكم المقام والتجلي .